رسائل عراقية من صابر

كاظم فنجان الحمامي

كاظم فنجان الحمامي

[email protected]

نهض صابر بن حيران من سباته الأخير, واستيقظ في بغداد على أصوات العبوات الناسفة, ليجد العراق ملتهبا في خضم التصفيات التفجيرية النهائية للعصر الجليكاني, فكتب رسائله المشفرة المختصرة, على الطريقة القروية القديمة, وأرسلها إلى خاله (مكَرود) القابع في الجنوب, قال في مقدمتها: إلى لب الألباب وثمرة الأطياب, وخلاصة الأحباب, الدر الوافي, والذهب الصافي, والقلب الدافي, والفقير الخرافي, يؤسفني أن أعلمك إن العراق ليس بخير, ومشكلته الحالية لا تكمن في غياب الحلول, وإنما برفض الأطراف المتنازعة لكل الحلول, والانكى من ذاك كله إن قادة الكتل المتحالفة صاروا اليوم من امهر صناع الأزمات في قارة آسيا, وسوف لن يطرأ على حياتنا أي تغيير سوى التغيير الذي أوصلتنا إليه العملية السياسية, عندما جعلتنا نمشي في ربوع الوطن ونتحدث مع أنفسنا بصوت عال عن ما آلت إليه أمورنا في الألفية الثالثة, ولا شغل لنا الآن سوى حمل جليكانات الماء والبنزين والنفط الأبيض على أكتافنا, وهذا هو حال السواد الأعظم من الناس, حتى صار هذا السواد يغلف ليلنا ونهارنا في ظل الظروف الديمقراطية, اما الديمقراطية فهي عندنا نوع من أنواع الفنون الإعلامية التي تجمل صورة التيارات المتناحرة, باستثناء التيار الكهربائي الذي لم تتحسن صورته حتى الآن. .

اكتشفت مؤخرا إن العري في الساحات العامة خلاعة, وعلى خشبات المسارح فن, وعلى ضفاف دجلة رياضة, وفي معاجم الإخوة الأعداء سياسة.

لم تعد السنة عندنا تحسب بالأيام, بل تحسب بالمواسم, عندنا (مثلا) موسم التفجيرات في الأسواق, وموسم التفجيرات في المدارس, وموسم التفجيرات في واجهات المؤسسات الخدمية العامة, وموسم خطف الناس من الشوارع, وموسم البنزين, وموسم الامتحانات, وموسم سرقة السيارات, وموسم الغبار الأحمر والأتربة المتطايرة في الجو, وموسم الحج والعمرة, ومواسم تنظيم السير, ومواسم السير على الأقدام. .

في بغداد لا يمل السياسيون من الحديث عن الشفافية حتى في المواقف الشديدة العتمة, فالشفافية هي الكلمة الطاغية على المناقشات الساخنة بينهم, لكنك لن تجد الشفافية إلا في ملابس الموديلات المعروضة في شارع النهر. .

اكتشفت الآن, لماذا يطلق البغداديون على زوجاتهم لقب (حكومة), لصعوبة تغييرها مهما تفاقمت أزماتها, واكتشفت إن مأساتنا لا تكمن في صعوبة الوصول إلى الهدف, لكنها تكمن في عدم وجود هدف نصل إليه, في ظل الطائفية السياسية التي هي رأس البلاء, وهي العامل المباشر في تعطيل عجلة التنمية, وضياع الفرص, ووأد الكفاءات, وفقدان الاستقرار الأمني, ناهيك عن آثارها الواضحة في تخريب الذات العراقية, وفي تفتيت بنية المجتمع. .

أعجب العجائب وأغرب الغرائب, إن الذين كتبوا الدستور من الألف إلى الياء, هم الذين استعصى عليهم فك ألغازه وحل أحجيته, وهم الذين منحوا أنفسهم صلاحية التفسير المزاجي لأحكامه ونصوصه. .

المثير للدهشة إن التيارات السياسية المتنافرة, هي التي تقاسمت الحقائب الوزارية والمواقع الإدارية, وهي التي تمسكت بالسندات العقارية للمناصب والمراتب العليا والدنيا, وهي التي ارتقت إلى صفوف النخبة المنتخبة, وهي التي تؤلف تشكيلة الحكومة, لكنها تمارس الآن أغرب أدوار المعارضة ضد نفسها, وتحتج على الحكومة التي هي من أحجار مكوناتها, متجاهلة ان لها وزراء وسفراء ووكلاء وزارات, ولها نواب ومحافظين وأعضاء كبار في المجالس المحلية, وعندها مدراء, وقضاة وسعاة ينتشرون هنا وهناك, فهل سمعتم بحكومة قررت الانتحار بالأحزمة السياسية الناسفة بهذه الطريق, التي حطمت فيها الأرقام القياسية بالتناقض والعناد, وباتت تهدد مستقبلنا كلنا, وتنذر بوقوع ما لا يحمد عقباه ؟؟؟. .

والله يستر من الجايات