دعوة الإخوان المسلمون لم تمت

د. موفق مصطفى السباعي

دعوة الإخوان المسلمون لم تمت

د. موفق مصطفى السباعي

دعوة الإخوان المسلمون لم تمت .. ولن تموت .. وما ينبغي لها أن تموت ..لأنها هي دعوة الله الخالدة إلى يوم الدين...

كتب لي أحدهم هذه العبارة جوابا على مقالة : برقية عاجلة إلى محمد مرسي ...

عظّم الله أجركم بجماعة الإخوان والنهضة

وكأنه يتشفى ويشمت من موقف محمد مرسي .. المحسوب على الإخوان...ويفرح ..معتبرا الجماعة قد ماتت ..

أقول له وللعالمين أجمعين .. إن دعوة الإخوان المسلمين هي نفس دعوة الإسلام التي أمر الله تعالى رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم بتبليغها إلى الناس أجمعين ...ولم يأت حسن البنا بشئ جديد .. ولا بدعة ابتدعها من عقله .. ولم يكن له من فضل سوى .. جمع الناس من جديد في بوتقة النظام الأساسي للإسلام الذي هو عبارة عن دعوة بسيطة .. سهلة الفهم والإدراك .. أرسل الله تعالى الرسل كلهم لأجلها ( قال يا قوم اعبدوا الله ، ما لكم من إله غيره ) ولخصها بدوي مسلم أمي في كلمات معدودة اسمه ربعي بن عامر .. حينما دخل على رستم قائد جيش الفرس .. بناء على دعوة منه وجها إلى قائد جيش المسلمين في ذلك الوقت .. فقال رستم للجندي المسلم البسيط الذ كان يلبس ثيابا رثة .. مهلهلة .. لكنه يملك عزة تناطح السحاب .. أبت عليه أن يجيبه وهو واقف بين يديه كالعبد الذليل .. فجلس على سريره بجواره رغم اعتراض حرسه عليه .. قال رستم : ما الذي جاء بكم إلى بلادنا .. وعهدنا بكم أنكم فقراء عبيد لنا ؟؟؟

قال ربعي : إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد .. ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام .. ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ...

هكذا هي دعوة الإسلام .. وكذا دعوة الإخوان المسلمون .. تحرير الإنسان - أيا كان جنسه ودينه ولونه حتى ولو كان يدعي إنتسابه للإسلام – من العبودية للعبيد والطواغيت والمستبدين .. والإعتزاز بالحرية التي منحها الله له حين ولادته .. والمحافظة عليها حتى الممات ..

هي دعوة للتحرر من الخوف والجبن .. والذل والخنوع لأنظمة العبيد السفيهة الفاجرة .. ورفض التودد والتزلف للحكام الظلمة لأجل نيل متاع الدنيا الرخيص .. والتمتع بالعزة الإنسانية .. والكرامة البشرية التي بسببها فُضل وكُرم على بقية الخلق كما قال تعالى ( ولقد كرمنا بني آدم ) ..

هي دعوة لإقامة العدل والمساواة بين جميع الخلق – بغض النظر عن جنسيته أو دينه أو لونه – والعمل على إنشاء وتكوين المجتمع المسلم .. وبناء الدولة المسلمة التي تحكم بشرع الله الحكيم العليم الذي يضمن مصلحة عبيده أجمعين مسلمين وغير مسلمين .. دون تفريق ولا تمييز .. بين إنسان وآخر ولو كان يهوديا أو مجوسيا أو بوذيا أو ملحدا .. وليس بشرع العبيد المهابيل الضعفاء الجاهلين ..

ولهذا نشأت جماعة الإخوان المسلمون ؟؟؟

لقد نشأ الأستاذ حسن البنا في أوائل القرن العشرين وقد عصفت بالعالم العربي أحداث جسام بالغة الخطورة .. أحداث الحرب العالمية الأولى .. سقوط الخلافة الإسلامية .. مؤامرة تقسيم البلاد العربية واستعمارها من قبل فرنسا وانكلترا حسب معاهدة سايكس بيكو .. وعد بلفور المشؤوم بإقامة دويلة اسرائيل على أرض فلسطين ..

