سلطة العار ونظام بشّار
سلطة العار ونظام بشّار
د.إبراهيم حمّامي
تحدثوا كثيراً، زاودوا بشدة، انتقدوا وهاجموا وصرّحوا واسترجعوا كل مفردات القواميس تحت شعار "عدم التدخل في الشؤون الداخلية" للدول العربية.
لكن ما أن لمحوا وليد المعلم في طهران، حتى تسابقوا ووقفوا طابوراً واحداً لتقبيله ومعانقته بحرارة، لتنكشف مواقفهم المعروفة أصلاً بأنهم ضد الثورات العربية وضد الشعوب، هذا هو حال سلطة رام الله، والصورة بألف كلمة.
لا غرابة ولا عجب فمن يحتضن المحتل ويعتبره شريكاً، ومن ينسق معه لإعادة "المستوطنين" سالمين وفي المقابل يعتقل شرفاء شعبنا ويزج بهم في معتقلاته، ومن يعتبر أن شعبه سخيف ومقاومته حقيرة وكرتونية وعبثية، وفي المقابل يقول بالفم الملآن بلا خجل أن "اسرائيل وجدت لتبقى" – وهذه لنا وقفة أخرى معها، من يقوم بكل ذلك لا نستغرب أن يقف في صف النظام السوري المجرم ضد شعب بطل يطالب بحريته.
من يتفهم موقف النظام السوري المجرم أكثر من سلطة عبّاس القمعية، من يتفهم قمع المظاهرات واعتقال الشرفاء أكثر منهم وهم يفعلون ذلك صباح مساء، من سيعرف معنى أن يكون غير شرعي ويتغنى بالشرعية المزعومة؟ ما أشبه سلطة العار بنظام بشار!
جعلوا غزة وقيادتها "شيعة" و"متشيعون"، قالوا أنهم مرتمون في أحضان طهران وتابعون لإيران، ارجعوا كل موبقاتهم لأوامر نجاد وخامنئي التي تُفشل المصالحة، ثارت ثائرتهم عن كل زيارة ولقاء مع "إيرانيين"، بل وصل بهم الحال للقول أن الحرس الثوري الايراني متواجد في قطاع غزة، فعلوا ذلك وأكثر.
أما اليوم وبمجرد أن وُجهت الدعوة لإسماعيل هنية للمشاركة في قمة عدم الانحياز، أصبحت إيران لدى السلطة وبقدرة قادر شقيقة وداعمة و"سمن على عسل"، انتفضت السلطة واستنفرت مع "جمهورية إيران الاسلامية" لمنع هنية من الحضور، بحجة الشرعية المزعومة، متمنين على إيران "الشقيقة" الوقوف مع "الشرعية" و"الحق" كما "فعلت دائماً" – تصوروا!.
أما إعلامهم ف"طنطن" للزيارة الأولى من نوعها "للسيد الرئيس" منذ "انتخابه" ل"جمهورية إيران الاسلامية"، وبأن "فخامته" سيعقد إجتماعاً مغلقاً هو الأول من نوعه مع الرئيس الايراني نجاد، وبأن وفد السلطة سيكون على مستوى عال ورفيع، ثم انطلقوا ليتحدثوا أن إيران "صفعت" حماس وسحبت دعوتها لهنية، وزادوا أنه لم توجه له دعوة أصلاً، مرجعين ذلك ل"معاقبة" إيران لحركة حماس لموقفها من الثورة السورية – في هذه فقط صدقوا وهو ما أكده موسى أبو مرزوق.
المبرر الأخير هو وسام فخر لكل من يقف مع الثورة السورية أفراداً وحركات، ونأي حماس بنفسها عن أنظمة الإجرام لا يدينها، لكنه يدين من تراكض لاسترضاء إيران بعد أن انكشفت مواقفها المعادية للشعوب، ومن اصطف ليعانق وزير خارجية نظام مجرم وبضحكات تملأ "أفواههم".
لا مباديء ولا أخلاق، كلام الليل يمحوه النهار، وسلطة العار تفضل نظام بشار على النظام المصري الجديد برئاسة محمد مرسي، وتفضل خامنئي على الغنوشي، وغير الشرعي على الشرعي، هم هكذا وهذا دورهم ومكانهم، وما يجمع عبّاس وبشار ونجاد أنهم جميعاً مغتصبون للسلطة باسم الشرعية، وبأنهم قامعون لشعوبهم باسم القانون، فكان الاصطفاف بين المجرم وأخيه، وبين السفاح وشريكه.
ملاحظة أخيرة: يُساوي بعض الغوغاء بين مصافحة محمد مرسي ونجاد وبين اصطفاف رموز السلطة لمعانقة وليد المعلم، ونقول أن محمد مرسي كان يصافح بصفته الرسمية أي استلام وتسليم لرئاسة القمة، ومع ذلك فقد وجه لطمة قوية جداً لنجاد وغيره في كلمته سواء بالترضي على الصحابة رضي الله عنهم أو الوقوف المطلق مع الثورة السورية، أما رموز سلطة العار فلم يكن هناك اضطرار في اصطفافهم لمعانقة وزير في نظام مجرم إلا مواقفهم المعروفة.
قلنا أن الثورة السورية العظيمة هي الثورة الكاشفة، هي الثورة الفاضحة، حتى للمفضوحين أصلاً في رام الله وغيرها، واليوم تتضح الصورة أكثر: من يقف مع نظام الاجرام ومن يقف مع ثوار سوريا، ومن يتعب نفسه في البحث عن صورة هنا أو هناك لشخص آخر يبرر فعلتهم في طهران للمساواة بين الحدثين مسكين وواهم، لأن مواقف ما قبل الثورة السورية تختلف عن المواقف بعدها.
لا نامت أعين الجبناء.