الصحافة .. من الذي يذبحها؟

أ.د. حلمي محمد القاعود

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

سخر صبري عكاشة حامل الإعدادية وعامل النسيج السابق من رئيس لجنة الثقافة والنشر بمجلس لشورى ، ووصفه بالمهندس المغمور والمهندس المجهول ، الذي كان يشرف علي نشرة متواضعة تصدر عن نقابة المهندسين .

الأستاذ الكبير صبري عكاشة حامل الإعدادية الصناعية وعامل النسيج السابق لديه هواية دفينة في داخله للسخرية من علماء الأمة الفائقين ، وبعضهم يعد من القلة النادرة في العالم في مجال تخصصه العلمي ، ولكنه لا يكتفي بذلك ، فيصرّ على تحقيرهم والنيل منهم في الصفحات التي وصل إلى الكتابة فيها عن طريق رفاقه الشيوعيين الذين أتاحوا له فرصة أن يكون أديبا بقوة الشيوعية العميلة للنظام الناصري ، وهو البائس الذي يخطئ كثيرا في الإملاء ولا علاقة له بالنحو أو الصرف أو التركيب أو البلاغة ، وقد جعلوا منه – مع ذلك - أديبا كبيرا ومنحوه في الحظيرة الثقافية جائزة الدولة التقديرية ليتساوى بالعقاد وطه حسين وأحمد حسن الزيات وتوفيق الحكيم ومحمد فريد أبو حديد وبقية الرهط الرائد في أدبنا وثقافتنا الحديثة .

البائس لديه مرض اسمه الإخوان المسلمون ، وإن كان المرض أعمق من ذلك . إنه الإسلام الذي ينغص عليه وعلى أمثاله من الشيوعيين الناصريين حياتهم ، ويعيدهم إلى الواقع الحي بعد أن تفانوا في تلميع البيادة ، وسكروا بخمر السلطة البوليسية الفاشية المستبدة طوال ستين عاما ! 

المذكور متوتر ومنهار من اختيار اللجنة المختصة رؤساء التحرير الجدد بدعوى أن الإخوان يسعون للسيطرة على الصحف القومية ، وبالطبع كان يفضل أن تكون الكلمة للرائد موافي الذي كان كثير من الشيوعيين الناصريين يركعون على بابه – شبيههم توفيق عكاشة اختصر الطريق وقبل يده ! – انتظارا لقراراته التي تعززها تقارير مخبري مباحث أمن الدولة عن درجة الولاء للنظام البوليسي الفاشي ، أو عن الأكثر ولاء والأشطر في تلميع البيادة .

البائس زعلان من أجل رئيس تحرير الصحيفة التي يعمل فيها، ويزعم أن اللجنة الغامضة (؟!) ، تتولي اختيار رؤساء التحرير لخمسة وخمسين مطبوعة منها كبريات الصحف القومية ،  مطلوب بالتحديد أكثر – كما يقول - التخلص من ألمع رئيس تحرير في مصر الآن، الذي رفع توزيع جريدته أكثر من أربعة أضعاف، وأدخل إلي خزينتها عشرات الملايين من الجنيهات، وقد عرضت عليه فرص عديدة في الصحافة المستقلة ، إحداها كانت بمرتب يبلغ ستة أضعاف ما يتقاضاه جريدته القومية ولكنه اعتذر .

لم يسأل نفسه : ولماذا يتخلصون من رئيس تحرير ناجح ؟ والإجابة : لقد مضت مدته بحكم القانون الذي كان يطبقه صفوت الشريف وسادة لاظوغلي ، ووفقا لمعايير اللجنة غير الغامضة عليه أن يتقدم باسمه ليجدد رئاسته ؟

المسألة عند صاحبنا البائس . هي هيمنته وقبيله على وسائط التعبير لإقصاء الإخوان وغير الإخوان ممن لا يروقون للشيوعيين الناصريين وحرمانهم من حق التعبير ولو كانوا أغلبية ساحقة تملك هذه الوسائط وتعوض خسائرها الباهظة من عرق الفقراء الكادحين وقوت يومهم .

