الصفوية والصوفية 4
الصفوية والصوفية
خصائص وأهداف مشتركة 4
علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
علم الغيب عند الأئمة والشيوخ
الأحاديث المنسوبة لآل البيت- رضوان الله عليهم- صنيعة شعوبية بإمتياز تكشف لنا بأنهم يعلمون علم الغيب! إي إنهم يشاركون الله سبحانه تعالى في واحدة من أهم صفاته! وعهدنا بهم رجال لا أنبياء. بل حتى الأنبياء لم ينالوا هذه السمة الربوية إلا بعضهم وبما أوحى الله لهم به فقط كما قرأنا. وسنستعرض عدد من الأحاديث المنسوبة من قبل الشعوبيين للأئمة رضوان الله عليهم وهم منها براء. فقد جاء في الكافي حديثا منسوبا للإمام الرضا" نحن أمناء الله في أرضه، عندنا علم البلايا، والمنايا، وأنساب العرب، ومولد الإسلام". وذكر رجب البريسي في كتابه( مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين) قولا نسبه للإمام علي "أنا عندي مفاتيح الغيب لا يعلمها بعد رسول الله إلا أنا". كما عنون الكليني في الكافي بابا بعنوان" إن الائمه يعلمون علم ما كان وما يكون وإنه لايخفى عليهم شيئ" أقسم فيه الإمام علي" وربً الكعبة ورب البنية (3) مرات، لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما، ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما". وتمادى الشعوبيون في كفرهم بأن الوحي يُعلم الأئمة بالغيب كما ذكر لنا الكليني" أن الوحي بإرادة الإمام فإذا أراد أن يعلم شيئاً من أمور الغيب علمه". وأحيانا لا يحتاجون لواسطه كما ذكر المازداني في شرحه" أن العلم أحياناً يحدث للأئمة من الله مباشرة بلا واسطة ". وهناك الكثير من الأحاديث المنسوبة للأئمة زورا وبهتانا، لكننا سنكتفي بهذا القدر.
وتستلزم الحقيقة معرفة الموقف الصريح للأئمة من هذا الزيف والإفتراء. فهؤلاء الأطهار أبعد ما يكونوا من معرفة الغيب، سيما إنهم أعرف من غيرهم بحدود الله فلا يمكن أن يتجاوزوها. فهذا الإمام علي(ع) كما نقل لنا الطبرسي في كتابه الإحتجاج يتبرأ ممن يدعي هذه الدعوى الباطلة بقوله" أنا بريءٌ إلى الله وإلى رسولِه، ممّن يقول إنّا نعلم الغيب، ونشاركُه في مُلكِه، أو يُحِّلُنا محلاً سوى المحلَ الذي رضيه الله لنا". وهذا الشيخ المفيد في كتابه( أوائل المقالات) ينكر هذا الأمر جملة وتفصيلا بقوله إن" إطلاق القول عليهـم (الأئمة) بأنهم يعلمون الغيب فهو منكر بيّن الفساد لأن الوصف بذلك إنما يستحقه من علم الأشياء بنفسه لا بعلم مستفاد وهذا لا يكون إلا لله عز وجل". ويناقض المجلسي في البحار الأحاديث التي أوردها نفسه بشأن علم الأئمة بالغيب قائلا"اعلم أن الغلو في النبي والأئمة إنما يكون بالقول بألوهيتهم أو بكونهم شركاء لله تعالى في العبودية أو في الخلق والرزق، أو أن الله تعالى حلً فيهم أو إتحد بهم أو أنهم يعلمون الغيب بغير وحي أو إلهام من الله تعالى".
