مطاردة السلاح الكيماوي.. والقاعدة!!
ياسر الزعاترة
ما كشفه “ديفيد أغناتيوس” في “واشنطن بوست” يوم الخميس الماضي حول الموقف الأمريكي والغربي مما يجري في سوريا ليس جديدا بالنسبة إلينا، فقد قلنا مرارا إن موقف واشنطن من الثورة السورية لا يمكن أن يتحدد من دون التشاور مع الدولة العبرية. لا يحدث ذلك فقط لأن أوباما يريد رضا اللوبي الصهيوني قبل انتخابات الرئاسة، بل أيضا لأنه يدرك أن الكونغرس بمجلسيه حريص كل الحرص على مصالح تلك الدولة، ربما أكثر من مصلحة أمريكا ذاتها عند كثير من أعضائه.
برنامج أوباما السوري بحسب “أغناتيوس” يتمثل في تأمين انتقال للسطة يمكن السيطرة عليه، ويحافظ على مؤسسات الدولة السورية (بعض أبواق بشار من اليساريين تحدثوا بعد تفجير الأربعاء الكبير بصفاقة يحسدون عليها عن أن العدو الأمريكي والصهيوني يريد تدمير المؤسسة الأمنية والعسكرية السورية، مع علمهم بأن أول من تحدث عن المحافظة عليها هو وزير الحرب الصهيوني إيهود باراك، قبل أن يتبنى أوباما الطرح ويسوِّقه على حلفائه الأوروبيين).
نعم، يريد أوباما تأمين انتقال للسلطة تعمل من خلاله المعارضة مع من تسميهم العناصر المقبولة في النظام، الأمر الذي ينبع إضافة إلى ما ذكر آنفا إلى مساعيها لتأمين ترسانة الأسلحة الكيماوية خشية وقوعها بيد عناصر “متطرفة”.
ولأن الولايات المتحدة، وقبلها الكيان الصهيوني، وبعدها الدول الغربية الحليفة تتشكك في طبيعة القوى التي تقاتل على الأرض، وتعتقد بأن من بينها “عناصر متطرفة” جاءت من الخارج واندمجت مع أخرى من ذات اللون في الداخل، لأن الأمر كذلك، فهي تسعى إلى إنجاز الحل السياسي، في ذات الوقت الذي تراقب فيه الوضع عن كثب على الأرض.
وفي هذا السياق يكشف “أغناتيوس” أن عملاء للسي آي إيه يعملون منذ أسابيع جنوب تركيا بواجهات مختلفة، كما أن هناك عملاء للموساد أيضا يعملون بخفية، وما يعنيهم برأيه هو السؤال الأهم المتعلق بقوة القاعدة وحلفائها في سورية.
ويكشف أن معارضين سوريين قد وعدوه باقتلاعها من جذروها بعد الإطاحة بالأسد، فيما يشبه تكرار تجربة الصحوات في العراق التي استخدمت من قبل الأمريكان في حرب القاعدة قبل أن يجري الانقلاب عليها هي الأخرى من قبل نظام المالكي.
ومما يكشفه أيضا أن هناك محاولة للسيطرة على الأسلحة الكيماوية والحيلولة دون وقوعها بيد “المتطرفين”، فضلا عن استخدامها من قبل النظام، مع أن ذلك يبدو مستبعدا بالطبع خشية ردود الفعل الدولية من جهة، ولأن الفصل في المناطق السكنية بين من يؤيدون النظام وبين الثائرين عليه (بخاصة في دمشق) أمر بالغ الصعوبة، حتى لو وجدت مناطق ثائرة لا وجود فيها لغير مؤيدي الثورة.
والحال أن ما يجري في سوريا لجهة مشاركة العناصر الجهادية القادمة من الخارج يبدو أقرب للنموذج الأفغاني منه إلى النموذج العراقي، مع وجود بعض من يفكرون بذات الطريقة العراقية من حيث إقامة إمارات في بعض المناطق. وستزداد هذه الظاهرة كلما طال أمد الصراع. أما الأهم فيتمثل في أن العناصر السورية المشاركة في الثورة المسلحة هم الأكثر عددا وعدة، وهم الذي يسيطرون على معظم المناطق التي يجري طرد عناصر النظام منها.
في هذا السياق لا ينبغي التقليل من شأن شبان جاء بعضهم نصرة للشعب السوري، تماما كما ذهب كثيرون منهم للعراق قبل الغزو الأمريكي وبعد اندلاع المقاومة (دعك من تحولات القاعدة بعد ذلك)، ومنهم أناس لا ينتسبون لتيار فكري معين، بقدر ما ثارت حميتهم الإسلامية نصرة للشعب السوري الذي تعرض لمظلمة كبيرة، من دون أن نتجاهل أن بعضهم قد تحرك في إطار حشد مذهبي معطوفا على الحشد الجهادي.
وعندما نرى من بين أولئك ليبيون كان بوسع بعضهم الخوض في المغانم بعد انتصار الثورة، لكنه ترك ذلك وجاء يلبي نداء الثورة والجهاد في سوريا، عندما يحدث ذلك، سيكون من الصعب الحديث عن أناس يريدون فرض الوصاية على الشعب السوري. كل ذلك لا ينفي أن منطق “الإمارات” الإسلامية سيكون واردا من قبل البعض، وهو منطق خطير بالطبع، وضرره على الثورة أكثر من نفعه.
ما نريد قوله هنا هو أن الولايات المتحدة وتبعا لحسابات حبيبتها العبرية، لا تبدو معنية بدماء السوريين، بقدر عنايتها بمستقبل البلد حتى لا يؤثر سلبا على الكيان الصهيوني، وبالأسلحة الكيماوية أيضا، والنتيجة هي أنها تسعى بكل ما أوتيت من قوى لسرقة الانتصار، أو جعله باهتا في أقل تقدير، الأمر الذي يفرض على المعارضة الحذر من ذلك كله، وبذل المزيد من الجهد من أجل حسم المعركة قبل أن يتوافق المجتمع الدولي على حل من ذلك النوع.
كلنا أمل أن يحدث ذلك، وإن بدا من الصعب الجزم به لجهة التوقيت بسبب تعقيدات المشهد الداخلي من حيث انحياز العلويين الاستثنائي للنظام، والآخر الخارجي من حيث استمرار الدعم الروسي والإيراني الذي يصل حد التدخل المباشر تسليحا وتخطيطا وربما تنفيذا في مرحلة لاحقة، هذا إن لم تكن المشاركة المباشرة قد بدأت بالفعل خلال الأسابيع الأخيرة بعد ترنح النظام ووصول المعركة إلى أطراف دمشق وصولا إلى قلبها.