لننظر إلى جوهر الثورة وننتمي إليها

عقاب يحيى

البعض المحسوب على الثورة، أو من المفروض أن يكون محسوباً عليها، أو على هوامشها يعلن تخوفات متلاحقة، بعضها قد يكون طبيعياً من منطلق الحرص على الثورة، وما قد يركب عليها، أو يتداخل فيها من اتجاهات متطرفة، ولا تخلو من أمراض الحقد الفئوي، أو عقلية الانتقام، او الطروحات المذهبية التي يعتقد هؤلاء أنها صفة الثورة، وناسها الرئيسون(السنة في مقابل العلوية ومن معهم)، مستشهداً ببعض الممارسات الفردية التي تعمم كوجه وحيد للثورة، أو من بعض التصريحات التي قد يقذف بها رجل دين يتعاطى السياسة من ذيلها، أو شاب مفجوع بأعز شيء لديه، ويمكن أن تكون كرامته قد انتهكت، وحتى شرفه.. فيتصور ذلك البعض أن الثورة ناصعة بيضاء، وعلى خط واحد، ومن جنس الملائكة الذين لا يخطئون، وليسوا بشراً وشباباً يواجهون القتل والمخاطر، وكل وسائل الإبادة والإذلال وحتى الفعل الطائفي المنظم ..وأن أي تصرف، أيّاً كان صاحبه يصبح حالة صالحة للتعميم والحكم، عدا عن منطق أن الثورة انحرفت، واختطفت، وسرقت.. وأنها لم تعد كما بدأت ... إلخ ..

ـ وهناك من لا يرى في اللوحة السورية : الثورة، أو الأحداث، إلا ما يقوم به بعض المحسوبين على الثورة من تصرفات مدانة، وغير مقبولة.. فينسى، أو يتناسى أصل البلاء، ومن الذي قام ويقوم بالفعل الرئيس في القتل والتدمير والاعتقال، وحتى في كثير الأعمال الطائفية الصارخة عبر مليشيات مدربة ومسلحة ومنزوعة الآدمية.. فيروح هؤلاء بالبكاء على ما يجري لبلدنا الغالي من ويلات ودمار.. وكأن الثورة هي التي تقوم بذلك.. وقد يتفلسف البعض فيعتبر أنه لولا الثورة لما جرى الذي جرى، وقد يذهب البعض أبعد ليتحسّر على الذي كان من حياة أمنية، واستقرار..ولا يغفل هؤلاء عن اعتبار أنفسهم مع الحريات الديمقراطية.. وربما ... مع سقوط النظام ... بطريقة ما .....

ـ لنقل أنها ثورة استثناء بكل المقاييس المعروفة، والجديدة، وأنها وهي تلخص مطالبها بالحرية والكرامة.. لم تطرح السلاح سبيلاً، وإنما أجبرت عليه بفعل الفظائع والارتباكات الرهيبة التي أقدمت عليها الطغمة، بما في ذلك انتهاك أعراض الرجال والنساء، والقتل الجماعي، والاعتقال المميت، ومليون تصرف وضع الثورة هي والجدار : فإما الدفاع عن النفس وإما الاستسلام ..ناهيك عن أن الحرص على الوحدة الوطنية، وشعاراتها المعروفة كانت هوية الثورة، وما زالت، بغض النظر هنا عن أية شوائب يمكن أن ىتلحق، أو تعلق بها، أو عن وجود بعض الجيوب المتشددة، والطائفية الحاقدة، والقاصرة سياسياً .

ـ إن ثورة تضع الحرية والكرامة منطلقاً، والدولة المدنية الديمقراطية، دولة العدل والمساواة والحقوق هدفًاً.. لا يمكن أن تكون فئوية، أو قصراً على جزء من الشعب دون الآخرين، حتى لو كان هذا الجزء أكثرياً، او أن تكون طائفية، وثأرية حاقدة.. لأنها بذلك تفقد جوهرها، ولأنها واعية لذلك الجوهر تستمر وتتصاعد، ويلتحق بها عديد الفئات الشعبية، بما فيهم الكثير من المكونات الدينية والمذهبية، إن كان بشكل مباشر، أو بطريقة سرية .