مشايخ الصوفية لا يختلفون عن الصفويين في رؤية مشايخهم وإمتلاكهم علم الغيب وعلوم ربانية أخرى. على سبيل المثال يذكر ابن المبارك بأنه سأل شيخه( عبد العزيز الدباغ) عن علماء الظاهر من المحدثين وغيرهم الذين اختلفوا فيما إذا كان النبي(ص) يعلم الخمس المذكورات في قوله تعالى(( إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير)) سورة لقمان/34 أم لا يعلم؟ فأفحمه بالقول: كيف يخفى أمر الخمس عليه والواحد من أهل التصوف من أمته الشريفة لا يمكنه التصرف إلا بمعرفة هذه الخمس". كتاب الإبريز/167. ومنهم الشيخ أحمد الرفاعي الذي قال" إن العبد ما يزال يرتقي من سماء إلى سماء حتى يصل إلى محل الغوث، ثم ترتفع صفته إلى أن تصير صفة من صفات الحق، فيطلعه على غيبه حتى لا تنبت شجرة، ولا تحضر ورقة إلا بنظره، ويتكلم هناك عن الله بكلام لا تسعه عقول الخلائق".( قلادة الجواهر في ذكرى الرفاع وأتباعه الأكابر/148). ونسبوا للشبلي القول" لو دبت نملة سوداء على صخرة صماء في ليلة ظلماء ولم أشعر بها أو لم أعلم بها لقلت أنه ممكور بيٌ". الإنسان الكامل للجيلي ج1/122).
كما نقل المنوفي الحسيني عن إبراهيم الدسوقي قوله" إن للأولياء الاطلاع على ما هو مكتوب على أوراق الشجر والماء والهواء وما في البر والبحر وما هو مكتوب على صفحة قبة خيمة السماء، وما في جباه الإنس والجان مما يقع لهم في الدنيا والآخرة". ( جمهرة الأولياء للمنوفي الحسيني/242)
ويقول ابن عربي" يرتقي الوليّ إلى عالم الغيب فيشاهد اليمين ماسكة قلمها وهي تخطط في اللوح". مواقع النجوم/82). ويذكر شهاب الدين السهروردي بأن" الأنبياء والفضلاء المتألهون يتيسر لهم الاطلاع على المغيبات، لأن نفوسهم إما قوية بالفطرة أو تتقوى بطرائقهم وعلومهم، فينتقشون بالمغيبات، لأن نفوسهم كالمرايا المصقولة تتجلى فيها نقوش من الملكوت. فقد يسري شبح إلى الحس المشترك، يخاطبهم ألدّ مخاطبة وهو في أشرف صورة، وربما يرون الغيب بالحس المشترك ومشاهدة، وربما يسمعون صوت هاتف، أو يقرؤن من مسطور". للمزيد(الألواح العمادية للسهروردي/64).
الأئمة يعلمون علوم الله وملائكته
ورد في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ما يؤكد بأن العلم المطلق عند الله وحدة بما في ذلك علم ما سيكون كما ورد في سورة طه/110 ((وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)). لكن الصفويين نسبوا للأئمة أحاديثا مختلقة تشير إلى إنهم يعرفون ما في خزائن الله من معارف. فقد ذكر المجلسي" إن الإمام جعفر الصادق يعلم ما في السموات وما في الأرضين وما في الجنة وما في النار وما كان وما يكون". ويضيف في بحاره"وإنه لا يحجب عنهم علم السماء والأرض". بل يصل إلى درجة من الغلو بقوله" الإمام من الأئمة يعلم ما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخى عليه ستره بل ينظر في ملكوت السموات والأرض فلا يخفى عليه شيء ولا همهمة". يعلمون جميع العلوم التي أوتيت الملائكة والأنبياء والرسل!! وفي كتاب الكافي للكليني هناك عدة أحاديث تتعلق بهم منها" الأئمة إذا شاؤا أن يعلموا علموا". و"الأئمة يستطيعون إخبار كل أحد بما له وما عليه". و"الملائكة تأتيهم بالأخبار وتدخل بيوتهم وتطأ بسطهم". و"أنهم يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء". "وعندهم