الصفوية والصوفية 5
الصفوية والصوفية
خصائص وأهداف مشتركة 5
علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
سئل الجنيد عن معرفة الإمام علي(رض) بعلم التصوف فأجاب: لو تفرغ أمير المؤمنين إلينا، لنقل عنه إلينا من هذا العلم ما قوم له لقلوب، ذلك امرؤ مُنح العلم اللدني. (كتاب كشف المحجوب للهجويري).
المرجعية والقدسية للامام علي(رض)
أخذ الصفويون فكرة تقديس الإمام علي(رض) من قول السيد المسيح لسمعان(بطرس)" ما تحله على الأرض يكون محلولا في السماء. وما تربطه على الأرض يكون مربوطا في السماء". وبهذا الحديث أصبح بطرس وصيا للسيد المسيح. فما يَحله في الأرض يُحل في السماء. اي ان مشيئته هي مشيئة الربً، وفعله هو فعل الرب، وكلامه هو كلام الربُ. وبهذا المنطق اللاهوتي أصبح البابوات خلفاء لبطرس يتحكمون في الشؤون الدينية والدنيوية للناس (كولاية الفقيه) باعتبارهم نواب الرب فلا يحوز معارضة أحكامهم أو مخالفتها لأنهم معصومون عن الخطأ. إنهم يحكمون بأمر الله ومن يشذ عنه يًعد كافرا، أي نفس منطوق الولاية وعصمة الأئمة. وهو ما يتناقض وجوهر الإسلام حيث الأمة هي مصدر الحكم. لذلك قال ابو بكر الصديق(رض) في أول خطبة له بعد توليه الخلافة" وَليتَ عليكم ولست بخيركم فإن أسأت فقوموني. أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة ليُ عليكم". كذلك خطبة عمر بن الخطاب(رض) بنفس المناسبة " إن رأيتم فيُ إعوجاجا فقوموني". فشرعية الحاكم من رضا الأمة على الحاكم وليس الله تعالى. أي هو نظام دنيوي وليس ديني كما هو عليه في العقيدة المسيحية.
يذكر د.علي سامي النشار في كتابه الشهير (نشأة الفكر الفلسفي الاسلامي2/33) حول المتصوفة بأن الإمام علي(رض) هو "سندهم وقمة سلسلتهم وإليه نهاية الطريق، ووضعوا على لسانه آثارا وسننا كثيرة. ونسبوا اليه اسرار العلم الباطني". وهو نفس الكلام الذي ذكره إبن خلدون في مقدمته الذي جاء فيه" إن المتصوفة لما أسندوا لباس خرقة التصوف ليجعلوه أصلا لطريقتهم وتخيّلهم رفعوه إلى عليّ (رض) وهو من هذا المعنى أيضا، وإلا فعليّ (رض) لم يختصّ من بين الصحابة بتخليه ولا طريقة في اللباس ولا الحال ".(مقدمة إبن خلدون/473).
هذه الحقيقة يمكن أن نلمسها في إدعاءات كبار شيوخ المتصوفة برجوع نسبهم الى آل البيت(ع) بإستثناء الطريقة النقشبندية، التي ترجع كما ذكرنا في أصولها لأبي بكر الصديق(رض). ورغم إننا لا نلمس وجود ارتباط وعلاقات مباشرة بين الأئمة والمتصوفة إلا ما ندر، لكن هذه لاتشكل ثغرة في إدعائهم فقد وجدنا مراجع دينية من الفرس والهنود والأفغان والباكستان يدعون النسب لآل البيت كذلك. والطامة الكبرى إنهم لم يكتفوا بسرقة الأنساب فحسب بس سرقوا منا الزعامة الدينية، رغم إن أيا من آياتهم لا يحفظ القرآن الكريم أو يتمكن من قراءة سورة واحدة منه بلسان عربي فصيح. وهذا ما سنناقشه في مبحث الألقاب والأنساب.
