من بدأ العدوان يوقفه.. غزة لن تستسلم
من بدأ العدوان يوقفه.. غزة لن تستسلم
ياسر الزعاترة
في سياق المشهد الذي نحن بصدده في قطاع غزة، لا يمكن إلا أن نستذكر ذلك المشهد الذي عشناه مطلع 2009، عندما لم يجد الإسرائيليون ما يمكن أن يفعلوه بعد تطور المعركة من الضربات الجوية إلى الاجتياح البري للمناطق المفتوحة، ومن ثم الاقتراب من المناطق السكنية، وحيث أصبح على الجيش الإسرائيلي أن يخسر الكثير من جنوده، مع غيابٍ لإجاباتٍ مقنعة عن أسئلة المرحلة التالية في حال دخل القطاع بالفعل، سواءً أعاده إلى نظام الاحتلال الكامل، أم بادر إلى تسليمه لسلطة عباس ودحلان التي ستغدو مفضوحة أمام الرأي العام الفلسطيني والعربي، هذا بفرض النجاح وعدم وقوع خسائر كبيرة في المدنيين تضطر المحتلين إلى الانسحاب قبل إكمال المهمة تحت ضغط مظاهرات عارمة في العالم أجمع.
كان عليه لتجنب تلك السيناريوهات الصعبة والمعقدة وما تنطوي عليه من خسائر أن يطلب إنهاء المعركة، لاسيما إثر تزامن ذلك مع حفل تنصيب أوباما رئيسا، فكان أن أوكل المهمة إلى نظام حسني مبارك الذي ألقى (عبر عمر سليمان) بكل ثقله من أجل أن يفرض على حركة حماس إعلان وقف إطلاق النار من طرفها كي يبدو الأمر كما لو كان هزيمة لها، فكان أن صمد ممثلوها في القاهرة وفرضوا في النهاية على العدو أن يحدد هو ساعة وقف إطلاق النار، ومن ثم يقبل بتهدئة متزامنة ومتوازنة مع المقاومة وحركة حماس.
اليوم تتكرر الحكاية، لكنه المشهد يبدو مختلفا إلى حد كبير، ذلك أن قوة المقاومة قد تطورت بشكل واضح منذ ذلك التاريخ، فيما تغير الفضاء المحيط وحل مكان حسني مبارك نظام سياسي من لون مختلف، فيما تبدو أجواء الربيع العربي برمته غير مواتية للإسرائيليين.
هكذا يبدو الجانب العسكري مختلفا، وبما لا يقل أهمية عن السياسي، ويكفي أن العدوان الصهيوني قد أعاد تصحيح بوصلة الشارع العربي نحو عداء الكيان الصهيوني والولايات المتحدة بعد شيء من الارتباك في المشهد بسبب الملف السوري، مع أن مزيدا من التدقيق كان يؤكد أن من يقف وراء إطالة أمد المعركة في سوريا من أجل تدميرها هو الكيان الصهيوني الذي يملي على واشنطن سياستها الخارجية في الملف الشرق أوسطي، بدليل أن من وقف ضد تسليح المعارضة السورية بالسلاح النوعي هو الغرب بقيادة الولايات المتحدة، وهو موقف سيتغير تدريجيا بعدما أدرك الجميع أن إمكانية سقوطه بين لحظة وأخرى صارت واردة إلى حد كبير.
في المشهد العسكري كانت حماس وقوى المقاومة جاهزة إلى حد كبير، أولا- بقدرتها على الرد بضرب العمق الصهيوني وصولا إلى التصدي للطيران ومنعه من التحليق في مستويات متدنية، وثانيا- بجاهزيتها للتصدي لأي توغل بري على نحو مختلف عما كان عليه الحال في 2008، ومطلع 2009.
من هنا تبدو خيارات العدو محدودة على مختلف المستويات؛ الأمر الذي سيضطره إلى طلب وساطات بدأت بالفعل، وهي وساطات لن تصل إلى نتيجة دون وقف العدوان من طرفه مع قبول الطرف الفلسطيني بالتهدئة. أما التفكير بفرض الاستسلام على قطاع غزة وحماس، فيبدو حلما بعيد المنال مهما طال أمد المعركة.
حماس اليوم، ومعها قوى المقاومة لن تقبل بأن يثأر الكيان الصهيوني لهزيمته عام 2009 بعدما بات وضعها أفضل من ذي قبل، فيما الوضع العربي في حال مختلفة نسبيا. وقد تابع الجميع كيف حلَّ رئيس الوزراء المصري ضيفا على قطاع غزة في عز العدوان الإسرائيلي (تلاه وزير الخارجية التونسي)، بينما يقول الرئيس المصري بأنه لن يسمح بالاستفراد بقطاع غزة، فيما شارعها الشعبي يتظاهر نصرة للفلسطينيين، بينما كان في 2008 يجيَّش من قبل الفلول لتحميل المسؤولية لحماس عبر اتهامها باستجلاب العدوان. ولا تسأل بعد ذلك عن رأي الشارع العربي، أكان في الدول التي انتصرت فيها الثورات، أم في الدول الأخرى، والذي لن يقبل من أنظمته السكوت عن العدوان كما فعلت في المرة الماضية.
خلاصة القول هي أنه لا خيار أمام قطاع غزة غير الانتصار على العدوان، ولا خيار أمام نتنياهو غير جرِّ أذيال الخيبة، حتى لو نجح في اصطياد رأس كبير ومهم في حركة حماس هو الشهيد أحمد الجعبري. والنتيجة أن القطاع لن يقبل بأن يتحول إلى دولة جوار للعدو، وهو سيواصل التجهيز ريثما يجري تصحيح البوصلة الفلسطينية برمتها في اتجاه الإجماع على خيار المقاومة الذي ألغاه عباس إلى وقت لن يطول بإذن الله.