وهكذا أصبح الناس سكارى وماهم بسكارى ولكن الخطب جلل .. وأصبحوا حيارى تائهين متفرقين .. ووجد حسن من خلال إطلاعه العميق على الإسلام الذي يحرص بشدة وقوة على الجماعة والنظام في كل العبادات .. في الصلاة .. في الصيام .. في الحج ..

وجد أنه لابد لإنقاذ هؤلاء المسلمين الضائعين .. المتشتتين .. وإعادتهم للإسلام من جديد .. وتحقيق أهداف الإسلام في الحياة ..لابد من إحياء معاني الجماعة والنظام في نفوسهم .. وإقناعهم بضرورة العمل الجماعي ..التوحيدي ..المشترك .. وغرس روح التضامن والتعاون .. والتضحية في سبيل مصلحة المجتمع ..

ومن هنا عرض فكرة إنشاء جماعة تجمع المسلمين .. وتعمل على تحقيق أهداف الإسلام .. على مجموعة من إخوانه وسموها جماعة الإخوان المسلمين ..

هكذا هي جماعة الإخوان المسلمون ..لا تعادي أحدا .. ولا تهاجم أحدا .. ولا تريد إلا الخير لكل الناس مسلمين وغير مسلمين .. وتضحي بفلذات أكبادها .. وأرواحها ودمائها وأموالها في سبيل غاية الله .. التي أعلنوها بشعار عريض .. الله غايتنا .. والرسول قدوتنا ...

ومن تلك اللحظة التاريخية .. المفصلية في حياة المسلمين الحديثة .. أخذت فكرة الإخوان تنتشر في أرجاء مصر كلها .. انتشار النار في الهشيم .. وتحيي روح الشباب المتعطش للحرية والعزة والكرامة .. وبعد سنوات قليلة تسربت روحها الفياضة إلى خارج مصر .. وانتشرت في أصقاع المعمورة كلها .. من استراليا في أقصى الشرق إلى كندا في أقصى الغرب .. لا لشئ إلا لأنها دعوة الله الحق الشاملة الكاملة الصحيحة ... الصادقة المخلصة لله وحده .. المنسجمة مع فطرة البشر .. وليس لنيل متاع الدنيا الرخيص ...بالرغم مما تعرض ولا يزال يتعرض أبناؤها للتعذيب والسجن والقتل تحت قانون 49 في سورية .. أو قوانين جائرة أخرى في بلدان عديدة ..

وبالرغم من المؤمرات والخطط الكثيرة التي وضعت للقضاء عليها .. بدءً من مؤامرة اغتيال حسن البنا في عام 1949 على يد رئيس الحكومة النقراشي .. مرورا بعبد الناصر .. وحافظ أسد .. وسواهما من الطواغيت .. إلا أنها كلها باءت بالفشل الذريع .. ومازادت هذه الدعوة إلا قوة وصلابة .. لأنها بكل بساطة هي نور الله .. وكيف لنور الله أن يخبو وهو القائل ( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم .. ويأبى الله إلا أن يتم نوره ، ولو كره الكافرون )

وقبل أن يعترض علي المعترضون .. وقبل أن يتفلسف علي المتفلسفون والمتفيقهون .. ويقولوا : ولكن انظر أهؤلاء إخوان مسلمون ويفعلون كذا .. وكذا .. وبعضهم يتعاون مع المجوس الفرس ..

أقطع عليهم الطريق وأقول :

يجب علينا إدراك حقيقة خالدة .. وأساسية في الحياة وهي.. التفريق بين الفكرة وبين المعتنق لها .. أو بين الدين وبين المؤمن به ...

قد يكون هناك تناغم .. وتوافق .. وانسجام .. والتزام .. وتطبيق للفكرة أو العقيدة عند بعض الناس المؤمنين بها .. وفي الوقت نفسه قد لا يوجد هذا الإلتزام والتطبيق الفعلي الكامل عند أناس آخرين ..

ولكن الفكرة تبقى سليمة وصحيحة ولو خالفها بعض معتنقيها .. ويوجه اللوم لهم فحسب .. وليس لها ..