يذكر الشعراني نقلا عن أحد مشايخ الصوفية قوله عن الإمام علي" لقد رُفع كما رُفع عيسى(ع)، وسينزل كما ينزل عيسى(ع)" وهو تكرار لإدعاء عبد الله بن سبأ. ويضيف الشعراني بأنه سمع شيخه(علي الخواص) يذكر: إن نوحا(ع) أبقى من سفينته لوحا على إسم علي بن أبي طالب(رض) يرفع عليه إلى السماء. فلم يزل محفوظا في صيانة القدرة حتى رُفع علي بن أبي طالب. (كتاب طبقات الشعراني2/44). وذكرمعصوم علي شاه في كتابه(طرائق الحقائق1/255 بأن" لابد لكل سلسلة من سلاسل التصوف من الأزل إلى الأبد، ومن آدم إلى انقراض الدنيا، أن تكون متصلة بسيد العالمين وأمير المؤمنين". ويدعي بعض المتصوفة إن الإمام علي هو أول الأقطاب، ومنهم هؤلاء أبو العباس المرسي بقوله" إن طريقتنا هذه لا تنسب للمشارقة ولا للمغاربة، بل واحد عن واحد إلى الحسن بن علي بن أبي طالب(رض) فهو أول الأقطاب". (طبقات الشعراني2/14). ويدعي كبار المتصوفة كالشعراني وأبو عبد الرحمن السلمي إن معروف الكرخي كان من موالي الرضا وأسلم على يديه (تذكرة العطار/150). ولعل أفضل ما يثبت ارتباط المتصوفة بآل البيت هو ما ذكره الشيخ أحمد الرفاعي في كتابه(المجالس الرفاعية/108) بقوله" أكمل التوبة الفورية في مقام البضعية، من حيث التحلي بحلوة الطينة الذاتية الأحمدية، إنما هي توبة السيدة البتول العذراء، سيدتنا وقرة أعيننا فاطمة أم السبطين الزهراء سلام الله ورضوانه عليها، وقام عنها بنوبة الجزء الأزهري بعلها المأمون المنوه على جلالة قدره وعظيم مكانته بطالعه (علي مني بمنزلة هارون من موسى) الحديث المنسوب للنبي(ص). فأدرع بدرع الخلافة البضعية متحكما في مشهد الخلافة الأمرية، إصالة في مشهد الخلافة البضعية وكالة حتى لقي الله، فأدرع بمطرها النوراني السبطان السعيدان الشهيدان الحسن والحسين سلام الله وتحياته عليهما، ودارت هذه التوبة الجامعة المحمدية في الأسباط الطاهرين سبطاً بعد سبط إلى أن صينت في مقام الكنزية المضمرة إلى ولي الله المهدي الخلق الصالح سلام الله عليه، فتلقاها عنه من مقام الألباس النواب الجامعون المحمدون، فهم إلى عهدنا هذا من بني الإمام الحسين السبط شهيد كربلاء عليه وعليهم نوافح السلام والرضوان". وأنشد إبن الفارض(الديوان/ نظم السلوك) هذا البيت من شعره في قصيدته التائية الكبرى:
وأوضح بالتأويل ما كان مشكلا *** علي بعلم ناله بالوصية
