صرخة أحرف

د. أسامة سيد سليمان

صرخة أحرف

د. أسامة سيد سليمان

ذهبت لأغطى أحداث اجتماع مجلس أمن أحرف اللغة العربية حيث كان هو الاجتماع الأول الذى يشهد مناقشة شكوى أحرف ضد أحرف أو بمعنى أصح من مساعدات الأحرف ضد بعضها البعض.

لقد كان حدثا تاريخيا فى أحداثه ومجرياته وتوصياته ففيه رفع متضامنين حرفان صغيران (حركتان من حركات الأحرف) هما الفتحة والكسرة شكواهما ضد النقطة لمجلس الأمن بعدما استعصت على جميع المفاوضات الوصول إلى حل توافقى لعلاج الأمر وتتمحور الشكوى حول أن النقطة قد اعتبرت حالة التردى اللغوى لدى العرب فرصة ذهبية للتمدد والاستيلاء على بعض أراضى الكسرة خاصة فى ظل اتساع تأييد بسطاء العرب ومقلديهم وبأسباب واهية وبلا وعى لذلك الاغتصاب.

لقد شرحا وجهة نظرهما ودفوعهما فى تلك القضية من خلال رد الأمور إلى منشأها وأصولها حيث استهلا عرض قضيتهما بأن النقاط قد تم اختراعها وابتكارها للتمييز بين الأحرف المتشابهة مثل (ح) و (ح) لتصبح (ح) و (خ) وأيضا (ع) و (ع) لتصبح (ع) و (غ) وكذلك (ىـ ) و (ىـ)  و (ىـ) و (ىـ) و (ىـ) لتصبح (ب) و (ت) و (ث) و (ن) و (يـ)  وقد كان لذلك أعظم الأثر فى ضبط لغتنا الجميلة فبعد أن كانت كلمة مثل (أىـىـىـ) يمكن أن تقرأ قراءات مختلفة أصبح التمييز سهلا بين (أتيت) و (أثبت) و (أنبت)  وهكذا فقد حصرت وظيفة النقاط فى التمييز بين الأحرف المتشابهة بدون نقاط أما نحن حروف الحركات كالفتحة والكسرة والضمة والسكون والشدة فإن وظيفتنا هى التمييز بين حركات الأحرف وليس التمييز بين الأحرف فحين تكتب كلمة (عمر) مثلا فإننا نميز بين (عٌمَرْ) و (عٌمْر) و (عَمَّرَ) كذلك فإن النقطة لا علاقة لها بالأحرف التى لا تتشابه مع غيرها مثل (الكاف) و (اللام)  و (الميم) و (الواو) و(الياء) (ى) فى آخر الكلمة.

ولكننا فوجئنا بالنقطة تزحف نحو حرف (ى) وتضع نفسها مزدوجة تحته وحتى دون طلب من الـ (ى) حيث تضامن أيضا معنا حرف الياء وهنا انبرى حرف الـ (ى) قائلا إننى مميز دون حاجة لمساعدة من أحد ولا يلتبس على أحد نطقى والمساعدة الوحيدة التى أطلبها هى مساعدة حروف التشكيل وليس النقطة التى تنزوى تحتى بلا داعى فلا أستطيع أن استقر بسلام فى موقعى ثم واصلت الكسرة قولها بأن النقطة ادعت أنها تميز بين (عَلِىّ) و(علَى) فى حين أن هذا التمييز من صميم اختصاصنا وهو التمييز بين حركات الأحرف وليس التمييز بين حروف متشابهة لا يمكن التمييز بينها إلا بالنقاط.

إن هذا التداخل فى الاختصاصات لا شك يؤدى إلى تشويه لغتنا الجميلة وهو غير معمول به فى رسم المصحف الذى كرم لغتنا والذى كلامه أولى بالضبط , فلا يجوز استغلال ضعف العرب وسذاجة الكثير منهم لتشويه لغتهم وللدلالة على ذلك فإننا إذا كتبنا كلمة مثل صافى أو عالى بلا نقاط تحت الـ (ى) فلن يتم نطقها إلا نطقا واحدا دون حاجة لتلك النقاط المزعومة.

إلى هنا انتهت الكسرة من شرح الموقف لعرضه على المجلس غير أن رئيس المجلس طلب من النقطة أن تعرض وجهة نظرها فإذا بها تقول أنها لما رأت هؤلاء العرب يهملون وضع الحركات على الحروف ولا يميزون المعانى فقامت بإطلاق تلك المبادرة على استحياء وتخوف لمساعدة أحرف التشكيل فى مهمتها لضبط حركات الأحرف ولكنها فوجئت بالترحيب بها واستحسانها من قبل العديد من العرب بل وسٌذجهم قد استحسنوها دون التفكير فى أصل المسألة ثم انبرى يقلد بعضهم بعضا وأخيرا وجدت فئة تنبرى مدافعة بل ومقاتلة من أجل تلك المبادرة, حقا لم أطلق تلك المبادرة إلا من باب المحافظة على لغتنا الجميلة التى تحتوينا ونكافح جميعنا للمحافظة عليها إلى أن تقوى شوكة العرب ويحافظوا هم عليها, إننى حقا أعترف بأننى اقتنصت وظيفة ليست لى ولكنه اجتهاد ما قصدت به إلا الخير.

حينئذ عرض رئيس المجلس الأمر على الأحرف فأجمعوا على أن وظيفة الأحرف مجتمعة فى هذه الحقبة من الزمن تساعد العرب فى وقت ضعفهم على الحفاظ على لغتهم وحقا إن القرآن الكريم قد حفظها ولكن لابد من التصدى لمحاولات النيل منها إلى أن يصبح العرب قادة للأمم فى القريب بإذن الله كما كانوا.

وعند هذا الحد توجه رئيس المجلس للنقطة فشكرها على حسن نيتها ولكنه أوضح أنه ليس بالنوايا الحسنة فقط تقبل الأعمال وأن عليها أن تعود إلى موقعها الأهم وأن تحافظ على وظيفتها الأساسية وأن تتفرغ لها.

وفى نهاية الجلسة أطلق المجلس صيحة إلى عقلاء العرب من اللغويين للتصدى لعدوان النقطة فى استيلائها على موقع الكسرة لدى (الياء) وأن يقتصر دورها على وظيفتها الأساسية فقط.

فهل من مجيب؟