هذه فنلندا (الكافرة) بلا رتوش
كاظم فنجان الحمامي
[email protected]
هذه فنلندا (الكافرة), أنموذجا من نماذج الغرب (المتهتك) في ضوء
الأوصاف والنعوت التي نسمعها من هنا وهناك, فلننظر إلى أعمالها, ونستعرض أوضاعها
المعيشية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتنموية والتعليمية والتشريعية,
ونقارنها بما حققناه نحن المتجلببون بجلباب الورع والتقوى, ونترك التعليق لأصحاب
الشأن, الذين اقسموا قبل الانتخابات على التمسك بالعفة والالتزام بالنزاهة, ووعدونا
بتكريس جهودهم كلها من اجل الارتقاء بأوضاعنا المتردية نحو الأفضل, فتعالوا نتعرف
عليها عن كثب, ونرى كيف هي كافرة ومستهترة. .
تعد فنلندا اليوم من أكثر دول العالم تطورا في مجالات الخدمات
الاجتماعية, ومن أعلاها دخلا للفرد, وشعبها من أكثر شعوب كوكب الأرض سعادة وبهجة
ورفاه, ويعزا تفوقها هذا إلى سبعة عوامل فقط, اما العامل الأول فمن الله جل شأنه,
واما العامل الثاني فهو من الشعب الفنلندي نفسه, بينما تكفلت الحكومة بضمان العوامل
الخمسة المتبقية.
لقد منحها الله جمال الطبيعة الخلابة وصفائها ونقاوتها, وهذا هو
العامل الأول, وتميز شعبها بإخلاصه وتفانيه في العمل, وإتقانه المهمات المنوطة به
على الوجه الأكمل, وهذا هو العامل الثاني, بينما تخصصت الحكومة بتوفير وصيانة
العوامل الخمسة الأخرى, والتي يمكن تلخيصها: بالشفافية, والعدالة, واستقلال القضاء,
والتعليم الجيد, والرعاية الصحية. .
فهي الأولى في تطبيقات الشفافية, وينعدم الفساد الإداري تماما
في تشكيلاتها الوزارية, ولا وجود له البتة, اما العمولات والإكراميات والرشا
المالية والهدايا النقدية فليس لها محل في التعاملات الفنلندية على الإطلاق, ويعيش
الناس هناك تحت مظلة العدالة الاجتماعية من دون فوارق طبقية, فالكل سواسية كأسنان
المشط, في حين ينفرد القضاء باستقلالية تامة, ولا مجال للمحاباة والمجاملات على
حساب التشريعات النافدة, اما على صعيد التربية والتعليم فقد قطعت شوطا كبيرا في
المسارات الأفقية والعمودية, وحققت أعلى المراتب في هذا المضمار, ومن دون مقابل,
فالتعليم تتكفله الدولة من دون تحديدات ومن دون معوقات, ويكاد يكون مفتوحا لمن يريد
مواصلة دراساته العليا على نفقة الحكومة. اما الرعاية الصحية فيكفي أن نقول عنها
إنها ممتازة ورائعة, وحرية الرأي فيها مكفولة للجميع. .
في فنلندا خمسة ملايين فنلدي وفنلدية, ودخلها القومي في حدود
(650) مليار دولار أمريكي, مليار ينطح مليار, أي اكبر من دخل ثلاثة أرباع البلدان
العربية الغنية بالغاز والبترول والثروات المعدنية الأخرى. .
سجلت فنلندا قفزات تقنية هائلة بابتكارها وتصنيعها وتطويرها
أجهزة الهواتف النقالة (نوكيا), التي اقتبست اسمها من اسم أجمل الأنهار الفنلندية,
فشرعت بتصديرها إلى معظم بلدان العالم, وكنا نحن أول من أقبل على شرائها برغبة
جامحة, حتى صرنا من أكثر الشعوب استهلاكا للمنتجات الفنلندية. .
كانوا يصدرون الأخشاب وجذوع الأشجار الكبيرة, لكنهم اليوم
يحولونها إلى ورق, حتى أصبحوا في مقدمة البلدان المنتجة والمصدرة للورق, ولسنا
مغالين إذا قنا إن الورق الذي طبعت عليه مقالاتنا الصحفية ومقرراتنا الدراسية ربما
يكون من إنتاج فنلندي. .
ترى متى نكرر النفط الخام, ونحوله إلى منتجات نفطية نصدرها إلى
الخارج, فنقبض ثمنها أضعاف ما نتقاضاه اليوم عن قيمة البرميل الواحد, كنا قبل بضعة
أعوام من الأقطار المصدرة للبنزين وزيت الغاز والكيروسين, لكننا نستوردها اليوم من
البلدان التي كنا نصدرها إليها, وعيش وشوف. .
في فنلندا لا توجد بطالة, ولا دخل للفرد من دون عمل, باستثناء
العاجزين والمعاقين, ولا توجد عندهم عمالة مستوردة, والمتقاعدون في فنلندا يعيشون
في بحبوبة من السعادة, ومرتباتهم تكفي للسماح لهم بالقيام بجولات سياحية في سواحل
الكاريبي وجزر الكناري, فالمتقاعدون في فنلندا ملوك غير متوجين, ولكم مطلق الحرية
في مقارنة الأوضاع البائسة للمتقاعدين في العراق مع أوضاعهم النموذجية في فنلندا. .
في فنلندا لا تسمع العبارات والكلمات والألقاب التعظيمية
الفارغة, التي نطلقها في الرايحه والجايه على أصحاب السعادة والنيافة والسمو, من
مثل: معاليه, ودولته, وحفظه الله, وجلالته, وعظمته, وأدامه الله, وأطال الله في
عمره, ولا تسمع العبارات المزيفة, التي نرددها دائما عندما نشير إلى زعمائنا
(العظام), من مثل: القائد, الرمز, الملهم, المبدع, المكرم, الأوحد, الأمجد, الفارس
المجاهد. .
الناس في فنلندا مثلنا تماما, لكنهم يختلفون عنا في اضطرارهم
للعيش في ربوع هذه الدولة (الكافرة), وما أكثرها هذه الأيام كاليابان (الكافرة)
التي صنعت المستقبل, والصين (الكافرة), التي وفرت العيش الرغيد لمليارين من البشر,
والنرويج (الكافرة), التي ادخرت الحصة الأكبر من عوائدها النفطية, ووضعتها في
حسابات الأجيال القادمة, والنمسا (الكافرة), التي حازت على المرتبة الأولى عالميا
في نظافة المدن للسنة العاشرة على التوالي, والأقطار الاسكندينافية (الكافرة), التي
تبوأت المراكز الأولى في العفة والنزاهة بمعيار المنظمة الدولية للشفافية, والنمور
الآسيوية (الكافرة) كوريا, وفيتنام, وتايوان, التي اكتسحت المواقع العليا في
التعليم الجامعي, فمتى تحذو حكوماتنا (المؤمنة) حذوها ؟, ومتى تخرج من دوامات
الصراع العقيم إلى محطات النور والتسامح والإبداع والتألق ؟, ومتى تكف عن تقليل شأن
من هم أفضل منها في القياسات المعيشية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتنموية
والتعليمية والتشريعية والبيئية, والزراعية, والصناعية ؟؟؟؟؟؟؟؟. . .
لك الله يا عراق