كذلك أسبغ الصفويون سمات ربانية على الإمام علي(رض) بحيث مسخت شخصيته الحقيقية وتحول الى واحد من آلهة الإغريق القدامى أو أبطال الأساطير. فصورة الإمام علي عند الصفوية نسخة مشوهة من نسخته العربية الأصلية والأصيلة. وسنذكر بعض ما ذكره الصفويين عنه في خطبة منسوبة له" " أنا عندي مفاتيح الغيب لا يعلمها بعد رسول الله إلا أنا. أنا ذو القرنين المذكور في الصحف الأولى. أنا صاحب خاتم سليمان. أنا ولي الحساب. أنا صاحب الصراط والموقف. أنا قاسم الجنة والنار. أنا آدم الأول. أنا نوح الأول. أنا آية الجبار. أنا حقيقة الأسرار. أنا مورق الأشجار. أنا مونع الثمار. أنا مفجر العيون. أنا مجري الأنهار. أنا خازن العلم. أنا طور الحلم. أنا عين القين. أنا حجة الله في السماوات و الأرض. أنا الراجفة.أنا الصاعقة. أنا الصيحة بالحق أنا الساعة لمن كذب بها.أنا ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه.أنا الأسماء الحسنى التي أمر أن يدعى بها. أنا ذلك النور الذي اقتبس منه الهدى.أنا صاحب الصور أنا مخرج من في القبور.أنا صاحب يوم النشور أنا صاحب نوح و منجيه، أنا صاحب أيوب المبتلى و شافيه. أنا أقمت السماوات بأمر ربي أنا صاحب إبراهيم. أنا سر الكليم أنا الناظر في الملكوت. أنا أمر الحي الذي لا يموت أنا ولي الحق على سائر الخلق. أنا المفوض إلي أمر الخلائق. أنا خليفة الإله الخالق أنا سر الله في بلاده وحجته على عباده. أنا أمر الله و الروح كما قال سبحانه وتعالى: (( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي )) سورة الإسراء/ 85. أنا أرسيت الجبال الشامخات وفجرت العيون الجاريات. أنا غارس الأشجار ومخرج الألوان والثمار.أنا مقدر الأقوات. أنا منشر الأموات. أنا منزل القطر.أنا منور الشمس والقمر والنجوم. أنا أقيم القيامة. أنا أقيم الساعة. أنا الواجب له من الله الطاعة. أنا سر الله المخزون أنا العالم بما كان وما يكون. أنا صلوات المؤمنين وصيامهم. أنا صاحب النشر الأول والأخر. أنا صاحب الكواكب. أنا عذاب الله الواصب. أنا مهلك الجبابرة الأولى. أنا مزيل الدول. أنا صاحب الزلازل والرجف.أنا صاحب الكسوف والخسوف. أنا مدمر الفراعنة بسيفي هذا. أنا نور الأنوار. أنا حامل العرش مع الأبرار. أنا صاحب الكتب السالفة. أنا الذي تزدحم الملائكة على فراشي. أنا الذي ردت لي الشمس مرتين.أنا الطور. أنا الكتاب المسطور. أنا البحر المسجور.أنا البيت المعمور.أنا الذي بيدي مفاتيح الجنان ومقاليد النيران. أنا المسيح حيث لا روح يتحرك ولا نفس يتنفس غيري. أنا الصامت ومحمد الناطق. أنا جاوزت موسى في البحر وأغرقت فرعون وجنوده. أنا أعلم هماهم البهائم ومنطق الطير. أنا الذي أجوز السماوات السبع والأرضين السبع في طرفة عين. أنا المتكلم على لسان عيسى في المهد. أنا الذي يصلى عيسى خلفي.أنا الذي انقلب في الصور كيف شاء الله. أنا الآخرة والأولى. أنا الذي أرى أعمال العباد.أنا خازن السماوات والأرض بأمر رب العالمين. أنا القائم بالقسط .