وصية الحسين فيها كل ما يحتاجه الناس إلى يوم القيامة" و"أن الوحي بإرادة الإمام فإذا أراد أن يعلم شيئاً من أمور الغيب علمه". و" لا يحجب عنهم شيء من أحوال شيعتهم وما تحتاج إليه الأئمة من جميع العلوم، وأنهم يعلمون ما يصيبهم من البلايا ويصبرون عليها، ولو دعوا الله في دفعها لأجيبوا، وأنهم يعلمون ما في الضمائر وعلم المنايا والبلايا وفصل الخطاب والمواليد". وكذلك" أن العلم أحياناً يحدث للأئمة من الله مباشرة بلا واسطة". (المازنداني في شرحه 6/44). والطامى الكبري في هذه المعضلة" أن النبي (ص) علم علياً علوماً بعد وفاته وتكفينه". (بحار الأنوار 40/213). ونسبوا بأن النبي(ص) قال للإمام علي" يا علي إذا مت فغسلني وكفني، ثم أقعدني وإسلني وأكتب"! (الكافي 1/297). عجبا لماذا لا يسأله وهو حي ويسأله بعد موته؟ وإن كان الإمام يحمل كل تلك المعارف والعلوم وحتى ما في الضمائر فلماذا أوصاه النبي عندما بعثه إلى اليمن بقوله" يا علي! ما خاب من إستخار، ولا ندم من إستشار". (وسائل الشيعة 3/216). فهل يحتاج من يحمل خزائن الله من المعارف إستشارة الآخرين؟ وهذا إبن سعد يحدثنا عن الإمام زين العابدين الذي أشار إلى سعيد بن جبير بقوله" هذا رجل كان يمر بنا فنسأله عن الفرائض وأشياء مما ينفعنا الله بها. إنه ليس لدينا ما يرمينا به هؤلاء. وأشار بيده إلى العراق".( الطبقات الكبرى 8/136).
وجاء في خطبة للإمام علي نقلها الكليني تنسف كل هذه التخاريف والأباطيل بقوله" فإني لست في نفسي بفوق ما أن أخطئ ولا آمن ذلك من فعلي، إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني". وفي سؤال إبي الطفيل للإمام علي فيما إذا أسره النبي(ص) بشيء" فغضب علي(رض) وقال: ما كان النبي(ص) يُسر إليٌ بشيء يكتمه عن الناس، غير إنه حدثني بكلمات أربع هي" لعن الله من لعن والده، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثا، ولعن الله من غير منار الأرض". (صحيح مسلم 3/1567).
المتصوفة بالغوا في علوم شيوخهم أيضا فقد نبذوا الإستدلال العقلي والبرهان المنطقي كطريقة للحصول على الحقيقة والمعارف، على إعتبار إن الأفضلية تكون بالايحاء وما يختلج النفس والقلب. فهم يدعوم بأن لديهم ثلاثة أنواع من العلوم أولهما: الوهبية(اللدنية أو الكشف والفيض الرباني) أي تلك التي يهبها الله لهم مباشرة للكشف عن الحقائق العلوية وهي مستمدة من قوله تعالى(( وعلمناه من لدنا علما)) سورة الكهف/56.. وقد شرحه ابن عربي في رسالته الى فخر الدين الرازي- صاحب التفسير المشهور- التي جاء فيها" إعلم إن الرجل لا يكتمل عندنا في مقام العلم حتى يكون علمه عن الله عز وجل بلا واسطة من نقل أو شيخ". ويدعي إبن عطاء الله السكندري" ان من الكرامات الاستماع من الله والفهم عنه". كتاب(في لطائف المنن). ويذكر الشيخ التيجاني" ان الله يكرم القطب بعلم ما قبل وجود الكون وما ورائه وما لانهاية له، وجميع الأسماء التي يسير بها نظام كل ذرة من جميع الموجودات". (الموسوعة الصوفية/ د. عبد المنعم الحنفي- ص/914). و في( فصوص الحكم /1-129) يذكر أبو السعود نقلا عن الشيخ المهتدي عبد الرحمن الوكيل" إن الله أعطاني التصرف منذ(15) عاما وتركناه تظرفا" ويعلق إبن عربي على هذا الكلام" أما نحن فما تركناه تظرفا، وإنما تركناه لكمال المعرفة".
