دعوة للتغيير

مصطفى عبده طه

لا أحد يستطيع ان ينكر مدي المعاناة التي يلاقيها كل فرد مسلم في هذا المجتمع المضطرب، نعم مضطرب بكل ما تحمل الكلمة من معني، فهو مجتمع لا تستطيع أن تحدد ملامحه، او ما يميزه، لا تستطيع ان تحدد كذلك الثوابت التي تحقق معادلة ما من معادلات النجاح فيه لأن مواطن الخلل كثيرة، والمعيب فيه أكثر من السليم.

والأدهي من ذلك والأمر أنك لا تستطيع حتي أن تبني عليه أية تطلعات في المستقبل القريب وبالتالي لا تستطيع ان تجزم وتقول أنه سيمثل شيئاً ما في المستقبل البعيد.

فإذا كان هذا هو حال المجتمع الذي يحتوي هذا الفرد المسلم الذي أتكلم عن معاناته اليومية المتكررة.. التي لا أدري الي متي سيظل هكذا؟!.. فما بالكم بحال الفرد الذي لا يملك لنفسه أي شيء يعينه.

فقد سقط في دائرة اللاشيء، فتراه فاقد الهوية لا يدري ما يفعل، ويفعل ما لا يدري.

أفراد تراهم قد سقطوا تحت مطارق الخوف، وآخرون تحت مطارق الطمع، وهؤلاء تحت مطارق الحرص، وهؤلاء تحت مطارق الجشع، وهؤلاء تحت مطارق الذل وبعضهم تحت مطارق الإرهاب.

بالله عليكم أليس هذا حال الفرد اليوم، أليست هذه المفردات هي التي ترسم بشكل ما صورته أمام الآخرين (الخوف والطمع والحرص والجشع والذل والإرهاب).

فتراه دائماً حريصاً خائفاً فإذا بلغ مراده طمع وجشع، وهو من أول حرصه الي طمعه وجشعه يتمرغ في الذل الذي لم يمله حتي الآن، فإذا ضاق به ذرعاً وبلغ صبره منتهاه ولم يعد يطيق ويتحمل مرارة الذل وصوره، زجر وثار علي كل من حوله ودخل دائرة الإرهاب والتطرف.

نعم هي حقيقة مرة ولكن يجب علينا ان نفهمها، لأن فهمها علي طبيعتها هي بداية السير علي الطريق الصحيح، فشاب تراه حائراً في نفسه، نشأ بين احضان أسرة لم تعرف ما عليها نحوه لكي ينشأ فرداً سوياً في مجتمع دروس الحياة، فخرج الي الحياة وعمره قرابة اثنين وعشرين عاماً (قرابة ربع قرن من الزمن) وجد نفسه امام بداية جديدة ومنهج جديد يجب عليه ان يخوضه مجبراً لا مخيراً (معترك الحياة) ووجد نفسه امام حمل كبير لا طاقة له به فهو مطالب بالبحث عن عمل وجلب المال وتأمين السكن والبحث عن زوجة وتوفير الأثاث وهي من ضروريات الحياة لا محالة، هذا بخلاف طموحاته وآماله وأحلامه التي قلما تتحقق طالما وجدت انسانا عاجزاً عن تأمين ضروريات الحياة.

وأمام هذا الحمل الذي لم تستطع حمله الحكومات وتلك الآمال والأحلام التي تتلاشي أمامه شيئاً فشيئاً يري نفسه يسقط كما قلت لكم في دائرة اللاشيء لا يدري ما يفعل ويفعل ما لا يدري.

أيها القاريء الكريم، أراك قد تأثرت بكلامي وبدأت تتفاعل معه أتدري لماذا؟ لأن ما أقول ربما لا يتعدي الحقيقة إن لم يكن هو كل الحقيقة، ولن أعيد عليك الكلام بما آل إليه حال الجميع، ولكن فشلنا في معظم شؤونا يحزنني، وصور عجزنا صارت كثيرة جداً عن تحقيق ما نحلم به، وكثرة سؤالنا ما الحل؟ وكيف الخلاص؟ ومتي نفيق ونصحو؟ قد تحولت الي سأم وملل عام في كل مظاهر الحياة، وكأننا نقول إن الحياة ستتوقف قريباً، هذا السأم وهذا الملل الذي جعلنا نقتل الفكرة الجميلة بمجرد الإعجاب بها، فلا نعمل من أجلها أو نضحي لها كي تري النور.

