أدعياء الفضيلة والأخلاق !

فائز سالم بن عمرو

[email protected]

 تعيش بلادنا مرحلة من اسواء مراحلها من الخلاف والشتات والتباعد ، فقد فتحت في وجوهنا أبواب جهنم ، ونبشنا التاريخ الأسود ، والذكريات المؤلمة والمحزنة ، وأدمنّا إذكاء الصراعات السياسية والفكرية والاجتماعية والمذهبية ، وطوينا صفحة التسامح والعفو . والأدهى بان هذا الصراع الذي يحدث في كل المجتمعات ، ويصيبه غباره كل الأمم ألبس في بلادنا ومجتمعنا لباس الدين والفضيلة ، فلم يعد الخلاف ينتهي عند حدود خلاف سياسي أو فكري أو حتى اجتماعي ، بل سريعا ما يصل إلى صراع وتكفير وتفسيق وإلغاء ، وربما يصل إلى التصفية الجسدية .

 أدعياء الفضيلة والاخلاق نصبوا أنفسهم جلادين للمجتمع ، وفرضوا بأبويتهم الكنسية على الناس ، وتعاملوا مع خلق الله بمنطق فوقي : " افعل ولا تفعل " ، " قل ولا تقول " ، " انقاد ولا ترفض " . هؤلاء الجماعة يظنون إن بشكتهم وجماعتهم هي المنصورة ووحدها التي تسير على الحق ، وكل سلوكهم وأفعالهم هي التدين والإسلام ، فهم ظل الله على الأرض ، لا يخطئون ملائكي الصفات . أدعياء الفضيلة والاخلاق ظنوا بان أفعالهم وتصرفاتهم هي الدين ، وان من يخالفهم أو ينتقدهم ولو في قضية دنيوية أو سياسية أو فكرية هو من أهل الضلال والفسق والفجور . أدعياء الفضيلة والأخلاق الحقُّ مناصرا لهم لا ينفك عنهم ، بينما الآخرون موصومون بالخطأ والزلل ، وكثيرا ما يوصفون مخالفيهم بالمتآمرين على الدين والدنيا .

 تنبه الشيخ أسامة بن لادن حينما انتقد تصرفات أمير دولة العراق الإسلامية أبو مصعب الزرقاوي قائلا : " الجهاد اسمي معاني الإسلام ، فلا تظنوا كل أفعالكم جهادا ، فانتم بشر تصيبون وتخطئون ، ولا يوجد تلازم بين أفعالكم وسلوكم الدنيوي ، وبين الجهاد ذروة سنام الإسلام " . إخوتي أدعياء الفضيلة والأخلاق نحن مثلكم ، نصلي كما تصلون ، ونصوم كما تصومون ، فلماذا تكون أفعالكم صوابا وفضيلة ، وأفعالنا خطاء ورذيلة ؟! . انتم تخطئون وتصيبون ، فليس كل من خالفكم أو انتقدكم ينتقد الدين ، ويرفض الأخلاق ، ويدعو للرذيلة ، وينشر الفاحشة بين المسلمين ؟! . فكلنا مسلمون لا يزايد أحدا بالفضيلة والتدين ، فالجميع امة واحدة مسلمة نحب الإسلام ، ونكره الفسوق والعصيان ! .

 أسس الشرع الفضيل قاعدة ذهبية لمعرفة حقيقة وجوهر مدّعيَّ الفضيلة والأخلاق ، وفحص زيف خطابهم وادعاءاتهم مأخوذة من حديث أبي هريرة في البخاري ومسلم وفيه ... " إذا خاصم فجر " ، فإذا رأيت رجلا حسن المظهر والهندام يخطب ويزبد وينصح ويسرد الآيات والأحاديث ، فقم بنصحه والخلاف معه ، فإذا خاصم وفجر وشتمك ووصفك بالسفيه والقذر وعدو الفضيلة ، فاغسل يدك منه ، أما إذا حلم وسمع ووسع صدره لنقدك ، والتزم الأدب والخلق وضوابط الشرع في خصومته مقتديا بقول جل جلاله : {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (34) سورة فصلت ، فألزم طريقه ونهجه ، وهذا النصف يكاد ينقرض ويضمحل .

 إخواني أدعياء الفضيلة والأخلاق ذكر الإمام محمد بن إسماعيل البخاري في فتح الباري في شرح صحيح البخاري في " كتاب الإيمان » باب " الدين يسر " ، مسألة " باب الدين يسر وقول النبي صلى الله عليه وسلم أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة " حدثنا عبد السلام بن مطهر قال حدثنا عمر بن علي عن معن بن محمد الغفاري عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة " ، فليس كل ما تقوله أو تسرده أو تستشهد به هو الدين ، إنما هو في الحقيقة فهمك للدين ! ، فهم جماعتك للشرع ! . فهمك المتصف بالنقصان والزيادة والذي قد تعتليه الشبهة والشهوة ودوافع النفس .. فاستحلفك بالله أخي المسلم ، بالا تصف إخوتك بالسفهاء وأعداء الفضيلة ، إذا خالفوك أو انتقدوا سلوكك وأفعالك ؟! .