النوع الثاني: العلوم الكسبية(المكتسبة) وهي العلوم التي يأخذوها شيوخهم في دروسهم أو من خلال قراءة كتب أقطابهم المعروفة. ويذكر ابن عطاء الله السكندري في لطائف المنن عن المرسي ابو العباس" ما من ولي كان أو هو كائن إلا وقد أطلعني الله عليه وعلى اسمه ونسبه وكم حظه من الله". ويضع الشيخ التيجاني إشارات على طريق أخذهم العلوم بقوله" ما يظهره الله سبحانه وتعالى للذاكر من المؤانسة في نومه ويقظته، حتى يرى الأنوار طالعة ونازلة، ثم ينتهي بها حتى يراها تحوم حول قلبه داخلة في صدره. ثم ينتهي إلى أن يراها حلت في قلبه وجالت فيه. فإذا وقعت فيه هكذا أكسبته من العلوم، حتى يعبر عن عما يعجز عنه أهل الدراسة، ولا يعلم من أين دخلت عليه تلك العلوم".( جواهر المعاني/ علي حرازم). ويذكر الشيخ الكيلاني" أعلم كم هو نبات الارض، واعلم رمل الارض كم رملة، وأعلم موج البحر كم موجة، وأعلم علم الله، أحصي حروفه" كتاب( الفيوضات الربانية في المآثر والاوراد القادرية/ ص36)
النوع الثالث: علوم نبوية مستمدة من النبي(ص) حيث يدعون إن القطب والغوث يأخذون العلم من النبي مباشرة وهو ميت! فهو يأتيهم صحوا أو نوما ليعلمهم الأذكار والأوراد. ويستشهدون بحديث السيد احمد الادريسي- مؤسس الطريقة الادريسية" اجتمعت بالنبي(ص) اجتماعا صوريا ومعه الخضر(ع) فأمر النبي الخضر بأن يلقنني أذكار الطريقة الشاذلية فلقنني أياها بحضرته". كتاب( تفنيد الصوفية) لعبد الرحمن عبد الخالق. وسبق أن تحدثنا عن كتاب(فصوص الحكم) حيث أمر النبي(ص) ابن عربي بنشر ما جاء فيه على الناس.
ومن الخائص المشتركة مسألة التقية
الصفوية.
قال الإمام الصادق" لا والله ما على وجه الأرض أحب إليٌ من التقية. من كانت له تقية رفعه الله. ومن لم تكن له تقية وضعه الله"( الكافي 2/217). الغريب في هذه الدعوى إن التقية أحب للصادق من الصدق والوفاء والمحبة والرحمة والتعاون والتقوى! وفي حديث منسوب إليه يحث أتباعه على النفاق ويقسم بأنه أحب شيء إليه.يقول " صلوا في عشائرهم، وعودا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، والله ما عبد بشيء أحب إليه من الخبْ". قيل له ما الخبْ؟ فأجاب التقية. إنه إفتراء على الله وعلى الصادق. ( الكافي 2/219).وقد إفتروا كذلك على أهل الكهف ونسبوا إليهم التقية! نُسب للصادق القول أيضا" ما بلغت تقية أحد تقية أهل الكهف". (الحقائق في محاسن الأخلاق/12). كما وردت أحاديث عجيبة في أمرها منها:" التقية بمنـزلة الصلاة" (الاعتقادات ص114). " التقية تسعة أعشار الدين"( الكافي 2/217). و" التقية ذنبها لا يغفر كالشرك". ( وسائل الشيعة 11/474) وأنه من خالفها فقد خالف الله ورسوله والأئمة.
روى الكليني عن جعفر أنه قال لأحد أصحابه ويدعى( معلى بن خنيس): يا معلى، أكتم لأمرنا ولا تذعه، فإنه من كتم أمرنا ولم يذعه أعزه الله به في الدنيا، وجعله نورا بين عينيه في الآخرة، يقوده في الجنة. يا معلىّ: من أذاع أمرنا ولم يكتمه أذله الله به في الدنيا، ونزع النور من بين عينيه في الآخرة، وجعله ظلمة تقوده إلى النار. يا معلى، إن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية" الكليني/ الكافي ج2/223 . وقال الشيخ المفيد في( الإعتقادات/241) " التقية كتمان الحق وستر الاعتقاد فيه، ومكاتمة المخالفين، وترك مظاهرتهم بما يعقب ضررا في الدين أو الدنيا، وفرض ذلك إذن علم بالضرورة أو قوي في الظن"
المتصوفة
تتكرر المأساة نفسها كما يتضح من النصوص القادمة.
