الكتاب الإلكتروني
يسري الغول
عندما كنت أعمل مدرساً لمادة اللغة الانجليزية في إحدى مدارس غزة، كان يستوقفني كثيراً ذلك الدرس الذي ينفي قدرة الطلاب على الدراسة الالكترونية، وذلك لصعوبة حمل جهاز الحاسوب، ولأشياء أخرى ليست في صالح المجتمع التعليمي. وكنت أتساءل بيني وبيني: ترى هل سينجح العلماء بابتكار أجهزة الكترونية قادرة على تجاوز تلك المفاهيم والقدرات؟ حتى تم صناعة جهاز اللاب توب (LapTop) وفرحنا فيه وطرنا فرحاً بما يمكن أن نعتمد عليه في رحلاتنا دون الحاجة للكهرباء بسبب وجود بطاريات تكفي للعمل لساعات متواصلة. وصرت متيقناً من أن هذا الدرس لم يعد له حاجة. ولم تمض عدة سنوات وإذ بنا أمام طفرة غير مسبوقة في تطور الأجهزة الذكية، فصار لدينا أجهزة الآي باد والسامسونج وغيرها من الأجهزة اللوحية التي صارت بديلاً حقيقياً عن الكتاب الورقي في عدة دول متقدمة، حيث يحصل الطالب على جميع المتعلقات بالمنهاج من خلال الجهاز اللوحي الأمر الذي عمل على تخفيف العبء عن ظهور الطلاب، في حين أن ظهور طلابنا تقوست من شدة ما يجرم بعض المدرسين في حق الطفولة حين يطلبون كراريس متعددة للمادة الواحدة، الأمر الذي يزيد في حجم الحقائب فتعمل على اعوجاج العمود الفقري وضغط الفقرات وغيره، ورغم ذلك ما يزال هناك من لا يسمع ما نقوله من أننا في عصر التقدم والتطور لسنا في حاجة لذلك الكم الهائل من الدفاتر والكتب وغيره. وبإمكان العوائل أن تحصل على ما تريده من خلال المواقع الالكترونية، لكن ربما يعيق ذلك انقطاع الكهرباء وبعض الإشكاليات الأخرى.
الأمر الآخر الذي يجب أن نعرج عليه، هو الكتاب الالكتروني المعرفي والثقافي الذي نحتاجه، فنحن نعيش اليوم حالة غير مسبوقة من الحصار، الأمر الذي يدفع باتجاه البحث عن بدائل تمكننا من الحصول على ما نريد. إلى جانب التكاليف الباهظة للكتب الورقية التي تدفع بالاستغناء عنها والاتجاه نحو الالكتروني. كما أن انقطاع التيار الكهربائي في غزة يمنع القدرة على قراءة الورقي، ولقد قرأنا الكثير من الكتب مؤخراً من خلال أجهزة الهواتف الذكية وتحدثنا في أعمال أليف شفاق وعلي الوردي وعلي شريعتي وابن قرناس وبورخيس وغيرهما.
الكتاب الالكتروني رغم ذلك، ليس كله خير، حيث إنه قد يضر بالعين ويعمل على تجفيف ماء العين حسبما يقول بعض الأطباء، إلى جانب انتهاك حقوق الملكية الفكرية في ظل وجود العولمة التي احتلت كل أروقة هذا العالم. ولكن لا ينبغي أن نخشى الكتاب الإلكتروني، ولكن ينبغي أن يتركز جهدنا على الحفاظ على علاقتنا بالقراءة أياً ما كان نوع الكتاب، فالمعرفة هي العنوان الذي يجب أن تتسم به أمة اقرأ وتكون في طليعة الأمم المتقدمة والناضجة.