الثورة : السلمية والمقاومة المسلحة

عقاب يحيى

في أشهر الثورة الأولى، أي بعد نحو ستة أشهر على قيامها، كان بعض الشباب من الداخل يستغلون فرصة آخر الليل للتواصل، والتفاعل.

ـ كانت السلمية هي المحور، وقد ولّدت سؤالاً كبيراً : وماذا بعد والنظام يذبحنا يومياً؟. يعتقل الآلاف ويصفي ويقنص الناشطين؟. ينتهك الحرمات ويطلق شبيخته قطعاناً مسعورة تعشق الدم، والقت

ل وكل أفعال النذالة ؟.. هل نبقى كالخراف التي تنتظر ذبحها؟.. أم ...؟؟ ..

كنت أحاجههم بأهمية السلمية وما تفعل، وبجوهر الثورة ، والمخاطر المتعددة للتسلح، والتي لا أحد يعرف كيف سيتطور، وكيف سيجري ضبطه، وتنظيمه، وتوجيهه نحو الهدف الرئيس ولخدمته، وليس باتجاهات فرعية، أو لصالح أجندات حزبية وخاصة، أو إقليمية، او خارجية. بدءاً من صعوبة إحداث خلل في ميزان القوى لصالح الثورة، حيث ستبقى الطغمة متفوقة في هذا الميدان، ووقوفاً عند الانسياق إلى الحفر التي أوجدتها الطغمة لإيقاع الثوار فيها، وصولاً إلى طبيعة العمل المسلح بكل تشعباته، خاصة في التمويل والإمداد، وفي الضبط والتوحيد، والتوجه، ثم في المآل ...وكثير من أفكار ترد في هذا الميدان ..

*****

في ليلة قرب الفجر، وكان محادثي شاب فارس من دير الزور، يقوم بالمناوبة الليلية، ويطلب الشهادة.. لأن المخاطر تحيق بهم من كل جانب، ولأن الطغمةاقتحمت كل المحرمات، وكان قبلها، لفترة وجيزة، من المنافحين عن سلمية الثورة، وضد فكرة التسليح التي كانت تراود بعض الشباب المتحمس...

ـ قال لي : ماذا لو داهموا بيتك.. قتلوا، او اغتصبوا زوجتك وبناتك أو أخواتك.. أو ذبحوا أحداً من أهلك.. ماذا تفعل ؟؟.. هل تتركهم أم ..

ـ قلت بعفوية : سأقاومهم ولو بأظافري.. تلك ردة فعل الإنسان الطبيعية دفاعاً عن النفس والعرض والأهل والحياة ..

ـ قال : إذا اتفقنا.. لا سبيل مع هذه الطغمة المجرمة غير السلاح.. وليكن ما يكون ...

ليكن ما يكون.. 

****

وكان ما يكون تطوراً نوعياً ببدء عمليات انشقاق بعض العسكريين الذين أبت وطنيتهم وضمائرهم توجيه أسلحتهم لصدور شعبهم فأعلنوا الانشقاق في ظروف خطيرة يمكن أن تعرضهم، وعائلاتهم، للفناء.. فماذا يفعلون ؟...

ـ ماذا بفعلون فعلاً؟؟.. هل يقعدون في بيوتهم؟.. واية بيوت وأين ؟.. هل يلجاون إلى دول الجوار حماية لحياهم وكثيرهم يطمح أن يمارس دوره ضد الطغمة؟.. أم يباشر فعل المقاومة ؟..

ـ في لحظة التوافق والاضطرار.. لم يعد هناك من خيار سوى امتشاق السلاح.. فكان التحول في مسار الثورة السورية، وكانت تلك الانعطافة التي تعززت مع مرور اليام، وشمول وحدة المجابهات .. دون إغفال أهمية الدور السلمي، وموقع التظاهر من فعل المجابهة، وربطه بوحدة الهدف والمآل ...

