أمّة أمميّة لا أميّة
جمال الحسيني أبو فرحة
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "نحن آخر الأمم وأول من يحاسب، يقال: أين الأمة الأمية ونبيها؟ فنحن الآخرون والأولون".(رواه ابن ماجه).
ولكن ماذا يعني وصف النبي صلى الله عليه وسلم لأمتنا بالأمية؟ هل يعني ذلك أنها لا تعرف القراءة والكتابة وستظل هكذا إلى يوم القيامة حتى ينادى عليها بتلك الصفة؟
وهل هذا إطراء لنا أم ازدراء؟
وهل معنى ذلك أن الإسلام يدعو إلى الأمية لا إلى العلم؟
كل تلك الدعاوي رددت وما زالت تتردد بين جاهل بلغتنا وإسلامنا وحانق عليهما وعلينا، "ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم" (النساء:83).
ونحن إذا رجعنا إلى اللغة العربية لغة النبي صلى الله عليه وسلم فسنجد أن كلمة "أمي" بالإضافة إلى معناها المتبادر إلى الأذهان بمعنى الذي لا يعرف القراءة والكتابة تأتي أيضاً كصيغة نسب من كلمة "أمة" وكذلك جمعها "أمم"، فكما يوضح علم الصرف فإنه لكي تنسب إلى اسم جمع (جمع تكسير) فالشائع هو النسب إلى مفرده، فنقول على سبيل المثال: الاتحاد الدولي، والاتحاد الطالبي. فكلمة "أمي" إذاً تأتي بمعني "أممي" أي المنسوب إلى كل الأمم أي عالمي، وهذا المعنى هو المقصود الأول من وصف محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن والسنة بالأمية، ويشهد لذلك كثير من النصوص التي ورد فيها هذا الوصف للنبي صلى الله عليه وسلم.
ففي القرآن الكريم مثلاً نجد قوله تعالى: "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون" (الأعراف:158). فنلاحظ أن صدر الآية التي ورد فيها وصف محمد صلى الله عليه وسلم بالأمية يتحدث عن إرساله صلى الله عليه وسلم إلى الناس جميعاً، أي إلى كافة الأمم وهو ما يرجح أن المقصود بلفظ أمي هنا هو "أممي" أي "عالمي".
وفي حديث آخر نجده صلى الله عليه وسلم يقول: "أنا محمد النبي الأمي، أنا محمد النبي الأمي (ثلاثاً) لا نبي بعدي". (رواه أحمد في المسند)، فنجده صلى الله عليه وسلم يربط بين أميته وكونه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم. ومن هنا نفهم أن مراده صلى الله عليه وسلم من أميته: أمميته.
ومن ثم نفهم كذلك أن مراده صلى الله عليه وسلم من وصفه لأمته بالأمية (في الحديث الأول): أمميتها أي عالميتها. بمعنى أنها تحمل رسالة إلى العالم أجمع في كل زمان ومكان، وهو ما يؤكده ربطه صلى الله عليه وسلم بين وصف أمته بالأمية وكونها آخر الأمم في ذلك الحديث.
ثم إن وصف أمة الإسلام بالأمية لا يمكن فهمه بمعنى عدم معرفة القراءة والكتابة وقد كان قوله تعالى: "اقرأ" (العلق:1)، هو أول ما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم ونصوص القرآن والسنة في الحث على العلم وطلبه متواترة مشهورة، أضف إلى ذلك أن وصف أمة الإسلام بالأمية (بهذا المعنى) يعد مخالفاً للحقيقة التاريخية.