أنا ديان الدين. أنا الذي لا تقبل الأعمال إلا بولايتي ولا تنفع الحسنات إلا بحبي. أنا العالم بمدار الفلك الدوار. أنا صاحب مكيال وقطرات الأمطار ورمل القفار بأذن الملك الجبار.أنا الذي أقتل مرتين وأحيي مرتين وأظهر كيف شئت.أنا محصي الخلائق وأن كثروا. أنا محاسبهم..الخ". فما أبقى الإمام علي للذات الإلهية؟ للمزيد من الخوارق راجع كتاب المارق(مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين لرجب البرسي/172). كما زعموا إن الإمام علي(رض) يملك من ملكوت السموات والأرض الشيء الكثير. وجاء في( أمالي الطوسي 1/315) حديث مكذوب نُسب للنبي(ص) وهو" أنا مدينة الجنة وعلي بابها. كذب من زعم إنه يدخلها من غير بابها". ويبدو إن واضع الحديث ظن إن للجنة باب واحدة! ولم يعرف إنها ثمانية أبواب! فمن سيقف يا ترى على بقية الأبواب؟ وهل الجنة بستان أرضي بلا صاحب يتسلق البعض جدارها ولا يدخلون من بابها؟
ويذكر في نفس الكتاب بأنه" ما من عبد يموت وفي قلبه مثقال حبة من خردل من حب علي إلا أدخله الله الجنة". إي لا حاجة بك أ تؤدي الفرائض ولا أعمال البر! فقط حبة من خردل من أكسير الحب تكفيك لدخول الجنة! حتى لو فعلت كل الكبائر والموبقات فإن هذه الحبة تدخلك الجنة؟ بربكم هل هذه جنة أم متنزه؟ وهل هناك مقياس لدرجة الحب يسمى حبة؟ وأنظروا كيف يسخرون من النبي(ص) والصحابة وجهادهم عندما كان الإمام علي غلاما لم يبلغ الحلم، حيث ضاعت الفرصة على من لم يدركه ليحبه ويدخل الجنة دون الحاجة للجهاد واقامة الفرائض. يستشهد الصفوي(محمد حسين آل كاشف الغطاء وليته لم يكشف غطاء عورته) في كتابه( أصل الشيعة وأصولها/25) ببيت شعر سخيف يبين دور الإمام علي في الإسلام. وهو دورعظيم لا يحتاج لمثل هذه السخافات وإنكار دور الرسول والصحابة وجهادهم في سبيل الدعوة الإسلامية مما يزيد عما قدمه الإمام.
ألا إنما الإسلام لو لا حسامه *** كضرطة عنز أو قلامة حافر
هذه الإسلام العظيم الذي رعاه الرب تعالى ونصر به نبيه المصطفى يشبهه هذا الصفوي الحاقد بضرطة عنز! متجاهلا ابطال الإسلام ومن أرسى دعائم الإسلام حين كان الإمام علي غلاما! كسيف الله المسلول خالد بن الوليد وعمر بن العاص وسعد بن أبي وقاص والقعقاع وبقية الصحابة والمجاهدين الذين فتحوا العراق وفارس ومصر وبلاد الشام. أخزاهم الله من شعوبيين حاقدين بلا ضمير ولا حياء. وهذا الخميني ينسب للإمام علي(رض) القول" كنت مع الأنبياء سرا ومع رسول الله جهرا". كتاب(مصباح الهداية/127). وتصل به الوقاحة بنفس الكتاب(ص153) مدعيا" لو كان علي(رض) ظَهر قبل الرسول(ص) لأظهر الشريعة كما أظهرها النبي، ولكان نبيا مرسلا". كإنما الرسالة السماوية تعتمد على شهادات الميلاد، وليس على مشيئة الله عزٌ وجلٌ ينتقي ويصطفي من يريد نبيا ورسولا.
