فلسطين تدفع الثمن
فلسطين تدفع الثمن
ثامر سباعنة
سجن مجدو - فلسطين
تقف فلسطين على استحياء تتابع ما يجري حولها من ربيع ، وترقب المستقبل بأمل وخوف؛ أمل بأن يكون هذا التغيير هو لمصلحة قضية فلسطين وخطوة في سبيل تحريرها وعودتها إلى شعبها وأمتها، وخوف أن تضيع هذه الثورات وتسرقها قوى الظلم والاستعباد؛ بحجة الحفاظ على الديمقراطية المزعومة، لتعود قضية فلسطين إلى أدراج الحكام والقادة من جديد.
إن ما تمر به فلسطين حاليا من واقع قد يكون الأصعب منذ الاحتلال الصهيوني؛ فعاما 1948 و1967م كان العدو واضحًا وجليًّا للجميع، ووقف الشعب الفلسطيني يدًا واحدة لدفع الضرر وحماية الوطن، ضاعت الأرض لكن القضية بقيت حية في قلوب أهلها، تمسك الشعب كله بحقه في أرضه وحقه في الانتصار لقضيته بشتى الطرق والسبل المتاحة له.
إن الجرح الأعمق الذي تعانيه فلسطين الآن ليس الاحتلال الصهيوني.. إنما الجرح الذي صنعه الأخ الفلسطيني والابن الفلسطيني!! فما لم يكن أحد يحلم به في يوم من الأيام حصل، بل كان وما زال كابوسًا مزعجًا للجميع؛ فأبناء فلسطين اقتتلوا وسالت دماؤهم بفعل أيديهم هم..
لن نبحث عن السبب والمسبب والمسئول؛ فالكل مسئول عمّا جرى ويجري.. الكل يحمل الذنب بطريقة أو بأخرى.. حتى الشعب والمواطن العادي يطاله ذنب؛ لأنه صامت.. انقسم الوطن وضاع بين ضفة وغزة بعد أن قُسِّم سابقًا إلى أرض 1948م وأرض 1967م. وقد يُقسم غدًا إلى جنين ونابلس ورام الله وغزة وخان يونس و... و... و... وفي كل أرضٍ منها وطن جديد مستقل!!
فلسطين الآن أصبحت وطنًا يتراقص على حافة الهاوية، تكاد أن تسقط بها، تنتظر أن تمد لها اليد التي تعيدها وتبعدها عن تلك الهاوية، ولن تأتي هذه اليد من غريب.. فلا بد لأبناء هذا الوطن أن يكونوا جسدًا واحدًا يقدم يده للوطن لفلسطين؛ لكي تنهض من جديد، خاصة أن الوضع العربي الجديد والتغيرات التي تحدث في المنطقة قد يكون لها الأثر الإيجابي على قضية فلسطين، لكن لن يحدث هذا التغيير حتى ينتهي الانقسام.
فلسطين الان تدفع الثمن ، فالعدو الصهيوني سيطر على الأرض وشرع ببناء المستوطنات التي نهشت جسد الضفة الغربية، ليحول أرض الضفة إلى جزر صغيره تفرقها المستوطنات. أما مدينه القدس وأقصاها الأسير، فهي تتعرض لحرب تهويديه شملت جميع الجوانب؛ فسكان المدينة العرب المسلمون يُرحّلون بل وتسحب هوياتهم لإفراغ المدينة من السكان المسلمين، والبيوت تهدم وتدمر ليبنى مكانها بيوت للمستوطنين، أو حتى متنزهات لليهود، والأقصى الشريف لا يمر عليه يوم إلا وتتعرض مكانته الدينية لانتهاك، والسعي الجاد الان لتقسيمه .
فلسطين تدفع الثمن ، فحتى الأسرى في داخل سجون الاحتلال ضاعت قضيتهم وسحقت احلامهم بفعل الانقسام وتصارع الفصائل الفلسطينيه ، فقد خاضوا اضرابا عن الطعام بشكل شبه جماعي وكذلك مجموعه من الاضرابات الفرديه التي لازالت حتى الان ، لكن لم يجد الأسرى الفعل الحقيقي المساند لهم على الارض ، ولا بين في الشارع الشعبي ، فآثار الانقسام وتبعاته وصلت حتى لهذا الملف الانساني الذي الاصل فيه ان يجمع كل الفصائل لنصرة الأسرى وتحقيق غايتهم بالتحرر ، لكن ما وجده الأسرى – وللاسف – كان عكس ما يتوقعوه فشكك بإضرابهم وغاياته وكان تحرك الشارع الفلسطيني الشعبي خجول جدا وكل ذلك بفعل الانقسام وتبعاته.
الاعتقال سياسي.. كم يحمل هذا المصطلح في طياته الظلم والألم ، وكم تجمع حروفه كل معاني القهر والحرمان ، ولقد عانى الشعب الفلسطيني طيلة سنوات الاحتلال من هذا الاعتقال الذي طال تقريبا كل بيت في فلسطين ، لكن ما يزيد من قهر الاعتقال السياسي وظلمه انه بات السلاح المستخدم بين الإخوة والأداة المستخدمة لمعاقبه كل فصيل للفصيل الآخر.
ليس المطلوب هو فقط الكلام والكلام عن الاعتقال السياسي ، لكن المطلوب ايضا العمل الجاد من اجل إنهاء هذا الملف الذي بات يرهق الشارع الفلسطيني ، والمطلوب هنا تحرك جدي وحقيقي على كافه الأطر السياسيه والشعبية من اجل تحقيق ذلك ، بالاضافه الى تشريع قانون و اعتماد وثيقة شرف وطنيه تحرم بل وتجرم الاعتقال السياسي في فلسطين وتحاسب المعتدين على حق التعبير والعمل التنظيمي .
فلسطين تدفع الثمن ، وحدها فلسطين من يدفع الثمن ، فيا شعب فلسطين، أحبوا بعضكم قبل أن تنقرضوا.. أحبوا بعضكم قبل أن يخسر الجميع ويربح العدو.. أحبوا بعضكم واعملوا لأجل الوطن الذي أحبكم.