حجاب والحاج علي

الطاهر إبراهيم

عندما عمت المظاهرات معظم المدن السورية، وتصدت لها أجهزة الأمن بكل أنواع البطش بكل فظاظة. فوجئ أهل درعا بفظاظة "عاطف نجيب" رئيس الأمن السياسي. وربما لو كان أقل خشونة وأكثر حنكة لسارت الأمر على غير ما انتهت إليه. كانت البداية من درعا. قادت الثورة باقتدار وسقط الشهداء.

لمن لا يعرف، فإن درعا تضم أكثر معسكرات الجيش السوري، ما جعل الجنود يواجهون امتحانا قاسيا: إما أن يطلقوا الرصاص على المتظاهرين السلميين أو أن يُقتَلوا برصاص رؤسائهم من خلفهم.

بدأت العواطف تعتمل في نفوس الضباط وهم يرون جنودهم إما قَتَلة وإما قتْلى. هنا لمعت فكرة في رأسي المقدم حسين هرموش والعقيد رياض أسعد وهما ضابطان ينحدران من جبل الزاوية في شمال سورية من قريتين متجاورتين، فأعلنا انشقاقهما عن جيش النظام في وقت متزامن تحت مسمى لواء الضباط الأحرار. بعد ذلك في  تموز 2011 أعلن عن تأسيس الجيش السوري الحر لـ"حماية المُتظاهرين السوريين"، تحت قيادة العقيد "رياض الأسعد"، الذي لجأ إلى تركيا بالقرب من حدود سورية. ثم تتابع المنشقون جنودا وضباطا.

تشكلت الكتائب والألوية. كان تسليح الجيش الحر سلاحه الفردي الذي اصطحبه عندما انشق عن وحدته وهو "بارودة كلاشنكوف". بعد ذلك اشتريت الأسلحة المهربة. كما غنمت وحدات الجيش الحر أسلحة متوسطة في معاركها مع جيش النظام. أول تحرك إعلامي للجيش الحر أن كتائبه في حمص أرسلت رسالة إلى نظام الحكم مفادها بأن الجيش الحر سيعمل على حماية المتظاهرين، وعلى النظام أن يأخذ ذلك في حسبانه.  

تشكيل الجيش الحر "حَدَث" لم يكن يخطر ببال المعارضين السوريين الذين فكروا في تغيير النظام منذ استولى حافظ أسد على السلطة عام 1970، ما يعني أنه أنشئ على غير مثال سابق. الانقلابات العسكرية كما كان يحصل في سورية سابقا لم تكن واردة، فقد أحكم حافظ أسد سيطرته على أجهزة الأمن، وأنشأ جيشا موازيا بتسليح عالي الكفاءة في الفرقتين الرابعة والتاسعة، وكان معظم ضباطهما من علويين مقربين، إضافة إلى حرس جمهوري كان يقوده "ماهر أسد" شقيق الرئيس بشار أسد.

حتى الثورة الشعبية هي الأخرى لم تكن واردة بحساب المعارضين، بعد أن بطش النظام بمدينة حماة في عام 1982.

لم يكن هناك وضوح في الخطة مع بدايات تكوين الجيش الحر. ما هي المهمة التي ستوكل  إلى هذا الجيش؟ كيف سيتم تمويله وتموينه بالسلاح؟ وهل يمكن أن يتكاثر عدده حتى يكون بحجم ينافس جيش نظام الحكم؟ إلا أن سوء تصرف الأجهزة الأمنية، والقمع الذي أوقعته بالمتظاهرين دفع وحدات الجيش الحر إلى التفكير بطريقة تحمي فيها المتظاهرين، لتبقى التظاهرات "سلمية"، فكانت الرسالة التي أشرنا إليها آنفا.

فشلت مرحلة المراقبين العرب بقيادة "محمد الدابي" في حماية المتظاهرين. كما فشلت مرحلة "كوفي أنان" والمراقبين الدوليين، وقد واكبها قيام النظام بقصف المدن والبلدات بالطائرات ما جعل أكثر الناس تفاؤلا يؤكد أن النظام وضع نصب عينيه خطة لسحق معارضيه، لا فرق بين متظاهرين وجيش حر. وأن قبوله بالمراقبين العرب ثم بالمندوب الأممي العربي "كوفي أنان" ومراقبي الأمم المتحدة، إنما كان لشراء الوقت لكي يستكمل خطة السيطرة على المدن والبلدات مهما كان الثمن.

