مزيداً من حشد الجهد لتأمين النصر

مزيداً من حشد الجهد لتأمين النصر

عقاب يحيى

صار واضحاً للجميع أن الثورة السورية، ولزمن منظور، ستبقى وحيدة في مواجهة طغمة استثناء تتوفر لها مجموعة عوامل وتحالفات تصعب نهايتها الحاسمة القريبة .

ـ لقد كثرت الاحتمالات في الأشهر الأولى للثورة عن سقوط قريب لنظام الطغمة، والبعض راح يعدّ الأيام، وليس الشهور، ثم  أبانت الأحداث أن ذلك ليس في متناول اليد، وأن عوامل مختلفة تكمن خلف خطأ تلك الاحتمالات، بعضها يعود لتركيبة النظام وتحالفاته، وثانيها يرتبط بالموقفين العربي والدولي، وثالثها، وهو ثالثة الأثافي، ويخص حال المعارضة السورية والحراك الثوري، والجيش الحر .    

كانت السيناريوهات تنطلق من الأسهل، والأقرب : إمكانية القيام بعمل جراحي من قبل أصحاب القرار في النظام، يخلصون أنفسهم، والبلد من شرور العائلة المالكة ـ الحاكمة، ويفتحون الطريق للمرحلة الديمقراطية.. ولم يحدث ذلك، رغم كثير الحكايا عن محاولات هنا، أو تصفيات جرت تحت عنوان الشك بهؤلاء، او نيّتهم القيام بعمل ما يشبه الانقلاب .(لغط كثير جرى حول تصفية بعض رموز" خلية الأزمة" وعلاقة ذلك بالأمر).. بينما تؤكد اللوحة الظاهرة ـ حتى  الآن ـ  أن تلك العصبة ما زالت متماسكة، ومتحلقة حول رأس النظام وعائلته، وأن المؤثر الطائفي يفعل فعله : حقناً، وتجييشاً، وتصعيداً، ورهانات على إمكانية الانتصار، أو الذهاب بعيداً في كهف التطويف حتى إقامة دويلة .

ـ عديد من "المتفائلين" السوريين الذين أدمنوا بيع الأوهام، وراهنوا على تدخل خارجي عسكري في جيوبهم . اتصلوا، وأبدوا استعدادهم للتعاون . صرّحوا، وبشّروا بكل السذاجة السياسية التي لا تقرأ اللوحة الدولية والعوامل الفاعلة فيها، أن التدخل قادم، والنهاية في اليد، وتبيّن بالملموس، والوقائع الدامية أن أصحاب القرار في الواقع الدولي لن يتحركوا، وأن هناك بصمة صهيونية بالغة الوضوح تدفع نحو مزيد من تدمير الدولة السورية وبناها . مزيد من التوتير الطائفي . مزيد من إعطاء أضواء خضراء للطغمة كي تدمر وتقتل وتقصف وتستخدم كل الوسائل المحرّمة.. ولا مانع من الدفع نحو حرب أهلية طاحنة تفتت البلد، وتمزق اللحمة الوطنية ولسنين طوال . يلتقي ذلك مع طبيعة الإدارة الأمريكية وأزماتها الداخلية والعالمية، واستحقاقات الانتخابات، وبالأساس من ذلك : وجود مشاريع استراتيجية يخدمها الذي يجري في سورية في المنظور المتوسط والبعيد.. حين تنهار الدولة، ويغرق الجيش السوري في دماء الشعب، ويتفكك، وينتهي دوره الذي وُجد من أجله ـ وقد انتهى ذلك الدور عملياً، ويصبح القتل اليومي مجازر مروعة.. حينها.. قد يفكرون بالتدخل على طريقتهم، ولحسابهم .

ـ على هذا الصعيد، وبغض النظر عن حقيقة النوايا التركية، والأوربية فقد ابانت الأحداث أن هؤلاء جميعا، حتى لو اتفقوا عى شكل من الدخل، فإنهم عاجزون دون مشاركة أمريكية، وأقلها : موافقة صريحة على إسهام "حلف الناتو" في فرض  للحظر الجوي، أو منطقة عازلة، أو القيام ببعض العمليات التي تشل الرادارات والطيران والصواريخ التابعة للنظام.. بما في ذلك تسليح الجيش الحر بالأسلحة التي يمكن لها أن تعدّل قليلاً ميزان القوى باتجاه تزويده ببعض المتطور القادر على إسقاط الطائرات، وتدمير الدبابات الحديثة. ويمكن القول هنا بكل مسؤولية أن الذي يجري مما يسمى تسليح الجيش الحر لا يرقى إلى مستوى الحسم، وكأن المطلوب حالة استنزافية مستمرة للبلد، والشعب . بينما لا يمكن  للدور العربي أن يرقى إلى مستوى الحسم بغياب الإرادة الدولية عموماً، والأمريكية خصوصاً، والعاجز، أصلاً، عن امتلاك قدرة حسم المعركة لصالح الشعب السوري، حيث لا يملك أكثر من إمكانية الدعم المالي والسياسي، وكلاهما ليسا مطلقان، ويخضعان لاعتبارات داخلية وإقليمية ودولية تحسب لها الدول العربية المساندة للثورة السورية ألف حساب .

