حرب على الدين والعقل والحقيقة
أ.د/
جابر قميحةالإسلام يواجه حربا ضروسا من الصهاينة والملاحدة ومن ساروا في ركابهم , ووظفوا في حربهم مصطلحات أقحموها في حياتنا , منها : تجديد النص الديني , والتنويريون ( مقابل الظلاميين ) , وتجفيف المنابع ....الخ . وبضغط مكثف من أعدائنا رضخت حكومات إسلامية وعربيةلأمر " التجفيف ", بإغلاق المدارس الدينية, وخنق الأصوات الإسلامية, وتعديل المناهج التعليمية بما يتفق مع الإرادة " السَّـنِية " , وخصوصًا المواد الشرعية,
وفي كثير من المناهج التعليمية الجديدة لم يعد هناك مكان لآيات الجهاد, ولا لمواقف النبي صلي اللّه عليه وسلم من غدر قبائل اليهود, كبني قينقاع وقريظة والنضير وخيبر, وحذف ما يمكن أن يكون فيه إثارة في نظرهم. وأكتفي بمثال واحد: في درس بعنوان «صفات المؤمن» في كتاب من كتب التربية الدينية ببلد عربي جاءت العبارة الآتية: ومن صفات المؤمن إذا أحب فلا يحب إلا للّه, وإذا أبغض فلا يبغض إلا للّه...», وفي الطبعة الجديدة من الكتاب حُذًفت الجملة الثانية, وبقيت الأولي, وغير ذلك كثير وكثير.
**********
وفتحت وسائل الإعلام المرئي, والمسموع والمقروء أبوابها - علي الواسع - لأدعياء الثقافة والعلم والتنوير , ليفرغوا ما في جعبتهم . وأغلبهم - للأسف - يتمتعون بالحفاء العقلي, والتعري أو الانسلاخ من القيم الخلقية, والولاء للعقيدة والوطن.
وباسم حرية التفكير والتعبير أعلنوا الحرب علي الثوابت الإسلامية والقيم المثالية الموروثة, وعُقدت ندوات ولقاءات ومؤتمرات تولي كِبْرها العلمانيون الذين أطلقوا علي أنفسهم وصف «المثقفين» أو «التنويريين» , وأطلقوا علي أمثالنا وصف «الظلاميين». وكان من أشهر أنشطتهم ما أطلق عليه «إعلان باريس حول سبل تجديد الخطاب الديني» الذي تمخض عن لقاء نظمه مركز القاهرة لحقوق الإنسان, وعُقد بالعاصمة الفرنسية, وقد تم ترتيب اللقاء بالتعاون مع الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان, والشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان بدعم من الاتحاد الأوروبي.
وتحت عنوان «تجديد الخطاب الديني» علت أصوات الحفاة العراة, وخططوا, وأفتوا بما يجب أن يكون عليه الإسلام في «عصر العولمة»:
1 - فمنهم من دعا إلي إسقاط السنة النبوية من التعامل التشريعي, والتقييم النصّي, والاكتفاء بالقرآن, وقد رأيت واحدًا من هؤلاء, وهو ينفخ نفسه, ويقول في قناة مصرية رسمية «نعم.. نعم علينا أن نؤمن بالآيات, ونسقط الروايات» (يعني السنة) ,
2 - ومنهم من دعا إلي التعامل مع الآيات القرآنية كنصوص تاريخية, تخضع للنقد (بلا تقديس). ولا مانع من أن يُحذف من القرآن «ما يتعارض مع المعطيات العلمية والتقنية» علي حد كذبهم.
3 - ومنهم من يذهب إلي أن القرآن من وضع محمد, ولا علاقة له بالوحي. فهو مجموعة من النصوص البشرية, لا حرج في نقدها.
4 - ومنهم من يطالب بتقييم أحداث السيرة النبوية بعقلانية وحرية وواقعية, وتنقيتها - علي حد افترائهم - من الخرافات والأساطير.
5- واتسع المجال للمتفيهقين ـ أدعياء الفقه والمعرفة ـ وقال أحدهم ( جمال البنا ) في حوار مع "العربية.نت" أنه لا حاجة الآن للحجاب لأنه يعوق المرأة عن حياتها العملية، وأنه لا يوجد في الاسلام ما يؤكد فرضيته.وأضاف: الحجاب فُرِضَ على الإسلام , ولم يفرض الاسلام الحجاب، فشعر المرأة ليس عورة، بل يمكنها ان تؤدي صلاتها بمفردها وهي كاشفة الشعر .
وكان البنا قد أفتى في برنامج بقناة "الساعة" الفضائية بجواز تقبيل الشباب للفتيات معتبرا أن القبلات بين غير المتزوجين من الشباب والفتيات "من الضعف البشري وتدخل ضمن اللمم في الإسلام، أي الذنوب الصغيرة التي تمحوها الحسنات".
وتمسك صاحبنا بفتواه وقال لـ(العربية نت): علينا أن نعترف بالواقع الذي لا يمكن تجاهله فى هذا العصر، وهو عدم قدرة كثيرين من الشباب والفتيات على الزواج في ظل المعروض من المؤثرات الخارجية، التي تؤثر على الغريزة الجنسية التي غرسها الله في الإنسان".
وعن الصيام والتدخين يقول :
ـ لو كنتَ مدخنا لابد أن تصوم , إلا إذا وصلت بك عادة التدخين إلي حد الإدمان , ولا تستطيع أن تتحرر منه.
في هذه الحالة يمكن أن تدخن من 3 إلي 4 سجائر كسرا للعادة.
السجائر محرمة ولكن مع ذلك لا تبطل الصيام، مثلها مثل واحد قاعد بيسلي صيامه بأنه يشوف أفلام الرقص والبورنو والخلاعة فيصبح آثما ولكن لا تفطره.
الافطار في القرآن لا يكون إلا بالأكل والشرب، والمخالطة الجنسية . أما الدخان فليس أكلا ولا شربا وهذه مسألة مقطوع بها وأقرب حاجة اليها البخور.
وهؤلاء الأدعياء الذين وضعوا أنفسهم في مكانة العلماء الأفذاذ لا يرتكزون, ولا ينطلقون من ركائز علمية صحيحة, بل لا يملكون الحد الأدني من التخصص العلمي الذي يزعمون أنهم استوفوا كل مفرداته وزيادة.
**********
ومما يؤسف له أن وسائل الإعلام في بعض البلاد العربية ـ وخصوصا الصحف ـ تشجع هذا الهراء , وتحرص على نشره بدعوى التجديد . ومن ذلك المقال الذي نشرته صحيفة القاهرة القاهرية لأحد المغامير - وهو يحمل اسمًا إسلاميًا - وفيه نفي أن يكون «الإسراء» قد تم من مكة إلي بيت المقدس, ولكن الآية: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} [الإسراء: 1] . تشير إلي هجرة النبي صلي اللّه عليه وسلم من مكة إلي المدينة, وادعي «المغمور» بذلك أنه يطرح تحليلاً جديدًا للنص القرآن.