الثورة السورية ، أماني وحقائق

ناديا مظفر سلطان

المقابلة التي أجراها مذيع قناة ال ب ب س البريطانية (ستيفن ساكر)  مع رئيس الوزراء السوري المنشق رياض حجاب ، يوم الأربعاء الفائت في الحادي والعشرين من نوفمبر ، كانت تلخيصا كاملا لأخبار الإعلام الغربي و"أمانيه ،من قبل ، على مدى عشرين شهرا " ، فيما يتعلق  بالثورة السورية .

وفي القرآن "فقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق" 48 التوبة

وقلب الأمور ، ابتغاء الفتنة ، وتجريد الثورة السورية من مضمونها الحقيقي ، كثورة حرية وكرامة ، إلى غوغاء طائفية ، أو حرب أهلية ، كان أسلوبا واضحا اتبعه المضيف "ساكر" مع ضيفه "حجاب"

في البداية تساءل المضيف مشككا بدور إيران كموجه قتالي ريادي أول على الأرض السورية ، فسأل ضيفه ببراءة : أين برهانكم على هذا الاتهام ؟!

ثم انثنى إلى استعراض الأقليات بإيحاء خبيث لدور الطائفية ، كمحرض أول للثورة ، ثم عمد فجأة إلى الهجوم المباشر على ضيفه طاعنا بولائه باعتبار أنه كان بالأمس الساعد الأيمن للنظام  ، ثم انتقل إلى التشكيك بوحدة المعارضة ومقدرتها على سد الفراغ السياسي وهي على ما هي من  نزاع وصراع .

وفي النهاية اختتم اللقاء بتسليط الضوء على  عملية التصفية التي قام بها الجيش الحر في ادلب لبعض الأسرى من جيش النظام ، باعتبارها إجراء بربري لا يمت للإنسانية بصلة !

الأسئلة بمجملها كانت تحجيما واضحا لحقيقة  الثورة ، تماما كما كانت محاولات الاعلام الغربي خلال عشرين شهرا والذي ما فتئ على قنواته الإخبارية ينعت الثورة السورية أنها  طائفية حينا ، أو أهلية حينا آخر....."تلك أمانيهم " ، و الحقيقة  أن تلك الأماني هي صفاقة عجيبة وحضيض لا أخلاقي مروع أمام  واقع الثورة ، وحرب الإبادة التي تشن على الشعب السوري ، من قصف بالأسلحة المحرمة دوليا ، وقنص عشوائي لم يستثن طفل أو رضيع ، وذبح بالسكاكين ، وتعذيب للمعتقلين حتى الموت ، وإعدامات جماعية ، وتهجير لمئات الألوف التي باتت تنام في العراء في صقيع الشتاء.

"يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت "الأنفال 6

ولكن يبدو أن الإقرار بالحق رغم بيانه ونصاعة صورته على الملأ ، مسألة قاسية ،على الكثيرين ،بل إنها مرّة مرارة الموت . "وأكثرهم للحق كارهون"

ورسالة الحق التي أتى بها محمد بن عبد الله النبي الأمي - ص-  وصلت إلى قومه ،فلم يضلوا عنها ، ولم تضل عنهم أبدا ، بأنها رسالة حق  .

 والوليد بن المغيرة ،سيد قريش ، كان  خير من وصف القرآن ،  فقال لقومه : والله لقد سمعت محمدا آنفا يقول كلاما ما هو من كلام الإنس ، ولا من كلام الجن ، إن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وإنه يعلو وما يعلى عليه"...ولم يدخل الإسلام !!بل أعلن لقريش بصفاقة عجيبة أيضا ، أن محمد ساحر يفرق بين الرجل وأهله ، وولده ومواليه .

وقريش وقعت يوما في حيرة كبيرة لتحجيم رسالة الحق التي أتى بها محمد - ص - فوصفته  بالكاهن تارة ، ثم بالشاعر تارة ، ثم بالمجنون  تارة أخرى ، حتى إذا أخفقت ، انتهت إلى أن تغدق عليه العروض السخية  من زعامة ومال وجاه وكلها أماني بأن يقبل ويتنازل عن دعوة الحق .

وأمنية الغرب اليوم ، بأن تنتهي  الثورة السورية إلى درك الطائفية فيتم القتل على الهوية ،أو أن  يشتعل فتيل النزاع بين المعارضة ، أو أن يتسلل الشك بولاء أفرادها ، أو أن  تتفاقم زلات الجيش الحر ليصدر الحكم بعدم "صلاحية الثورة ".

"كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون" الذاريات 52

والقرآن ينبئنا أن تكذيب الحق والباسه لبوس الباطل ، قضية ممعنة في القدم ، وبعيدة في تاريخ  الأمم حتى  ما قبل الرسالة المحمدية.

وكتب السيرة النبوية تقص علينا عناد كبراء قريش ومكابرتهم ، بالانصياع للحق و"الانشقاق "عن قريش ، ومحاربتهم الاسلام لسنوات ، حتى اجتمعت العبقرية الحربية مع الدهاء السياسي يوما على مشارف مكة ، فالتقى عمرو بن العاص وخالد بن الوليد  وأجمعا أمرهما : " والله لقد استقام المنسم  ،وإن الرجل لنبي ، أّذهب وأسلم فحتى متى؟؟ " ، واسلما معا .

اليوم وبعد عشرون شهرا من ثورة "الحرية والكرامة " ، لازال البعض مكابرا ، ينظر أنها مؤامرة أودت بالبلاد وفرقت العباد ، والبعض لازال يتمنى لو أنها ما كانت ، فقد حرم العيش بسلام ووئام  . أما الغرب فلا مخرج له من "مأزق الحق"هذا  إلا بالعزف على الأوتار ذاتها منذ بداية الثورة : طائفية ،اختلاف المعارضة ، تخوين أفرادها ، وزلات ثوارها ...

والحقيقة أنني كنت أتمنى الرد على مستر ساكر :

أن الثورة السورية ليست طائفية إذ لازال الكثير من الطائفة  السنية يؤازرون النظام ويدعمونه ، بل إن في أفراد العائلة الواحدة هناك المؤازر وهناك المعارض ، هي فعلا "فرقت بين الرجل وأهله وولده ومواليه"

وإن الصراع في صفوف المعارضة أمر  لابد منه في الحقل السياسي ، لأنه جزء من التعددية وسبيل للديمقراطية ، والاتفاق الجماعي المطلق الذي يتمناه الغرب لنا  بنسبة مائة إلا واحد 99% "الواحد المفقود من شر حاسد إذا حسد"، هذا الاتفاق المطلق يعني عودة  "حليمة " إلى الحكم و"عادتها القديمة" التي دفع الشعب غاليا للخلاص منها.

أما الجيش الحر فيتوجب عليه من الآن وصاعدا  أن يسعى لإيجاد "مأوى صحي للأسرى"، وإن  كان على حساب اللاجئين الذين اتخذوا من المدارس سكنا بعد ضياع بيوتهم ،  تتوافر فيه التدفئة رغم انعدام الوقود ،ويقدم فيه الغذاء رغم ندرة الخبز نتيجة قصف المخابز ، ويسعف فيه الجرحى رغم التربص بالأطباء وتصفيتهم !!

تلك هي أمنياتي .. والحق سبحانه يقول

"ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا،ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا "النساء 123  

يقول ابن عباس :( تخاصم أهل الأديان فقال أهل التوراة : كتابنا خير كتاب ، ونبينا خير الأنبياء ، وقال أهل الإنجيل مثل ذلك ، وقال أهل الإسلام لا دين إلا الإسلام ، وكتابنا نسخ كل الكتب ونبينا خاتم الأنبياء ، وأمرتم وأمرنا أن نؤمن بكتابكم ونعمل بكتابنا .  فقضى الله تعالى بينهم في هذه الآية . وقال لهم ليس فضل الدين وشرفه ، ولا نجاة أهله  تكون بأن يقول القائل منهم إن ديني أفضل وأكمل ، بل عليه أن يعمل بما يهديه إليه دينه  ،فالجزاء للعمل لا للتمني والغرور ، فليس أمر نجاتكم ، ولا نجاة أهل الكتاب ، منوطا بالأماني في الدين ، لأن الأديان لم تشرع للتفاخر والتباهي ، ولا تحصل فائدتها بالانتساب إليها ، دون العمل بها ، فالعبرة بطاعة الله ، واتباع شرعه الذي جاء على ألسنة الرسل الكرام ،ومن يعمل سوءا ، من أي دين يجد جزاءه ولن ينصره أحد من بأس الله ولن يجيره أحد من سوء العذاب).

 رجاء وابتهال لله تعالى ، أقرب منه للأماني ، أن يقرأ و" يتدبر" كل فرد في صفوف المعارضة السياسية ،من ذكر أو أنثىى ، ومن شتى الطوائف ، هذه الآية عسى أن تتضافر الجهود بين الدهاء السياسي ، والعبقرية الحربية ،  لتعود لسوريا حريتها وكرامتها.