منزلة الملائكة عند الأئمة والأولياء
الملائكة لم ينجوا من سهام الصفويين والمتصوفة فهم ينزلون على الأئمة والشيوخ مثلما ينزلون على الأنبياء كما يزعوا! ولم يكتفوا بهذه التخاريف بل جعلوا الأئمة أعلى منزلة منهم ومن الأنبياء الذين ينزلون عليهم، وتمادوا في غييهم أكثر فجعلوهم خدام للأئمة. فقد زعموا إن الله جل وعلا ناجى الإمام علي بحضور جبريل! جاء ذلك برواية عن(حمران بن أعين) إنه سأل أبي عبد الله بن جعفر عن هذا الأمر فأجابه:أجل قد كان بينهما مناجاة بالطائف نزل بينهما جبريل.(بصائر الدرجات للصفار/430). ويبدو إن الصفار لم يكتف بمناجاة واحدة لذلك أضاف مناجاة أخرى في يوم عقبة، وأخرى يوم حنين ويوم وفاة الرسول عند غسله. وجاء في كتبهم" إن الملائكة ما هم إلا خدم للأئمة ومحبيهم. وأن جبريل من جملة هؤلاء الخدم" (إكمال الدين لابن بابويه/147). وأورد الكليني "إن الوحي بإرادة الإمام فإذا أراد أن يعلم شيئاً من أمور الغيب علمه". (أصول الكافي 1/258). كما أورد المجلسي" إن الأئمة يذهبون إلى عرش الرحمن كل يوم جمعة ليطوفون به ويأخذون من العلوم ما شاءوا". بحار الأنوار88/26. ويذكر الشيخ المفيد بأن نزول الملائكة على الأئمة أمر معقول" إن العقل لا يمنع من نزول الوحي على الأئمة، وإن كانوا ائمة غير أنبياء". (اوائل المقالات في المذاهب والمختارات/75). وذكر الخميني بأن" للإمام مقاماً محموداً، ودرجة سامية، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون. وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل". (الحكومة الإسلامية). ويزعم في كتابه(مصباح الهداية/124) بأن الإمام علي سأل النبي(ص) هذا السؤال البليد: أنت أفضل أم جبرائيل؟ فأجابه:إن الله فضل الأنبياء المرسلين على ملائكته المقربين، وفضلني على جميع النبيين، والفضل بعد ذلك لك وللأئمة من بعدك، إن الملائكة خدامنا، وخدام محبينا". وهذا إفتراء على النبي(ص) وعلى الإمام علي(رض). وبالرجوع الى قصة اليهودي الذي شكى للنبي(ص) بأن أحد المسلمين لطمه عندما تفاضلا بينه وبين موسى(ع). قال الرسول(ص)"لا تخيرونني بين الأنبياء". وفي روايات أخرى"لا تفضلوني على موسى" وكذلك" لا تفضلوني على الأنبياء ولا على يونس بن متي".
كذلك حال المتصوفة حيث يزعم السهروردي بأن" الشيخ للمريدين أمين الإلهام، كما إن جبرائيل أمين الوحي". ( عوارف المعارف). ومن القائلين إن الملائكة تنزل على الأنبياء والأولياء هو الشيخ نجم الدين الكبري(للمزيد راجع كتابه فوائح الجمال وفواتح الجلال/10). وجاء في كتاب( الأبريز/ الشيخ عبد العزيز الدباغ /151) ردٌ قاسي على الغزالي وهو" إن الغزالي غلط في التفريق بين نزول الملك على النبي والوليّ، مع أن النبي والوليّ كلاهما ينزل عليه الملك". ويضيف الشيخ عبد العزيز الدباغ بأن" ما ذكروه في الفرق بين النبي والوليّ من نزول الملك وعدمه فليس بصحيح، لأن المفتوح عليه سواء كان وليا أو نبيا لا بد له أن يشاهد الملائكة بذواتهم على ما هم عليه، ويخاطبهم ويخاطبونه، وكل من قال: إن الوليّ لا يشاهد الملك ولا يكلمه فذاك دليل على أنه غير مفتوح عليه".( الأبريز للشيخ عبد العزيز الدباغ/151). ويذكر الشيخ الرندي عن أحد مشايخه قوله" إن الملائكة تزورني فآنس بها، وتسلم عليّ فأسمع تسليمها".(غيث المواهب العلية للشيخ النفزي الرندي1/262). ويذكر الشعراني بأن أحد الأولياء كان عندما يُسئل يستأذن سائله ليمنحنه مهلة كي يتصل بجبرائيل ليوافيه بعد ذاك بالجواب.
