الخذلان العريان
آن لقوى المعارضة السورية أن تدير ظهرها ...
وأن تعيد اكتشاف وترتيب أوراق قوتها
زهير سالم*
كنت قد بدأت معالجة هذا المقال تعليقا على خطابات الزعماء المعنيين في الجمعية العامة للأمم المتحدة . منذ قليل انضم إلى سياق تلك الخطابات بيان السيد بان كيمون في جلسة مجلس الأمن الدولي . البيان أو المطالعة التي تقدم بها السيد بان كيمون إلى جلسة مجلس الأمن ، لا يسر أحد من المعارضة السورية أن يواجهها .
يقررالأمين العام للأمم المتحدة أنه يجب أن تكون رسالة مجلس الأمن للطرفين في سورية بأنه لا نصر عسكريا لأحدهما . وقول السيد الأمين العام للطرفين هو نوع من الخداع السياسي . إذ المعلوم أن عصابات الإجرام الأسدية بما تستبد به من مقدرات الدولة السورية ليست طرفا موازيا بما يتمتع من شرعية. إن أي تسوية بين شعب أعزل مع عصابة خاضت في دماء ملايين السوريين وأعراضهم تعني تمكين هؤلاء المجرمين من أعناق ضحاياهم على المديين القريب والبعيد . هذه الرؤية التي يقدمها السيد الأمين العام للأمم المتحدة هي نوع من التهرب من تحمل المسئولية الإنسانية والقانونية أمام حرب إبادة ، يشنها مثلث الشر الروسي الإيراني الأسدي على شعب أعزل ، ودولة ذات حضارة ؛ فيقتل الإنسان ويهدم البنيان ويهلك الحرث والنسل . وفي الوقت الذي ما يزال فيه المجتمع الدولي يمطر الشعب السوري بألوان من المواعظ الأخلاقية . يحدثه تارة عن ضرورة الوحدة بين فصائل وقوى المعارضة وأفرادها . ويحدثه أخرى عن ضرورة استحفاظ أناشيد اتفاقيات ما يسمى بحقوق الإنسان ، هذه المواثيق التي بدأت تثير حفيظة الإنسان السوري وهو يراقب ظلها الممحوق على أرضه بشكل خاص . ويحدثه ثالثة بالإصرار على تلقين المجتمع السوري المتعدد المتآلف منذ فجر التاريخ دروس الأخلاق النبيلة في ضرورة الاعتراف بالآخر وحماية حقوق الأقليات ..
وإذا عدنا إلى خطابات الزعماء في مجلس الأمن سنجد أنفسنا أمام دوامة من التهويمات الحالمة التي لا يمكن للسوريين الذين يواجهون الموت ، ويعانون الانتهاك والجراح والمرض والتشرد والجوع والعطش ؛ أن يقبضوا منها غير الوهم . أدعياء صداقة الشعب السوري هم الآخرون يمتلكون لاءا تهم الأخلاقية يتناسون وهم يذرفون دموع التماسيح أن بعض الصواريخ المضادة للطائرات كفيلة بعصمة دماء مئات السوريين يوميا . وأن هذه الصواريخ حين تصل إلى أيدي المقاومين السوريين – وما أسهلها وأقربها – هي أجدى من مائة اجتماع رباعي وخماسي وسداسي .
الأنكى من كل ما سبق أن قوى المعارضة السورية التي تشبه إلى حد كبير المريض الذي يصر على طبيبه أن يكذب عليه ؛ ترفض هي الأخرى مواجهة الحقيقة ، تهربا منها هي الأخرى من تحمل مسئوليتها العملية والإنسانية والأدبية . ترفض الاعتراف بأن هؤلاء البعداء والقرباء قد قرروا خذلان الشعب السوري ، والتخلي عنه ، وتركه يواجه مصيره تحت وطأة تحالف الشر الثلاثي .
إن أعلى صوت سمعناه في الجمعية العامة للأمم المتحدة انتصارا للشعب السوري كان صوت سمو الأمير حمد أمير دولة قطر . لقد تقدم سمو الأمير بمقترحه العملي بتشكيل قوى ردع عربية تدخل إلى سورية لتشارك في وقف العنف وحماية المدنيين . ولكن ما أن تحول الاقتراح إلى الطاولة العملية على منضدة الجامعة العربية حتى رأينا هذا الاقتراح المهم قد فرغ من مضمونه على لسان نبيل العربي بتفسير بسيط هو أن قوة الردع هذه لن تكون قوة مسلحة . لا ندري أي دور يمكن أن تلعبه أي قوة وسط هذا الصراع المحتدم ، وأي ردع يمكن أن تحدثه صفارة حكم مباراة كرة قدم ..
ومن الحديث عن الاقتراح العملي لسمو أمير قطر يمكن لأي متابع سياسي سوري أن يتفحص المغزى السياسي العملي لأحاديث جميع الزعماء آخذا بالاعتبار معادلة القتل ومعادلة الزمن ومعادلة المعاناة .
إن جميع الذين تحدثوا عن الشأن السوري في فضاء الوعد المفتوح على الوهم . مهما كان حجم التأييد الأدبي والأخلاقي الذي قدموه ، ومهما كان حجم الإشفاق العملي الذي أبدوه ؛ فإن أي حديث لا يقدم خارطة طريق عملية يتحمل صاحبها مسئولية اللحظة التاريخية يبقى حديثا في فراغ لن يجني الشعب السوري من ورائه إلا المزيد من الخذلان ..
إن الاعتراف بهذا الخذلان العريان من كل الدول والحكومات لا يعني أن نيأس ولا أن نضعف وإنما يعني أن نواجهه . وإنما يعني أن تعيد قوى المعارضة السورية أجمع حساباتها ، وأن تعيد ترتيب أولوياتها . وأن تبدأ البحث عن أوراق قوة جديدة في اتجاهات أخرى . إدراك الواقع البئيس جزء من الانتصار عليه . ومواجهة المشكلة أول الطريق إلى حلها . والكذب على النفس بالجري وراء السراب هو نوع من الخذلان للمشروع الوطني ، والخيانة لدماء الشهداء . دائما هناك طريق للنصر بقليل من التفكير نكتشفه ، بكثير من العزيمة نسلكه . ويسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريبا .
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية