عصا الاستبداد وآخرتها
عصا الاستبداد وآخرتها
بدر الدين حسن قربي /سوريا
فراشة جميلة لطيفة دخلت القصر في آذار 2011 ، أقلقت من يهمه الأمر لأنها مزعجة ومخيفة رغم كل خفتها ورشاقتها. عزم على التخلص منها بكل الوسائل الممكنة غير أن حماقته أخذته إلى استعمال العصا والضرب بها في كل مكان، فقد تعلم من أبيه قوله المأثور الذي كان يردده على الدوام: شعب مابيجي غير بالعصاي.
خرّب بعصاه وكسّر، ودمّر الكثير من نفائس القصر، بل وقتل عدداً من الأولاد وهو بزعمه يطارد الفراشة يريد قتلها والتخلص منها على ماكان علّمه أبوه.
حمل شبيحة الوالي أحد الضحايا، ووضعوه في ثلاجة الموتى ليقضي فيه من الأيام وحيداً مايقضي، وكل ذنبه أنه هتف لحريته ونادى لكرامته. أسكنوه والجرح منه ساخن والدم راعف، ولكن مافاته أن يكتب على جدار ثلاجته مااستطاع أن يكتب بوجيز العبارة وبليغها بقلمٍ هو إصبعه وحبره دمه:
وضعوني هنا حياً، إني عايش هسّع، ورحْ أموت بعدين، بس بعدني بدي الحرية. أمانة سلّمولي على أمي.
كان قدر محمد أبو العيون المحاميد ابن الرابعة والعشرين أن يموت حيث وضع ببطء دون أن يشعر به أحد، وإنما جعل من انتظار الموت أسطورة شجاعةٍ تدهش كل من علم بها، ومما كتب في 23 آذار/ مارس 2011 موقفاً تهتز له درعا بجدرانها و ترابها وناسها، بل عهداً لمن بعده بدمه: لاتنسوا ثورتنا، ولا تنسوا ما قمنا لأجله.
وعلى الرغم من كل الدمار وخراب الديار، فإن الفراشة مازالت سـليمة، ترفرف بجناحيها، وتطير حيث تشاء تبشر بالربيع وتنشر الخفة والجمال في القصر ولكن من يصدق من بأن الفراشة هي الملومة على ماكان لأنها هي من دمرت القصر وتسببت بموت بعض ساكنيه.
مافعله الشبيحة بالشاب المحاميد يلخّص طبيعة نظام انتهى تاريخه منذ أمد بعيد، وما كتبه شهيد درعا يؤكد طبيعة شعب يستحق الحياة، وأن أرضاً مشت عليها أم الشهيد تستحق التضحية، وما يعتقد به حامل العصا عن شعب مابيجي إلا بالعصاي، قد يكون فيه بعض الصحة، ولكنه أهون بكثير جداً ممن لايرحل إلا بها والعياذ بالله، وما أمر ملك ملوك أفريقيا وعصا رحيله عن الناس ببعيد.