كلام في الثورة
د. أحمد محمد كنعان
سأل رئيس المحكمة العسكرية قائد الثورة الفاشلة : من هم شركاؤك في الثورة ؟ فأجاب : أنت وهيئة المحكمة وجميع الحاضرين .. لو أنني نجحت !
الثورة تغيير شامل في الأوضاع السياسية أو الاجتماعية أو فيهما معاً ، إنها انقلاب تام وانتقال حاسم من الوضع القديم إلى وضع جديد مختلف عنه تمام الاختلاف ، وللثورة تعريفات معجمية تتلخص بتعريفين أو مفهومين ، فالتعريف التقليدي القديم الذي وضع مع انطلاق الشرارة الأولى للثورة الفرنسية عام 1789 هو "قيام الشعب بقيادة نخبة من مثقفيه تمثل الطليعة لتغيير نظام الحكم بالقوة" ثم طور الماركسيون هذا المفهوم بتعريفهم للنخبة والطليعة المثقفة بطبقة قيادات العمال التي أطلقوا عليها اسم "بروليتاريا" أما التعريف المعاصر للثورة فهو التغيير الذي يحدثه الشعب من خلال القوات المسلحة أو بعض الشخصيات التاريخية لتحقيق طموحاته لتغيير نظام الحكم العاجز عن تلبية هذه الطموحات ، ولتنفيذ برنامج من المنجزات الثورية غير الاعتيادية !
وهناك مفهوم دارج أو شعبي للثورة يتلخص بالانتفاض ضد الحكم الظالم ، وقد يصح أن نطلق مجازاً على ما قام به الأنبياء عليهم السلام وصف "الثورة" لأن الرسالات السماوية كانت أيضاً تستهدف تغيير أحوال الناس من الوثنية إلى التوحيد ، ومن استعباد بعضهم لبعض إلى عبادة الله وحده !
وقد تكون الثورة شعبية مثل الثورة الفرنسية ، وثورات أوروبا الشرقية في عام 1989 ، وثورة أوكرانيا المعروفة بالثورة البرتقالية في نوفمبر 2004 ، وثورات "الربيع العربي" التي تفجرت في طول الوطن العربي وعرضه نهاية عام 2010 في تونس ثم انتشرت انتشار النار في الهشيم في معظم الأقطار العربية .
وقد تكون الثورة عسكرية فتسمى "انقلابا" ، مثل الانقلابات العديدة التي شهدتها الساحة العربية بعد الاستقلال في حقبتي الخمسينيات والستينات من القرن العشرين ، وقد يستخدم مصطلح "الثورة" مجازاً للتعبير عن التطور الواسع في مجال التكنولوجيا أو العلوم التطبيقة .
باختصار .. فإن الثورة تشكل ظاهرة مهمة جداً في التاريخ البشري لأنها كثيراً ما أحدثت تغييرات جذرية في المجتمع ، سواء كانت تغييرات إيجابية أم سلبية ، ومما يؤسف له أن معظم الثورات التي يخوضها الشعب في البداية تنتهي إلى دكتاتوريات عسكرية ظالمة ، كما أن ضحايا الثورات أغلبهم من الأبرياء !
والأدهى من هذا كله أن الثورة كثيراً ما تسرق من قبل الانتهازيين واللصوص ، وكثيراً ما تنتهي بمقتل قادة الثورة ، أو إيداعهم غياهب السجون بقية حياتهم ، وبالرغم من هذه النتائج المأساوية والنهايات الدرامية المؤلمة فإن التاريخ البشري يظل حافلاً بالثورات التي لا تكاد حقبة تاريخية تخلو منها ، مما يؤكد أن توق الشعوب إلى الحرية والانعتاق من الظلم وكسر حاجز الخوف مكاسب أهم بكثير من تلك الضريبة التي تدفعها الشعوب في ثوراتها ، وما الثورة السورية الراهنة عنكم ببعيد !