هذه طبيعة البشر .. حتى في أعظم جيل .. وأرقى جيل بشري مر على هذه الأرض .. وهو جيل الصحابة الكرام .. لم يكونوا كلهم بنفس الإلتزام .. والتطبيق للإسلام .. كان هناك ضعف عند البعض .. حتى أن أحدهم زنى ثم تاب وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقيم عليه الحد ويطهره .. وأقام عليه الحد ولم يخرج من دائرة الإسلام .. وآخر أرسل رسالة إلى عشيرته في مكة يخبرهم بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم لفتحها .. واعترف بخطئه وندم وتاب .. ولم يعتبر خائنا ولا مجرما .. ولا متآمراً..

ولأجل الصدق والأمانة في القول .. والشفافية التامة في الحديث الذي لن يمنعني من أن أقول الحق ولو على نفسي .. سواء غضب علي زيد أو رضي عمرو ..

أقول : أن ثمة خلل .. وقصور في التفكير حصل لدى معظم قيادات الجماعة وفي بلدان مختلفة .. وأنها لم تكن على مستوى الحدث في الثلاثين سنة الأخيرة .. وبالتحديد منذ الثورة الخمينية .. حيث أن بعضهم  ظنوا بها خيرا وأيدوها .. وانخدعوا بالشعارات الطنانة التي أطلقتها .. بالرغم من اعتراضي ومعي عدد من الطيبين عليها من بدايتها .. وبالرغم من صدور كتاب ( وجاء دور المجوس ) في ذلك الوقت .. يوضح بالأدلة القاطعة أن الخميني ما هو إلا مجوسي يتستر بعباءة الإسلام ليخدع المسلمين ..وقد حصل ..

وأن الأنكى من هذا هو أن قيادة الإخوان السورية ومنذ أن جاء بشار إلى الحكم بالوراثة وقعت في أخطاء عديدة وكبيرة:

أولها : ظنوا به خيرا .. وقبلوا بوراثته .. وصدقوا وعود الإصلاح التي قطعها على نفسه في حفلة القسم الهزلية أمام الدمى الشعبية .. بالرغم من كتابتي مقالات عديدة منذ اليوم الأول ..مشككا في صدقه ومؤكدا على أنه ليس إلا طرطورا ..مراهقا ..صبياً وضعوه في مكان أكبر من حجمه .. وأن الذي يحكم فعلا هو حاشية أبيه ..وليس هو ..

ثانيها: تحالفهم مع خدام الأسد ذي التاريخ القذر الذي كان بدايته تدمير مسجد السلطان في حماة عام 1964 حين كان محافظا لها .. وقمع الثورة فيها .. ثم ختامها الوسخ العفن بتوقيعه على توريث بشار ..

ثالثها: تخليهم عن خدام لأجل عيون بشار .. وإيقاف كل أشكال المعارضة تجاهه .. لأنه تظاهر بالدفاع عن حماس أثناء الإعتداء اليهودي على غزة أوائل عام 2009 ..

وكانت هذه ثالثة الأثافي المهلكة لهذه القيادة الضعيفة .. القاصرة التفكير التي لم تدرك حتى تلك اللحظة العصيبة طبيعة عدوها وآلاعيبه وخداعه ..

وهنا قد يفرح الشامتون .. ويسر الحاقدون من هذا النقد الصادق .. ويعبروا عن غيظهم وحنقهم بالسب والشتم على الجماعة ورموزها كافة .. ويستخدمون تعابير دنيئة سافلة .. لا يستخدمها إلا الرعاع .. وأولاد الشوارع الصايعين ..والزعران .. مثل كلمة إخوانجية .. على وزن كهربجية .. وكندرجية .. استخفافا وإزدراء لهذه الدعوة الربانية .. لأن أعداؤها لا يملكون سلاحا سواه.. ولم يتعلموا لغة أرقى من السب والشتم والقذف ..

أقول : خسئتم  أيها الشامتون .. سيبقى هؤلاء الخطاؤون مسلمين .. وحريصين على خدمة الناس أجمعين ولو أخطأوا .. رغم أنوفكم .. ولا يوجد ولن يوجد إنسان معصوم عن الخطأ ..

وهذه الدعوة والجماعة ليست ملكا لزيد أو عمرو .. يتغيرون.. وسيتغيرون .. ويأتي آخرون ..الكل يفنى .. وتبقى الدعوة صامدة قوية إلى يوم القيامة .. رغم أنف الحاقدين والحاسدين ..