عقيدة المهدي المنتظر
يذكر أحمد أمين " إن الصوفية اتصلت بالتشيع اتصالاً وثيقاً، وأخذت فيما أخذت عنه فكرة المهدي، وصاغتها صياغة جديدة وسمته (قطبا)، وكونت مملكة من الأرواح على نمط مملكة الأشباح، وعلى رأس هذه المملكة الروحية القطب، وهو نظير الإمام أو المهدي في التشيع، والقطب هو الذي (يدبر الأمر في كل عصر، وهو عماد السماء، ولولاه لوقعت على الأرض)، ويلي القطب النجباء، قال ابن عربي في الفتوحات المكية: هم اثنا عشر نقيباً في كل زمان، لا يزيدون ولا ينقصون، على عدد بروج الفلك الاثني عشر، كل نقيب عالم بخاصية كل برج وبما أودع الله تعالى في مقامه من الأسرار والتأثيرات".( كتاب ضحى الإسلام/245). لاحظ إن عدد النقباء(12) هو نفس عدد الأئمة وهذه ليست صدفة!
من المعروف أن الروايات الصفوية تتناقض بشأن شخصية المنتظر حتى يمكننا أن نجزم بأنه لا توجد شخصية في العالم فيها من التناقضات مثل شخصيته! وسنتناول هذا الموضع مستقبلا في ثماني مباحث بعون الله. ولإيجاز مقتضب حول شخصية المهدي تقول طائفة بأنه لم يولد أصلا فقد كان أبوه عقيما، ورغم كثرة أزواجه وجواريه لكن لم تحبل أي منهن مما يؤكد هذا العقم. وقد ذكر الشيخ المفيد في كتابه الإرشاد" لم يظهر له ولد في حياته ولا عرفه الجمهور بعد وفاته". وهذا ما أكده أقرب الناس إليه وهو عمه جعفر الذي أكد بأن اخاه العسكري لم يخلف ولدا فرفضت روايته. في حين قبلت رواية أحد مواليه(عثمان بن سعيد)- المستفيد من الخمس- بأن له ولدا أختفى وعمره(4) سنوات وإنه- أي عثمان- وكيله بإستلام الخمس والولاية حسب وصية المهدي، والغريب ان كليهما(جعفر وعثمان) غير معصومين لكن جعفر من آل البيت! فلماذا قبلت رواية الغريب ورفضت رواية الأخ؟ كما إن رواية عثمان بن سعيد مستقاة من حكاية يتيمة إنفردت بذكرها حكيمة (عمة الحسن العسكري وهي غير معصومة أيضا) بقولها إن العسكري أخبرها" فإذا غَيب الله شخصي وتوفاني ورأيتِ شيعتي قد اختلفوا فأخبري الثقات منهم".!
في كتاب (غيبة للطوسي) يذكر بأن حكيمة رأته وفقدته" بعد 7 أيام من ولادته". وفي رواية اخرى أن حكيمة بعد(40) يوما من ولادته رأته يمشي في دار أبيه وفقدته بعد ذلك. وفي رواية أخرى إنها كانت تزوره كل(40) يوما، وآخر زيارة كانت بأيام قلائل قبل وفاة أبيه العسكري وكان عمر المهدي آنذاك (5) سنوات. وفي رواية أغرب من روايات الخيال العلمي إنها رأته رجلا ناضجا في حياة أبيه وليس أبن أربعين يوما! فقد جاء في كتاب إكمال الدين عنها" رأيته رجلا فلم أعرفه. فقلت لإبن أخي من هذا الذي تأمرني بالجلوس بين يديه؟ فأجاب: هو إبن نرجس خليفتي ومن بعدي". والطريف إن مصادر الصفوية الرئيسة كإرشاد الشيخ المفيد واعلام الورى للطبرسي وكشف الغمة للأربلي ومنتهى الآمال لعباس القمي وجلاء العيون للمجلسي وغيرهم. تؤكد عقم العسكري" فلما دفن العسكري طُلب ولده فلم يجدوا له ولدا ثم تبين بطلان حمل جاريته، عندها وزع ميراثه بين أمه وأخيه جعفر وثبت ذلك عند القاضي"(قاضي سامراء إبن أبي الشوارب).