هذا السأم وهذا الملل الذي جعل الكلمات الناصحة تموت علي الشفاه وتظل حبيسة الضلوع لأنه لا أمل لدي الناس في التغيير، أليس كذلك؟

سامحوني فأنا لست إنسانا متشائما أو يائساً، وإنما أفضل دائما أن أري الحقيقة مجردة بدون رتوش.

ودعوني أقول لكم أنه رغم كل ما يجري ويحدث وبالرغم من كل الصور السيئة سواء علي مستوي الأشخاص أو الأسر لم ينته الخير الذي في القلوب، ولم يقف إحساس الفرد عند اليأس أو قلة الأمل في التغيير إلي حياة أفضل.. أتعرفون لماذا؟ لأننا خير أمة أخرجت للناس.. والسؤال الذي يجب أن نعرف إجابته من وضع الخيرية في هذه الأمة؟

إنه الله.. وهو الكفيل والضامن بالحفاظ علي هذه الخيرية إلي أن تقوم الساعة، ولكن الدور الذي يبقي هو دور الفرد المسلم لماذا يرفض هذا الخير ويذهب مسرعاً وراء أشياء ورغبات أخري ولا حول له ولا قوة، ولا أدري لماذا يسمح لنفسه أن يساق وينقاد فتراه مقلداً لهذا ومتأثراً بهذا ومتطلعاً أن يكون مثل هذا أو ذاك وترك نفسه أسيراً لرغبات حائرة ومتناثرة لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تخلق منه إنساناً مفيداً ومنتجاً.

أيها القاريء الكريم اعلم أن الله قد جعل مع كل عسر يسراً ومع كل داء دواء، وهو الذي جعل للظلمات المتعددة نوراً، ونوراً واحداً فقط وجعل للعقبات مزيلاً.. وهو الذي بيده الخلاص، وعنده طوق النجاة.

لا أقول للناس كونوا صوامين قوامين ساجدين لله، فأنا لا أدعو إلي فكرة دينية ولكني أدعوهم إلي التغيير بعينه، لا تقلدوا أحداً، ولا تسمعوا لأحد، عندكم المنهج وبين أيديك الخير الكثير، أبدأ أنت وسيبدأ من بجوارك، لا تنتظر أن يأتي حل من غيرك فكل المفاهيم والأفكار الأرضية الشرقية منها والغربية قد أفلست وأعلنت أنها لا تصلح، لأنها من صنع البشر.

وهنا نحن نري الناس حياري، تائهين في هذه الدنيا الضيقة جداً، فهيا ابدأ واستعن بالله واطلب من الله العون والسداد، وسيقف بجانبك ولن يتخلي عنك إن أردت أنت ذلك،

فشيء عجيب والله! أن نكون قد سأمنا من كل شيء في حياتنا ، ولم نسأم أو نمل كثرة بعدنا عن الله.

إن الملل الذي أصاب هذه الأمة جعل كلمات النصح والإرشاد تموت عند مقدمة الشفاه، فما عاد بيننا نصح، فأصبحنا نسمع ولا نتكلم، ونري ولا نتكلم، ونأكل ولا نتكلم، ونتألم ولا نتكلم، الآه كادت أن تفجر ضلوعنا ومع ذلك لا نتكلم، نصب سخطنا علي كل شيء في حياتنا ومع ذلك لا نتكلم!!! ولا أدري لماذا هذا الصمت؟!

فهل هذا الصمت هو صبر الحليم الكريم؟ أم أنه صبر من فقد الأمل في التغيير؟!

وهل هذا الصمت لمن يملك أسباب القوة ولكنه ينتظر بإرادته؟! أم أنه صمت التائه الحيران الذي ضل طريق النجاة.

