معارضة الداخل «السلمية» في سوريا!!

معارضة الداخل «السلمية» في سوريا!!

ياسر الزعاترة

موجة الغزل بمعارضة الداخل السورية بعد مؤتمرها العظيم في دمشق لا يمكن أن تخفي حقيقة أن الانحياز إليها من قبل البعض لا ينطوي على شعور بهزيمة الخيار العسكري وضرورة البحث عن بديل يحقن الدماء ويحافظ على ما تبقى من مقدرات البلد، بقدر ما تعكس انحيازا مسبقا للنظام ضد شعبه بالنسبة لكثيرين. أرأيت كيف يتغزل أحدهم بالنظام ويعدد أسرار بقائه، ومن ثم شعوره بالثقة إذ يسمح لمؤتمر معارض يطالب بإسقاط النظام بكل رموزه ومكوناته بالانعقاد في قلب دمشق؟!

ليست لدينا مشكلة مع أي طيف سياسي في سوريا، فالثورة ابتداءً ثورة حرية وتعددية وليست ثورة سلفية أو إخوانية ستعيد الناس إلى القرن الرابع عشر بحسب هواجس الجنرال ميشال عون، أو أكاذيبه بتعبير أدق، ولو اختار الناس علمانيا أو حتى غير مسلم ما رفضنا ذلك، مع ثقتنا بأن روح الشعب السوري لا زالت أكثر انتماءً للأمة وثقافتها، فضلا عن مواقفه السياسية وانحيازه للمقاومة والممانعة.

أما الذين يتحدثون عن فضائيات النفط وانحيازها للإخوان والسلفيين مقابل تجاهل “معارضة الداخل”، فينسون أن المقاتلين في الجبهات الذين يظهرون على الشاشات والمتحدثين من الداخل هم معارضة أيضا، كما ينسون أيضا أن هناك حشدا من الفضائيات لا همْ لها غير ملاحقة الإسلاميين كرها في ربيع العرب. وإذا كان بعضها قد انحاز للثورة السورية لاعتبارات معروفة، فإن ذلك لا يخفي كرهها للتيار الإخواني والإسلام السياسي عموما لأنه يعني بالنسبة إليها نقل خطر العدوى إلى بلاد لا يفكر كثير من زعمائها مجرد تفكير في الإصلاح السياسي.

ما ينبغي أن يقال ابتداءً إن ما يجمع هذا الطيف مما يسمى معارضة الداخل إنما يراوح بين البحث عن دور (ما معنى أن يحضره 20 فصيلا، وماذا تمثل تلك الفصائل؟!)، وبين الموقف السلبي من الإسلاميين، وليس سرا أن تناقض هيثم مناع وفريقه معهم يتفوق بكثير على تناقضه مع النظام، وبالتالي فإن الحسابات الشخصية لهذا الفريق لا تنتمي كلها إلى الحرص على سوريا وطنا وشعبا.

أما الحديث عن مناضلين ومعارضين، فليس في هذا ما يغير الحقيقة بالضرورة، من دون أن يوضع الجميع في سلة واحدة، إذ أن تراث أحدهم في مقارعة النظام لا يجعله ملاكا لا بوصلة له إلا مصلحة الشعب، وتراث النضال والمناضلين الذين غيروا وبدلوا لا يمكن حصره؛ لا في المجال العربي ولا سواه، وقد رأينا مناضلين في الساحة الفلسطينية يتحولون إلى مقاولين للتنسيق الأمني مع العدو. والخلاصة أن “الأعمال بخواتيمها” وليس بتاريخها القديم.

أيا يكن الأمر، فهذا الفريق الذي يسمي نفسه معارضة الداخل لم يأخذ هذا الموقف ممثلا في تبني نهج النضال السلمي بعد فشل الخيار العسكري، وإنما قبل ذلك، فضلا عن رفض التدخل العسكري الأجنبي الذي نرفضه أيضا، ولم يكن له أي أفق منذ البداية لولا أن من الطبيعي أن يصرخ من يُقتل أهله طلبا للنجدة دون الاكتراث بهوية من يقدمون له العون في كثير من الأحيان.

والحق أن المؤتمر الذي عقد في دمشق كان حاجة إيرانية روسية صينية، وهي الدول التي ما برح رموز معارضة الداخل يطوفون عليها ويلتقون مندوبيها طوال الوقت، سرا وعلنا، ويحصلون منها على التمويل أيضا (المفارقة أنها الدول التي يلعنها السوريون صباح مساء).

نقول حاجة، لأن على هذه الدول أن تبرر وقوفها ضد نظام يقتل شعبه أمام الداخل وأمام المجتمع الدولي، فضلا عن خوفها من موقف الشارع العربي الذي بات يكن عداء استثنائيا لكل من إيران وروسيا على وجه التحديد، مع حساسية أقل حيال الصين.

الجانب الآخر يتمثل في إدراك الدول المذكورة لحقيقة أن النظام لن يتمكن من إنجاز الحسم العسكري ضد الثورة، حتى لو تمكن من الصمود لزمن يصعب الجزم بمداه، وبالتالي، فإن من الأفضل إنقاذ ما يمكن إنقاذ بالإبقاء على النظام حفاظا على مصالحها حتى لو انطوى الأمر على تغييرات ما في بنيته السياسية. ولا شك أن ما شجعها على ذلك هو الموقف الغربي الذي زاد ميله ضد الثورة بعد هبَّة الفيلم المسيء، لأن الجميع يدرك أن الموقف الغربي، والأمريكي تحديدا لا زال منحازا للرأي الإسرائيلي القائل بإطالة أمد المعركة وصولا إلى تدمير البلد وإشغاله بنفسه لعقود.

من هنا، فإن شعار “إسقاط النظام بكل رموزه ومؤسساته” الذي رفعه المؤتمر لم يكن سوى ترويج لأصحابه، بل ترويج للهدف الكامن من ورائه ممثلا في البحث عن حل سياسي ينقذ النظام من دون أن يعطي انطباعا بهزيمة الثورة. نقول ذلك لأن على أصحابه أن يقنعوا الناس بإمكانية “إسقاط رموزه ومؤسساته” بنضال سلمي جربه الناس شهورا طويلة، أقله عبر تنظيم مسيرة من آلاف الناس في دمشق تشارك فيها فصائل المؤتمر العشرين!!

هذه اللعبة لا تنطلي على الناس بسهولة، ومن رفضوا المؤتمر وسخروا منه ليست فضائيات النفط، ولا الإخوان والسلفيين، بل الناس الذي فقدوا أحباءهم وعانوا من بطش النظام وجبروته وتدميره لكل شيء من أجل بقائه.

تلك هي الحقيقة، وما عداها ترويج للباطل وبيعا للأوهام. ويبقى القول إن نظرية أن أيا من الطرفين لن يحسم المعركة ليست صحيحة ولن تكون، فهي معركة قد تطول بعض الشيء، لكن نهايتها معروفة، فالشعب الذي خرج يطلب الحرية، لن يعود قبل أن يحققها مهما طال الزمن وعظمت التضحيات.