رغم إنفراد الإمامية وفرق قليلة بعقيدة المهدي وإختفائه في الحفرة، لكن المتصوفة يأخذون بها زاعمين وجود ولد للحسن العسكري، وإنه سيخرج ليملأ الأرض عدلا. يذكر الشيخ علي الخواص " نترقب خروج المهدي عليه السلام، وهو من أولاد حسن العسكري، ومولده عليه السلام ليلة النصف من شعبان سنة 255 وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى ابن مريم (ع)، فيكون عمره إلى وقتنا هذا، وهو سنة ثمان وخمسين و تسعمائه سبعمائة سنة وست سنين. هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي المدفون فوق كوم الرئيس المطل على بركة الرطل بمصر المحروسة عن الإمام المهدي حين اجتمع به"! بل إن قطبهم الأكبر إبن عربي يذكر" لابد من خروج المهدي(ع) لكن لا يخرج حتى تمتلئ الأرض جورا وظلما فيملؤها قسطا وعدلا". كتاب( اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر ج2/143). كما ذكر نور الله التستري في كتابه(مجالس المؤمنين) بأن" الحلاج كان يدعو الناس ويبشرهم بالفرج وخروج صاحب الزمان من أرض طالقان عما قريب" شَدد على كلمة عما قريب. ومن مؤلفات شيخ الصوفية أبو نعيم الأصبهاني كتابا بعنوان( الأربعون في أحاديث المهدي). ويذكر بهاء الدين محمد مهدي بأنه إلتقى النبي(ص) على شاطيء نهر وقال له" تمسك بولدي أحمد الرفاعي، تصل إلى الله. فهو سيد أولياء أمتي وأعظمهم منزلة بعد أولياء اقرون الثلاثة ولا يجيء مثله إلى يوم القيامة غير المهدي العسكري".( بوارق الحقائق/212). أما الشعراني فإنه تحدث لنا عن لقاء الشيخ حسن العراقي بالإمام المهدي حيث ضيفه في منزله سبعة أيام ملقنا أياه الذكر والأوراد. (الطبقات2/139) لاحظ نفس الإدعاء موجود عند الصفوييين فقد زعم إبراهيم بن سليمان البحراني بأنه إلتقى المهدي وعلمه وذاكره في مسائل العلم.( للمزيد راجع روضات الجنات للخوانساري1/25.
في الوقت الحاضر يدعي الرئيس نجادي بلقاءاته المستمرة مع المهدي! أما الخامنئي فيتصل به بالموبايل حسب قول آية الله كاظم صديقي إمام جمعة طهران(مجلة باسدار إسلام). ولا أعرف كيف يتم تأمين الإتصال مع الإمام في الحفرة وهي كما معروف خارج التغطية؟ ليس العتب على الملالي فحسب، بل العتب على الشعوب التي تقبل بهذه العقليات الطفيلية التي تحكمها. الشعب الذي يتقبل من زعاماته هذه التخاريف والشطط يعيش فعلا مع إمام الحفره وفي زمنه وليس في الألفية الثالثة!
من خلال هذا الإنحطاط العقلي يمكنك الحكم على مستوى وعي وثقافة الشعب الإيراني! إنظروا إلى إي مستوى من الضحالة الفكرية وصل لها مع حكم الملالي. وهذا ما يحدث الآن في العراق حيث أفرز الإحتلال الأمريكي- الإيراني خمسة ملايين أمي. وتتنافس جامعات العراق ليس على الإرتقاء بالمستوى العلمي، وإنما على مستوى تمثيلها في مراسيم زيارة عاشوراء! وتوزع على طلاب العلم -بناة مستقبل العراق- في الجامعة التكنلوجية صكوك محبة الإمام علي (رض) للدخول إلى الجنة!
إن الوعي الجماهيري والثقافة الشعبية والتسلح بالعلم والمعرفة هم أشد الأعداء الذين يخشاهم المعممون لأنهم ينهون نفوذهم وتسلطهم على فيالق الجهلة وفرق الحمقى وألوية السذج. لذلك فهم يحلون فريضة الجهاد فقط ضد قوى الثقافة والعلم.
تذكر دائما وأبدا بأن الطحالب والطفيليات والحشرات لا تعيش إلا في المياه الآسنة والضحلة.
للحديث بقية بعون الله.