إن رئيس التحرير الذي يدافع عنه صبري عكاشة ويصفه بالموهوب من جميع الزوايا ، لم يقدم خدمة صحفية ذات بال ، ولكنه يقدم خدمة أيديولوجية كبيرة مع مطلع كل صباح حيث يقدم أكثر من ثلاثين موضوعا ورسما هزليا تهاجم الإخوان والإسلاميين وبعضها لا يتورع عن هجاء الإسلام والتشهير به صراحة وخاصة فيما يكتبه المنتسبون لحزب توتو ذي القيادة الشيوعية الحكومية .. هذه هي مهارة رئيس التحرير الذي يسانده صبري عكاشة ويحقّر من أجله رئيس لجنة الصحافة بمجلس الشورى ويصفه بالمهندس المغمور المجهول !

 ولأن نقابة الصحفيين لم تسر على هوي السيد صبري عكاشة ، فقد رأى أنها  تسقط الآن تحت سنابك الإخوان وأحذيتهم، حيث إنهم يقضمون الدولة جزءا، جزءا، اليوم – حسب ما يقول - الصحافة وغدا القضاء، أما الهدف الرئيسي فهو تصفية الجيش المصري وتسريحه، تماما كما قام أعداء مصر بتصفية جيش محمد علي بعد موقعة نفارين ، عام  1840، وكما قام الإنجليز بتصفية جيش عرابي بعد تمكنهم من احتلال مصر !!

ويبدو أن صاحبنا محتاج لمن يعالج جهله بالواقع وحقائقه ، فالإخوان مثلهم مثل بقية المصريين لا يملكون شيئا حتى الآن في مملكة الفساد التي تترنح وتتزين بأمثاله من عشاق البيادة ، والإخوان لا يقدرون ولا غيرهم على تصفية الجيش المصري ، لأن هذا الجيش ليس فرقة كشافة مدرسية يمكن حلها بقرار من ناظر المدرسة أو بعض المدرسين ! ثم إن نقيب الصحفيين تم انتخابه في تصويت حر نزيه ، وهو شخصية نظيفة عاشت عمرها بعيدا عن الانحناء على بيادة النظام أو تملق أصحابها ، وهو موهوب في موقعه النقابي ومجال تخصصه الصحفي بشهادة زملائه وقرائه .

وقد نسي صبري عكاشة أن مصطفى وعلى أمين ومحمد التابعي كانوا يبحثون عن الصحفيين الممتازين أيام كانوا يملكون صحفهم ، وقد اختاروا " هيكل " لرئاسة تحرير آخر ساعة وهو دون الثلاثين ، ولكن عندما سرق جمال عبد الناصر الصحافة من أصحابها وذبحها ؛ حوّل " هيكل " إلى بوق كبير يسوغ جرائمه وطغيانه وديكتاتوريته وقبل ذلك هزائمه خالدة الذكر والعار! وصار الأمن هو الذي يعين صبري عكاشة وأمثاله في مناصب رئاسة التحرير ولو كانوا لا يحسنون الإملاء!

صبري لا يعجبه الصحفيون الذين يرفضون المعايير الأمنية ، ويشيد بأولئك الذين يؤيدونها ، ومنهم رجل كل العصور الذي يصفه بالحكيم واستقال  من اللجنة بعد أن انتهت من عملها تقريبا ، وبعد أن فشل في إبقاء من يهيمنون على الصحافة القومية ويستولون عليها لحساب الأقلية الشيوعية الناصرية الإقصائية الاستئصالية ..

وهو وأشباهه لا يدركون أن الزمان اختلف ، ولم يعد مقبولا أن تستأثر الأقلية الموالية للبيادة بالتعبير والتشهير ، وتحرم الآخرين من المشاركة والتصحيح .

لقد آن أن تعود الصحافة إلى الأغلبية التي تنفق عليها ، وعلى عشاق البيادة أن يلزموا الجانب الأيمن والاستقامة في الطريق !