****

البعض تفاجأ بمنسوب دموية وإجرام الطغمة، باستعدادها الذهاب بعيداً حتى المجازر الجماعية وفعل الإبادة الشامل، والتدمير المنظم للبلد بكل ما فيه من بشر وشجر وحجر وتراث.. وتاريخ ومكونات.. وكل شيء.. حتى الاقتتال الطائفي الذي تدفع إليه، وحتى ارتكاب أفظع الجرائم، واستخدام كل ما لديها من مخزون قوة وأسلحة، ومن حلفاء ومرتزقة.. وكل شيء.. كل شيء يمكن أن تستخدمه لتنتقم وتبقى.

ـ لكن من عرف طبيعة الطغمة، مفرداتها وتكوينها، خزينها وتحولاتها، نرجسيتها ومرضها، إجرامها وحقدها.. دجلها وطائفيتها.. يعرف أن المدى مفتوح عندها حتى الحرب الأهلية، وحتى الدويلة المسخ إن نجحت، وحتى التحالف مع الجميع : فوق الطاولة وتحتها للقضاء على الثورة.. والبقاء.. وعدم التسليم سياسياً..

**

هذا العامل القسري الذي أجبر شباب الثورة، ومعهم الجنود والضباط المنشقين، على حمل السلاح وبدء ما يعرف بالمقاومة المسلحة، ليس سهلاً، ولا يمكن أن يكون بلون واحد، أو أن يسير وفق تصورات نظرية، وأمنيات نخبوية.. فهنا اندفاع وتطوع وسلاح يجب تأمينه بكل الطرق والوسائل، وهنا تضحيات وحاجات وجرحى ومعارك وخوف وتصفيات، وقصف، واختراق، وعملاء مزودين بشبكات متطورة يمكن أن تدل على أمكنة القيادات.. وهنا شيء اسمه ثورة وليس قطعة عسكرية لها أنظمتها وانضباطها وتسلسلها القيادي، وهنا فيض من التدفق متعدد الخلفيات والانتماءات والوعي والتركيب والتكوين والتصرف.. والمرجعية..إلخ ..

ـ وهنا.. سوق للسلاح تنشط فيه السوق السوداء، ويظهر تجار الحروب وسماسرة الفرص بكل التلاوين واليافطات . وهنا ما هبّ ودبّ من اتجاهات، وغايات، وبرامج، ونوعيات، وأجندات.

ـ هنا ثورة في الحصيلة.. فيها زخمها الثوري، وخطها البياني الواضح، فيها، وعلى حوافها الكثير من الأشواك، والعليق، والعلق، وانتهازيي الفرص، وحتى بعض المجرمين..

وفيها إشكالية التراتيبية العسكرية، وإشكالية الأقدم والأحدث في الانشقاق. وفيها فوق ذلك كله خلافات المعارضة وتشتتها، وتوازعها في خطوط متوازية..ومحولات البعض الخول على خط السلاح خدمة لأغراضه الحزبية، والشخصية، وغيرها.. وفيها الإقليمي، والعربي والدولي.. وحتى القاعدة، والجهاديين الذين يعبرون الساحة السورية ميداناً مناسباً لتحقيق الحلم، أو ممارسة العقيدة ضد الكفر..

ـ كل هذا موجود.. وأكثر.. وكل هذا متوقع، ويبدي منطقياً ضمن ظروف الثورة وتطوراتها..

ـ لكن هذا الوضع يتطلب من كل المعنيين . كل المخلصين.. العمل الجاد لتنظيم وضبط وتوحيد قوى الثورة المسلحة تحت راية الجيش الحر، بغض النظر عن مدى قابلية التسمية للاستيعاب، والقدرة.. ومحاولة لملمة الصفوف، وتوجيهها نحو الهدف المركزي وفق خطة عامة موحدة.. يمكن أثناءها، وفيها أن يمارس كل فريق دوره بما يتناغم والخطة العامة، وتحقيقاً للهدف الواحد : التخلص من طغمة الحقد والبلاء ..