الخوارج تاريخ وعقيدة الحلقة (26)
الخوارج تاريخ وعقيدة الحلقة (26)
أعلام الخوارج
نافع بن الأزرق
محمد فاروق الإمام
نافع بن الأزرق كان أخطر الخوارج، وكان يرى ردة كل من لم ينضم إليه، وكان يختبر الناس في الحكام، فمن والاهم فهو كافر وقاتله، فكان يقتل الناس حتى في المساجد، وكان كما قال الرسول صلي الله عليه وسلم محمد بن عبد الله "يدعون أهل الأوثان ويقتلون أهل الإسلام". الأزارقة هم أعظم الخوارج غلواً وأبعدهم عن السنة - وقد ظهر الأزارقة بعد المحكمة الأولى وهم أصحاب النهروان - وترأسهم نافع بن الأزرق الذي هو شيخهم وإمامهم وهو مشهور في كتب التفسير كما تجدون في الدر المنثور مثلاً أو في الطبري وحتى في البخاري لكن لم يسمه، وهو الذي عرف بأسئلته لـعبد الله بن عباس عندما كان يسأل ابن عباس ويجيبه، ولا يقبل، ويجادل، وهذا شأن الخوارج وأساس ضلالهم أنهم يعتقدون أن العبد متعبد بعين الحق في كل مسألة، وهذا مخالف لما نحن مأمورون به من الاجتهاد لبلوغ الحق والتسديد والمقاربة في حدود الاستطاعة.
فـنافع بن الأزرق كان يعتقد هو ومن معه أن المسلمين جميعاً كفار، وأن الأمة بأجمعها كافرة إلا نافعاً ومن كان معه، حتى من كان على مذهب نافع ولكنه لم يهاجر إليه فهو عندهم كافر، فلو أن إنساناً محبوس، ولا يستطيع أن يتخلص من ظلم الحجاج أو من سيطرته -مثلاً- فلم يخرج ولم يهاجر إلى نافع ويلتحق بجيشه، فهذا عندهم كافر وإن كان على مذهبهم، وهؤلاء يسمونهم القعدة، فكان نافع يكفر القعدة، ويرى أن ديارهم كلها دار كفر، فكل الأمة الإسلامية دار كفر إلا معسكره فقط.
هو أبو راشد نافع بن الأزرق الحنظلي التميمي، أحد رؤوس الخوارج (الشراة) الذي تنسب إليه طائفة الأزارقة والتي لم يكن للخوارج فرقة أكثر عدداً وأشد شوكة منها، وقد خرج على الدولة في أواخر عهد يزيد بن معاوية الأموي، وكان في أول أمره من أصحاب عبد الله ابن عباس يسأله في مسائل القرآن الكريم ويرجع إليه في التفسير ثم غلب عليه التمرد، وكان مع الخوارج في العراق حين ثار عبد الله بن الزبير في مكة على الأمويين، فسيّر الخليفة يزيد ابن معاوية جيشاً بقيادة مسلم بن عقبة المري إلى الحجاز.
توفي مسلم بن عقبة المري بعد أن نكب المدينة في واقعة الحرة الشهيرة، فتولى حصين بن نمير السكوني قيادة الجيش، واجتمع الخوارج وتذاكروا بالأمر، وقال لهم نافع بن الأزرق: "إن الله قد أنزل عليكم الكتاب وفرض عليكم فيه الجهاد، وقد جرّد أهل الظلم السيوف وثمة من ثار بمكة فاخرجوا بنا نأت البيت ونلق الرجل فإن يكن على رأينا جاهدنا معه العدو، وإن يكن على غير رأينا دافعنا عن البيت ما استطعنا ونظرنا بعد ذلك في أمورنا".
وسار الخوارج حتى قدموا على ابن الزبير، وعرّفوه أنفسهم، فسرّ بمقدمهم ونبّأهم أنه على رأيهم فقاتلوا معه جيش الشام بقيادة حصين بن نمير السكوني، ولم يبايعوا ابن الزبير، ولما مات يزيد بن معاوية انصرف أهل الشام عن مكة، ودخل الخوارج على ابن الزبير يناظرونه ليتبينوا رأيه، وكانوا يريدون منه ليبايعوه أن يقدّم أبا بكر وعمر ويبرأ من عثمان وعلي ويكفّر أباه الزبير وطلحة وأصحاب الجمل.
ولكن ابن الزبير تولّى عثمان ورد مقالة الخوارج، ونجم عن المناظرة براءة كل فريق من الفريق الآخر وعدّه عدواً، وتفرق الخوارج عن ابن الزبير سنة 64هـ/684م فصارت طائفة منهم إلى البصرة وطائفة إلى اليمامة، أما طائفة البصرة فكان منهم نافع بن الأزرق وعبد الله بن الصفّار السعدي وعبد الله بن إباض وحنظلة بن بيهس وابن الماحوز السليطي التميمي وإخوته، في حين انطلق أبو طالوت من بني زمان من بكر بن وائل وعبد الله ابن ثور (أبو فديك) من قيس بن ثعلبة وعطية بن الأسود اليشكري إلى اليمامة فوثبوا فيها ثم أجمعوا على إمرة نجدة بن عامر الحنفي.
وأزمع عامة الخوارج في البصرة على الخروج، ووجدوا فرصة عندما نشب قتال محلي في البصرة، بين الأزد وربيعة وبين بني تميم، وخرج نافع عن البصرة مع أتباعه وتسمى بأمير المؤمنين وقعد عن الخروج ابن الصفّار وابن إباض ورجال على رأيهما ثم برئ نافع من الاثنين وبرئ الاثنان كلٌ من صاحبه ومنه.
وأقام ابن الأزرق سنة 64هـ في الأهواز وابتدع في أسواقها الاستعراض (قتل الناس عشوائياً دون تمييز بين رجل وامرأة أو صبي وكبير) وكان يتمثل بالآية الكريمة: (… قال نوحٌ رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارً) (سورة نوح 62ـ72).
وكثرت جموع ابن الأزرق وصار يجبي الخراج ولما اشتدت شوكته أقبل نحو البصرة.
وبعث والي البصرة لابن الزبير عبيد الله بن معمر أخاه عثمان في جند فُهزم جنده وقُتِل، وهُزِم بعدهم حارثة ابن بدر وجنده، وفي سنة 65هـ/685م وَجه الوالي الجديد عبد الله بن الحارث جيشاً لقتال ابن الأزرق بقيادة مسلم بن عبيس بن كريز، ، فقُتِل ابن كريز، وقُتِل نافع، قتله سلامة الباهلي وقُتِل ابنان من أبناء الماحوز من رؤوس أتباعه وكان نافع قد استخلف في الأهواز قبل مقتله عبيد الله بن بشير ابن الماحوز السليطي الذي تسمَّى بعد نافع بأمير المؤمنين أيضاً. واستمر القتال بين الجانبين الرسمي الزبيري والأزارقة بعدئذٍ إلى أن قدم المهلب بن أبي صفرة والي خراسان لابن الزبير مكلفاً قتال الأزارقة ومؤيداً من أهل البصرة.
ودافع المهلب الخوارج عن البصرة، وتابعهم إلى الأهواز وهزمهم وقتل قائدهم ابن الماحوز وأجلاهم عن الأهواز، فارتفعوا إلى فارس وكرمان ونواحي أصبهان. ونصّبوا قطري بن الفجاءة عليهم، وخاض المهلب ـ مكلفاً من الأمويين الذين خلفوا الزبيريين على العراق ـ صراع كرّ وفرّ ضد الأزارقة إلى أن استأصل شأفتهم من المناطق التي لجأوا إليها.