عن ثورة حلب ومساعي الحل السياسي
ياسر الزعاترة
نكتب بينما تتعرض مدينة حلب الشهباء لحصار وقصف بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والطيران. حلب التي كانت إلى جانب دمشق عنوان التبريرات التي تساق للتقليل من شأن الثورة السورية عبر الإصرار على أنها ثورة أطراف وأرياف تحركها قوىً خارجية متآمرة مع “الإمبريالية” العالمية والصهيونية المجرمة!!
بعد انخراط دمشق وحلب في الثورة لم تعد هذه التبريرات قابلة للتسويق، لكن من استخدموها شهورا طويلة لم يغيروا رأيهم، بمن فيهم محمد حسنين هيكل الذي رددها غير مرة، فضلا عن جحافل الشبيحة المنبثين في دول عربية كثيرة.
في معركة دمشق على سبيل المثال، وبعد أن ضرب الثوار رؤوس الإجرام في عملية مبنى الأمن القومي، بل قبل ذلك بأيام حين كانت الصدامات المسلحة مندلعة في أحيائها الرئيسة؛ في المعركة المذكورة استعاد النظام زمام المبادرة بهذا القدر أو ذاك عبر سيطرته من جديد على الكثير من الأحياء التي سيطر عليها الثوار لبعض الوقت، لكن ذلك لا يغير في الحقيقة شيئا، أعني انخراط المدينة بمختلف أحيائها في الثورة.
الآن يحدث مثل ذلك في حلب. وفيما يصعب الجزم بنهاية المواجهة الدائرة فيها، فإن نهج الثورة هو حرب العصابات، ولا يمكن القول إن النظام قد تفوق لمجرد استعادة السيطرة على المدينة أو أجزاء منها، لاسيما أن الفارق في السلاح والإمكانات كبير بين النظام وبين الثوار الذين يعتمدون على الأسلحة الخفيفة والكمائن التي تستخدم فيها متفجرات أكثرها من صناعة محلية.
لا يُستبعد بالطبع أن تتفوق حلب في المعركة وتكون بمثابة بنغازي ليبيا، لكن ذلك يتطلب حظرا جويا لا يلوح في الأفق في ظل الموقفين الروسي والصيني، ما يعني أن حرب العصابات ستتوالى؛ وتتسع معها دائرة الانشقاقات في الجيش والمؤسسة السياسية وصولا إلى تداعي النظام بالكامل.
هذا البعد لا ينفي أن ثمة حديثا جديا عن شكل من أشكال التدخل العسكري يتمثل في استحداث مناطق آمنة أو عازلة تكون بمثابة مأوىً للثوار، ويبدو هذا التطور على صلة بشعور أكثر المعنيين بإمكانية سقوط النظام في أية لحظة، واحتمال أن تحل مكانه قوىً تصعب السيطرة عليها في ظل وجود سلاح كيماوي يخشون من وقوعه بين أيديها، فضلا عن المخاوف من تقسيم البلد، لاسيما بالنسبة لتركيا التي تتابع بقلق تحركات الأكراد في مناطقهم، فضلا عن إمكانية لجوء العلويين إلى مناطق الساحل وتشكيل دولة لهم فيها.
من هنا تكثر التحركات المتعلقة بإيجاد البديل الذي يملأ الفراغ، وما قصة مناف طلاس عنا ببعيد، حيث استقبل الرجل من قبل كثير من العرب والأتراك ومن الغربيين، ما يعني إمكانية البحث عن بديل يحول دون فراغ مخيف، أو تقسيم محتمل.
والحال أن خيار التقسيم يبدو مستبعدا؛ ليس فقط لأن تركيا ترفضه، بل لأن الثورة التي دفعت الكثير من التضحيات لن تقبل بأن تكون خاتمتها تقسيم سوريا مهما كان الثمن؛ وحتى لو استمرت المعركة فترة طويلة.
المجلس الوطني المعارض، ومعه الجيش السوري الحر لا يقول الكثير على صعيد الموقف من التحركات السياسية الجارية، وهو موقف يبدو عاقلا إلى حد كبير، لأن النظام هو المعني بهذه التحركات، وليس من الحكمة أن تقدم هي تنازلات مجانية في وقت يعلن النظام وداعموه وفي مقدمتهم روسيا وإيران بأن مسألة تنحي الرئيس غير واردة.
إذا يئس النظام من وضعه وقرر بشار الرحيل مع عائلته، فلكل حادث حديث، وأية ترتيبات أخرى تأخذ في الاعتبار التطورات على الأرض يمكن أن تكون قابلة للتفكير، لاسيما أن من اقتلع نظاما دمويا عمره 40 سنة، لن يعجز عن مواجهة آخرين في حال لم يعبروا عن تطلعاته في الحرية والكرامة.
وفي حين تبدو الهواجس الإسرائيلية هي الأكثر تحكما بالموقف الأمريكي والغربي عموما، مع أخذها في الاعتبار بالنسبة لروسيا، فإن عموم المواقف لم تعد تشك في رحيل النظام، وضرورة ترتيب الوضع التالي.
الأمل بالطبع أن تؤدي إطالة أمد المداولات السياسية إلى الإطاحة العملية بالنظام، وحينها لن تعجز المعارضة بشقيها السياسي والعسكري عن تشكيل حكومة انتقالية لمدة معينة، حتى لو استغرق ذلك بعض الوقت وقدر من الإشكالات الطبيعية في حالة ثورة تقتلع نظام دمويا يستند في بعض تجلياته إلى بُعد طائفي واضح، فضلا عن تعددية مذهبية وعرقية يتمتع بها البلد، ولن يكون من السهل التعامل معها.
الثورة بعد انخراط حلب ودمشق فيها بقوة تسير نحو الانتصار، بصرف النظر عن أسئلة اليوم التالي الكثيرة والمعقدة؛ تلك التي لا ينبغي أن تشكك أحدا في مشروعية الثورة وروعتها وما ستحققه من إنجاز تاريخي يتمثل في التخلص من نظام دكتاتوري فاسد جثم على صدور الناس لأربعة عقود.