انتفاضة المستوطنين
جميل السلحوت
ما يقوم به المستوطنون من عمليات قتل وحرق وضرب وتكسير وزعرنة وبلطجة في الأراضي الفلسطينية المحتلة ليس جديدا، وليس غريبا، بل هو نتيجة حتمية لثقافة العنف وكره كل ما هو غير يهودي التي يتربى عليها المجتمع الاسرائيلي في البيت وفي المدرسة وفي وسائل الاعلام، وفي بيانات بعض الوزراء وبعض أعضاء الكنيست من أحزاب التطرف اليميني. وهذا الانفلات الاستيطاني لا يتوقف على اغتصاب الأراضي الفلسطينية، واستباحتها بقرارات حكومية فحسب، بل يتعداها الى التعرض الى حياة البشر والحيوانات والشجر، والتعدي على حرمات البيوت الفلسطينية وحرمات المساجد ودور العبادة، وكل ذلك بدعم وحراسة الجيش المحتل وأذرع الاحتلال الأمنية الأخرى، وما الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى، والقاء قنبلة حارقة على سيارة أحد المواطنين من عائلة غياضة في نحالين قرب بيت لحم واصابته هو وزوجته وأبنائه بجراح خطيرة في الاسابيع القليلة الماضية، والاعتداء القاتل على أحد أبناء عائلة الجولاني وآخر من ابناء عائلة أبو طاعة في القدس إلا دليل قاطع على وجود تنظيم ارهابي يهودي اتخذ العنف القاتل نهجا وعملا له. وما عنف المستوطنين الذي يستهدف احراق الأشجار والمزروعات والاعتداء على بعض المساجد بالحرق والتدنيس، والاعتداء على القرى الفلسطينية، ومنع المزارعين الفلسطينيين من جني محصولاتهم إلا دليل قاطع على مخطط يستهدف اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، بعد أن جعلت سياسات حكومة نتنياهو وليبرمان امكانية الحل القائم على اقامة دولة فلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 أمرا خياليا ومستحيلا، فالأمر لم يعد يتوقف على ابتلاع الأرض واقامة المزيد من المستوطنات، وضخ المزيد من المستوطنين اليها، وتدمير الاقتصاد وغيرها، بل يتعدى ذلك الى استهداف وجود الانسان الفلسطيني، تمهيدا لدولة اليهود النقية من الأغيار-غير اليهود-على"ارض اسرائيل الكاملة" من النهر الى البحر.
ويعرف الجميع أن السلطة الفلسطينية تتعرض لضغوطات اخطبوطية-من ضمنها الاقتصاد- من اسرائيل وحلفائها وفي مقدمتهم امريكا، وبمشاركة قادة عرب من كنوز امريكا واسرائيل الاستراتيجية، لاجبارها على العودة الى طاولة المفاوضات بشروط نتنياهو ودعم امريكا له، حتى يكسب الوقت لتنفيذ مشروعه الاستيطاني في الاراضي المحتلة بهدوء سياسي تحت غطاء مفاوضات عبثية لن يتنازل فيها عن شيء، بل ان الضغوطات قد تحولت الى هجمة تحريضية على شخص الرئيس محمود عباس-الذي يمثل قمة الاعتدال الفلسطيني-وهذا يعطي مؤشرات على امكانية تهديد حياته، تماما مثلما كانت الحملة ضد الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات، والتي لم تتوقف الا بقتله مسموما، وتصريحات وزير خارجية اسرائيل ليبرمان دعت علانية الى ضرورة التخلص من الرئيس محمود عباس، لأنه يريد ان تمضي سياسة حكومته المعادية للسلام والقائمة على التوسع والاستيطان بدون أي معارضة فلسطينية حتو ولو لفظية، بل وصل به الأمر الى تشبيه خطاب وزير الخارجية الفلسطيني الدكتور رياض المالكي في اجتماع وزراء خارجية دول عدم الانحياز في طهران، بأنه خطاب نازي"لو وضعنا على الخطاب توقيع غوبلز وزير اعلام هتلر لما اختلفت الأمور" علما أن المالكي طالب الدول المشاركة بدعم الشعب الفلسطيني للخلاص من الاحتلال واقامة دولته المستقلة على ارضه المحتلة بجانب دولة اسرائيل، ودعم التوجه الفلسطيني الى الأمم المتحدة لطلب عضويتها غير الكاملة.
والسلطة الفلسطينية التي التزمت بالاتفاقات مع اسرائيل ومتطلبات الرباعية الدولية بما فيها التنسيق الأمني، قوبلت من اسرائيل بمزيد من مصادرة الاراضي وتوسيع المستوطنات، واقامة مستوطنات جديدة، وحماية المستوطنين في اعتداءاتهم على الفلسطينيين، وكأن معادلة الصراع قد اتخذت شكلا عكسيا، ففي حين يتوقع المراقبون ان عدم التقدم في المفاوضات، وتوحش غول الاستيطان، وتدمير الاقتصاد الفلسطيني، ومحاصرة الفلسطينيين سيفجر انتفاضة فلسطينية شعبية عارمة، إلّا أن اسرائيل الرسمية تستبق ذلك بـ"انتفاضة" المستوطنين، مما يعني أن الاراضي الفلسطينية ستدخل في مرحلة صراع جديد لم يكن معروفا في السابق، ولن ينجو احد من نتائجه الكارثية، وربما سينقلب السحر على الساحر، لأن الانفلات الأمني في الأراضي الفلسطينية المحتلة لن يتوقف عليها، بل سيتعداها الى دول المنطقة، وقد يطيح بـ"كنوز استراتيجية"تعتقد بأنها في منأى عن دائرة الصراع.