حتى مرحلة "كوفي أنان" الذي جاء بمباركة روسيا شهدت مجازر ما كانت تحصل من قبله. بل إن لجوء الأجهزة الأمنية في الأشهر الأخيرة إلى أعمال القتل على الهوية، كما حصل في الحولة وغيرها من المجازر جعل الناس في سورية يبادرون إلى الالتفاف حول الجيش الحر ليحميهم من تلك المجازر.

* الجيش الحر والمهمة الصعبة:

شكّل العقيد "رياض الأسعد" وعدة عقداء آخرون القيادةَ التي كانت تتصدى للناحية الإعلامية والاتصال مع الداخل السوري ومع المعارضة السورية الخارجية. لكن اتصال هذه القيادة مع قيادات كتائب الجيش الحر في الداخل السوري لم يكن اتصالا خطيا، بل كانت العلاقة علاقة انضواء الكتائب تحت راية الجيش الحر. كل منطقة في سورية تعتبر وحدة مستقلة لكن تحت قيادة واحدة للجيش الحر.

هذه الكتائب كانت تؤمن احتياجاتها من سلاح ومال بوسائلها، بدعم من أهل المنطقة التي تعمل بها تلك الكتائب. بعض الأحيان كانت قيادة الجيش الحر خارج سورية تمد هذه الكتائب بما يتوفر لديها من سلاح وأموال لكنه قليل. بكلام مختصر فإن قيادة الجيش الحر كان هو العنوان البريدي لكل من أراد مخاطبة هذا الجيش.

* الجيش الحر والمجلس الوطني:

كان الإعلان عن تشكيل الجيش السوري الحر أسبق زمنيا من الإعلان عن تشكيل المجلس الوطني من قبل بعض المعارضين السوريين. جرت عدة محاولات من قبل المجلس الوطني لاحتواء الجيش الحر كأن يصبح جناحا عسكريا للمجلس الوطني، لكن لم تكلل بالنجاح. كان الجيش الحر حذرا، كما لم يكن أعضاء المجلس الوطني يتكلمون معه بلغة واحدة. فقد كان الجيش الحر يهتم بتمويل عملياته،لكن المجلس الوطني لم يستطع أن يؤمن ما يحتاجه الجيش الحر. رغم حضور مراقب من الجيش الحر مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في القاهرة، إلا بعض فصائل الجيش الحر اعترضت على حضور المؤتمر.

* الإعلان عن "الجيش الوطني":

فوجئت الكيانات المعارضة في سورية بالإعلان عن تشكيل ما سمى بالجيش الوطني السوري ، حيث تم الإعلان عنه من "ألتينوز" قرب أنطاكية في جنوب تركيا. كان الذي أعلن عن ذلك هو اللواء المنشق حديثا "محمد الحاج علي" بحضور السفير الفرنسي  وأعضاء من المجلس الوطني حاملي الجنسية الفرنسية (1). رفض قيادة الجيش الحر هذا التشكيل فورا على لسان العقيد "رياض الأسعد".

الإعلان عن تشكيل (الجيش الوطني) لم يكن مرحبا به من السوريين المعارضين ومن الجيش الحر ولكل أسبابه:

أولا: اسم الجيش الحر التصق بأسماع السوريين على أنه الجيش المعارض للنظام السوري.

ثانيا: مع أن بعض الفصائل المنشقة لم تتبع مباشرة إلى قيادة الجيش الحر لصعوبة الاتصال ولأمور أخرى، إلا أنهم كانوا يعلنون عن عملياتهم باسم الجيش الحر.

ثالثا: كل الانشقاقات كانت تتم بعد انفصال المنشقين عن وحداتهم وفي مكان آمن، بينما تم الإعلان عن تشكيل الجيش الوطني بحضور رسمي من السفير الفرنسي، وهذا ما يبعد هذا التشكيل عن نفسية السوريين التي تتوجس من دخول الأجانب في تشكيلاتها.

رابعا: في المناطق المحررة في إدلب وفي ريف حلب وفي ريف دير الزور بدأت تتشكل وحدات مدنية ميدانية لتسيير أمور المواطنين. فقد أعلن قضاة سوريون منشقون عن تشكيل "مجلس القضاء الحر". فقد أصبحت كلمة "الحر" عَلَما على مسمى معروف.

 (1) بين الحاضرين إضافة اللواء "محمد الحاج علي"، الدكتور "برهان غليون يحمل الجنسية الفرنسية، ونذير الحكيم الذي يقال إنه يحمل رتبة لواء متقاعد في الجيش الفرنسي.