يذكرابن عجيبة عن الجنيد" أنه كان يجيب عن المسألة الواحدة بجوابين مختلفين، فكان يجيب هذا بخلاف ما يجيب ذاك " كتاب إيقاظ الهمم لإبن عجيبة/ 144). ويلاحظ إن هذا الكلام مستعار في معناه عن جواب للإمام الباقر على سؤال طرحه عليه زرارة . وقد أورده الكليني كما يلي: " سألت أبا جعفر عن مسألة فأجابني، ثم جاءه رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني. ثم جاء رجل آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي، فلما خرج الرجلان قلت له: يا ابن رسول الله، رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه؟ فقال: يا زرارة، إن هذا خير لنا وأبقى لنا ولكم، ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدّقكم الناس علينا، ولكان أقل لبقائنا وبقائكم". وقد ألف السراح الصوفي كتابا بعنوات( مسألة في التقية) جمع فيه آراء المتصوفة في التقية ومن ما جاء فيه" التقية حرم المؤمن، كما إن الكعبة حرم مكة". ونقلوا عن الغزالي بيت شعر عن التقية: إذا كان قد صح الخلاف فواجب *** على كل ذي عقل لزوم التقية
ومن شعر إبن الفارض: أخالف ذا في لومه عن تقى كما *** أخالف ذا في لومه عن تقية
وتشير كتبهم بأن الجنيد أرسل للحلاج رسالة قبل قتله أنبه فيها على ما صرح به من أفكار سببت تكفيره والحكم بقتله جاء فيها" إنك أفشيت أسرار الربوية فأذاقك طعم الحديد". وقال للشلبي" نحن حبّرنا هذا العلم تحبيرا، ثم خبأناه في السراديب، فجئت أنت، فأظهرته على رؤوس الملأ".(التعرف لمذهب التصوف/ الكلاباذي – ص172". كما يذكر المتصوفة بأن الخضر مرٌ بالحلاج وهو يُصلب فقال له الحلاج" أهذا جزاء أولياء الله ؟ فأجابه الخضر: نحن كتمنا فسلمنا، وأنت بحت فمتّ".( شرح حال الأولياء/ عز الدين المقدسي – ص 250). ويذكر الشلبي" كنت والحلاج شيئا واحدا غير إنه تكلم وسكت أنا"( اربعة نصوص/ تحق لويس ماسينيون – ص 19).
ويغمز الطوسي في(اللمع/159) بأن النبي محمد كان يمارس التقية فلا يعلن كل ما عنده من علم" إن حقائق رسالة محمد(ص) وماخصه تعالى به من العلم لو ضعت على الجبال لذابت، إلا إنه كان يظهرها لهم على مقاديرهم". وذكر الشيخ النفزي" في قلوب الأحرار قبور الأسرار، والسر أمانة الله تعالى عند العبد، فافشى بالتعبير عنه خيانة، والله تعالى لايحب الخائنين، وأيضا فإن الأمور المشهودة لا يستعمل فيها إلا الإشارة والإيماء، واستعمال العبارات فيها إفصاح بها وإشهار لها، وفي ذلك ابتذالها وإذاعتها، ثم إن العبارة عنها لا تزيدها إلا غموضا وانغلاقا، لأن الأمور الذوقية يستحيل إدراك حقائقها بالعبارات النطقية، فيؤدي ذلك إلى الإنكار والقدح في علوم السادة الأخيار". غيث المواهب العلية للنفزي الرندي ج1/214). وجاء عن بعض شيوخهم القول" من باح بالسر إستحق القتل" (اليواقيت والجواهر/ الشعراني – البابي الحلبي/ مصر- ص 17)
للحديث تابع بعون الله.