ـ البعض، وهو يريد التركيز على بعض ردود الأفعال ذات الصبغة الطائفية، أو التحلق حول مقال يدعو" للقصاص" المشرعن بفلسفة جنون الحقد.. يغض النظر عن الفعل الطائفي المبرمج الذي ارتكز إليهه النظام واستخدمه بكل علانية، وعن تجييش غرائز العديد من أبناء الطائفة العلوية، وإطلاق المغسولة أدمغتهم وإنسانيتهم ليعملوا ذبحاً في القرى والمناطق السنية، أو مجموع التصرفات الناجمة عن عقل الطغمة وتفسيرها للثورة منذ البداية على أنها فتنة، ومحاولة ركوب أوضاع الطائفة العلوية وإظهارها كسند، وخزان لمدّها ـ الطغمة ـ بأدوات القتل والاستناد، وتركيبة الأجهزة الأمنية، والفرق العسكرية المختارة، وأصحاب القرار الفعلي.. دون إغفال مشاركة الكثير من جميع الفئات والمذاهب في التشبيح، والقتل، وفي القصف وغيره من أعمال إجرامية ..والمحاولات المحمومة لجرّ الثورة نحوة الحرب الأهلية لإفقادها سرّ قوتها، وجوهرها، ونجاحها في تفويت ذلك على النظام ..

ـ بالوقت نفسه فإن التحول نحو استخدام السلاح بواقع يتم الثورة، ووقوفها وحيدة دون دعم حقيقي من الدول العربية، والخارجية، حتى الأمس القريب، وبواقع فظائع الجرائم المرتكبة بحق أبنائها، وشعبنا.. وتاريخية الانشقاقات العسكرية ومحدوديتها، وافتقار الثورة لمنطقة آمنة، وعازلة.. والاعتماد على الوسائل الذاتية، والممكنة لاقتناء السلاح، وتكوين المجموعات المسلحة ..فتحت المجال لنوع من الفوضى في عمليات التسليح وتشكيل الكتائب المسلحة، وفي مصاعب التوحيد على الأرض، واتخاذ مرجعية واحدة : الجيش الحر، فكثرت التشكيلات الفردية، والخاصة، وتعددت مصادر التسليح وجهاته، ودخلت على الخط أطراف سورية وغيرها تحاول فتح دكاكين مليشياوية لها، أو تغليب الحزبوية، والعصبوية على العمل الجماعي، ناهيك عن قابلية هذا الوضع لتسرب السلفية المتطرفة، والمنظمات الجهادية، وحتى القاعدة، والمصاعب الحقيقية على الأرض في إمكانية التوحيد، واللقاء بين المجاميع المسلحة، والظروف التي أحاطت بواقع وموقع الجيش الحر، وأعداده، وجهوزيته، وأماكن تواجده، ومستوى وحدته ..

ـ مع ذلك، ومع الحاجة الأكيدة لعمل جماعي كبير يهدف إلى توحيد المقاومة تحت راية الجيش الحر، ورفض، ومقاومة العمل الميشياوي الحزبوي، أو التابع لهذا الشخص، او ذاك من اصحاب رؤوس الأموال وغيرهم... فإن الثقل الرئيس للثورة يتجه نحو ذلك، وتشهد الأشهر الأخيرة إنجازات مهمة على طريق التنسيق، والتوحيد، والانضواء في الجيش السوري الحر، وهو الأمر الحيوي الذي يستحق العمل الجاد، واعتباره أولوية في هذه المرحلة .

ـ الثورة التي أجبرت على مسلك الخيار الوحيد، وعلى الاعتماد على ذاتها، وشعبها، وحماس وتصميم شبابها، وشجاعتهم النادرة في اجتراح المعجزات، وفي الإقدام على الشهادة لصناعة الحياة للوطن والشعب.. ستكون قادرة على غربلة صفوفها، وتنقية نفسها من كل الشوائب التي تلحق بها، أو تركب عليها.. وهو أمر يستلزم من جميع السوريين، خاصة قوى المعارضة أن تلتفت إليه، وتضعه على رأس جدول أعمالها الآن قبل أية مهمات أخرى ...