نعم لقد تركنا كل أسباب الحياة وتمسكنا بظواهرها.

نظهر للناس أننا أحياء مع أننا قد فقدنا معظم معاني الحياة.

نظهر للناس أننا شرفاء مع أن أيدينا وعقولنا تحتضن أفكاراً سلبية لا يثمر عنها إلا أفعالاً غير منتجة ونافعة.

فضاعت نفوسنا، وتاهت عقولنا، وسلبت إرادتنا، وانهارت عزيمتنا، وأصبح النجاح والتفوق بيننا تائهاً يبحث عن صاحب فلا يجد، ونراه يتجه في كل مرة إما إلي الشرق الأقصي الصين والهند واليابان وماليزيا.. إلخ أو الغرب الأقصي أوروبا وأمريكا .

أما نحن فما زلنا نعيش حياري، وتري أصحاب العقول المفلسة التي فقدت صوابها في كل مرة يجلسون ويجتمعون ويتشاورون ويعقدون المؤتمرات وينصبون اللجان واللجان الفرعية، يبحثون عن الحل لماذا تأخرنا وتقدموا؟ لماذا علا شأن من في الشرق الأقصي ومن في الغرب الأقصي وانخفض شأننا؟!

وتراهم في كل مرة يخرجون بحلول مفلسة لا تقدم ولا تؤخر لأن هذه الحلول إنما خرجت عن عقول هي في الأصل مفلسة كذلك فقدت كل شيء إلا التنطع بالكلمات ورفع الشعارات لتسكين الألم وزيادة في كتم الأه، وكل هذا لا يصب إلا في معين واحد وهو زيادة الملل والسأم.

عزيزي القاريء أنا لا أدعوك لتصب سيل غضبك أو تثور وتزجر علي من حولك فتدخل في دائرة الارهاب والتطرف، فليس ذنب الحكومات أكبر من ذنبك، وليس ذنب مديرك وجارك ومدرسك أكبر من ذنبك، وليس ذنب زميلك في العمل أكبر من ذنبك.

فقد أفرطت أنت علي نفسك، عندما تركتها تفعل كل ما تريد، وقد ظلمت أنت نفسك قبل أن يظلمك الآخرون عندما اتبعتها هواها، وجعلت نفسك تأخذ كل شيء علي استهتار ولا مبالاة، وتركت الجدية وأصبح كل شيء في حياتك هزيلاً مثلك، فعشت بلا هدف وساعدت غيرتك في قتل الطموح لديك عندما صرت ضعيفاً واستسلمت لليأس وفقدت الأمل في التغيير، لذلك فأنا أوجه هذا النداء.

إلي كل من رق قلبه وزاد حنينه واحترق فؤاده حزناً علي حال الأمة أوجه ندائي!

وإلي كل من سأم الحياة التي يعيشها، ومل من كثرة السؤال إلي متي يظل حالنا هكذا؟! أوجه ندائي!!

إلي كل من لم ينتبه إلي كل إشارات التحذير، وعلامات الإرشاد القرآنية، فسار علي الطريق ثم أنحرف أوجه ندائي!

أقول لك فتش عن نفسك، وابحث عنها، ففيها الخير الكثير لأنك تنتسب إلي خير أمة أخرجت للناس.

أقول لك لا تصارع الآخرين، ولكن صارع نفسك فإن انتصرت فسننتصر جميعاً ولا تقل إن الطريق طويل، فلولا صبر الأولين لما وصل الخير للآخرين أقول لك، الكل ضعيف الإيمان وليس أنت وحدك، والكل غارق في ذنوبه وليس أنت وحدك، فلا تكن أخر المتقدمين ولكن بادر وسارع وأبدأ وغير من نفسك فالدين صار الآن مسؤولية الجميع، فهل من المعقول أن نبحث داخل اهتمامات الشباب و البنات و الرجال و النساء والأسر فلا نجد أي هم لهذا الدين، و لنسأل أنفسنا كم تساوي مساحة "هـَـم" الدين في خارطة عواطفك واهتماماتك؟ سأترك لك الإجابة!

فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلي الله إن الله بصير بالعباد .