ـ في الوقت نفسه والطغمة تستغل هذا التجويف في الوضع الدولي الذي تعرفه جيداً، وتستند إلى حلفاء مخلصين وأقوياء، خاصة الحليف الإيراني الذي تتجاوز العلاقة معه معهود التحالفات بين الدول إلى وجود حبل سرة خاص يتعلق بجوهر المشروع الإيراني وموقع الطغمة منه.. فإنه لم يعد هناك ما يردعها، وهي توغل في القتل والتدمير، ويزداد الرهان لديها على إمكانية البقاء ولو على جبال جماجم السوريين، وحطام البلد، ولسان حالهم يقول : وما المانع من إبادة مئات الآلاف، بله الملايين، بينما شكل هذا الوضع مزيد هوامش التحرك للطغمة، وتماسك بنيانها على العموم، خاصة الطائفي منه .

                                               ************

هذه اللوحة التي صارت معروفة للجميع لا يمكن مقابلتها إلا بعامل ذاتي ( الشعب والثورة والقوى المعارضة)، موحّد، مخلص، مؤمن بحتمية خوض المعركة حتى منتهاها.. وهذا بعض بيت قصيد الأزمة في جانبها المتعلق بالمعارضة والحراك الثوري والجيش الحر .

ـ للأسف الشديد.. ما زالت المعارضة تفرّخ الذات طروحاً مرمية في أرصفة الاستعراض والبهورة والبحث عن الخلاف والتكوينات الجديدة، وقد لغّمت معظم المحاولات الجدية والمخلصة لتوحيد المعارضة حول القواسم المشتركة، والتي كانت الوثائق التي أقرت في مؤتمر المعارضة بالقاهرة تمثل المحطة الأهم التي يمكن الانطلاق منها لتوحيد الجهود وصبّها في خدمة الهدف الواحد، لكن الذي جرى أن المجلس الوطني لم يكن مقتنعاً بالفكرة أصلاً، وحارب محاولة التوصل إلى أية صيغة للمتابعة، وهيئة التنسيق تنصّلت بعد أيام من الاتفاق، وراح بعض رموزها يمضغ الكلام لإعطاء مبرر، أو للدجل حول أن مؤتمر القاهرة لم يجر فيه توافق !!!، بينما ما زالت أطراف كثيرة منها تراهن على الخلبي من الأحلام بإمكانية إجراء تسوية سياسية مع النظام.. ولا مانع من بقاء رأسه ورموزه.. وهذا يتلاقى مع قوى العجز العربي والدولي الذي يحاول ملء الفراغ، والتعويض القاتل ببعض التسلية في سبحة، ومطاطة المبادرات، والوسيط الجديد، أو اللجنة الرباعية بينما الدماء السورية تنزف يومياً بغزارة ..

ـ وعلى صعيد الحراك الثوري، ورغم التقدير للظروف الصعبة التي يعيشها، والاستنزاف المريع الذي حصل في تصفية واعتقال الناشطين.. فإن هذا(البحر) من التنسيقيات.. واللجان والهيئات، والتداخل، والتشابك بين الحقيقي والوهمي، الفعلي والاستعراضي.. رغم أنه يمثل لوحة تفاعل وهمة وإقبال السوري على الثورة.. إلا أنه مشكلة بحد ذاته يشتت القوى ويبخّر كثيرها في العصبويات والخلافات الذاتية، بينما المطلوب، والمطلوب توحيد الأدوات، وعلى الأقل : إيجاد صيغ تنسيقية ترتقي إلى مرتبة الملح من الضرورات .

ـ الأمر ذاته، وبصورة أخطر ينسحب على عمليات التسليح وتشكيل الكتائب، وصولاً لواقع الجيش الحر وحقيقة وجوده، وحقيقة قيادته للعمل المسلح، وحقيقة وحدته ونوايا كبار الضباط فيه للانضواء تحت قيادة موحدة لا مكان فيها لمنطق الرتبة الأعلى، أو الأقدم انشقاقاً، أو الولاء لهذه الجهة السياسية أو تلك ووضع ذلك بديلاً، وعائقاً لعمليات التوحيد التي باتت ضرورية . والأخطر إقبال رأس المال السياسي، وبعض القوى والأحزاب، والجهات على توريد السلاح وإنشاء مجموعات تابعة لها ترفض إلا أخذ الأوامر منها، والعمل بشكل مستقل، ووفق أجندات خاصة .

ـ بالمقابل، هناك كثير المخلصين والخيّرين، والمؤمنين بالثورة ووحدة صفوفها، والمتواجدين بشكل مستقل في بعض التيارات والتشكيلات، أو بشكل منفرد في غيرها.. يبذلون جهوداً معتبرة للبحث عن أطر جماعية واسعة يلتقي فيها الجميع وفق القواسم العريضة المشتركة، بعيداً عن الأدلجة وسياجاتها، والحزبوية ومحاصصاتها، والذات وعنجهيتها وأنانيتها، وتجري الكثير من اللقاءات والمبادرات التي نأمل أن تصل إلى نتائج توحيدية إيجابية .

ـ إن وحدة عمل أطراف الثورة السورية : جميعها : السياسية، والحراك الثوري، والجيش الحر باتت اليوم المطلب الملح لضمان الانتصار.. عبر تقديم الدعم المتوفر، المتنوع للمقاومة بكل أشكالها، وقطع خيوط أوهام الرهان على حلول سياسية فتتها نظام الطغمة الذي لا سبيل معه إلا اشتلاعه .

ـ نعم المرحلة صعبة، وثمن الحرية كبير يدفعه شعبنا يومياً، وبلدنا العزيز..لكن لا سبيل إلا المضي في هذا الطريق..وبذل كل الجهود فيه.. وإلا سيلعن التاريخ المبلبلين، التائهين، والمتخاذلين .......