هل أنا كردي من ديار بكر؟!

هل أنا كردي من ديار بكر؟! 

رشاد أبوشاور

ردا على مقالتي (سورية: عربية عربية عربية) المنشورة قبل أسبوعين، وصلتني رسالة من أخ كردي يقيم في ألمانيا، يعرّف نفسه بأنه كردي سوري ولد في حي الأكراد.

الرسالة وصلت على بريد رئيس التحرير الصديق عبد الباري عطوان، وحوّلت لي، فقرأتها بتمعن، فمن غير الوارد أن أهملها، أو أتجاهلها، فهي رسالة تستحق الرد عليها بالاحترام اللائق بها، خاصة وفيها ما هو مثير، من حيث الكشف عن أصلي الكردي، وتحديد المنطقة الكردية التي بيني وبين أهلها شبه كبير، وهي: منطقة ديار بكر في تركيا.

في الأسبوع الماضي وقعت مذبحة وحشية في النرويج اقترفها متعصّب ممروض قتل 76 مواطنا نرويجيا، وهذا الحدث الجلل جعلني أُرجىء ردّي على الرسالة الكردية، لأكتب وجهة نظري ككاتب يؤلمه أن يقتل مطلق إنسان على هذه الأرض ظلما.

ثمّ ها أنا ذا أكتب ردّي على رسالة الأخ الكردي (مزكين ميقري) المقيم في برلين بألمانيا، والذي لم يحدد صفته الحزبية، وموقعه التنظيمي، وهذا ما لم يدفعني لتجاهل رسالته التي فيها معلومات، ووجهة نظر، وأيضا ما هو مثير وظريف يمسني شخصيا.

في مطلع رسالته يرى أخي مزكين أنني غير مطلع على وضع الشعب الكردي وحركته السياسية في سورية، ثمّ يورد معلومة عن عدد الأحزاب الكردية، فإذا بها 11 حزبا..فقط!

أعترف بأنني كنت أجهل عدد الأحزاب الكردية السورية، لأنني بالكاد أحفظ أسماء وعدد الأحزاب السورية العربية القح المنضوية تحت قيادة حزب البعث، وأقر أيضا بأنني لا أعرف أسماء كل أحزاب المعارضة، باستثناء الأخوان المسلمين، والحزب الشيوعي/ المكتب السياسي، وحزب الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي..ولست أتجاهل أي حزب، ولكن هذه هي الأحزاب التي أعرف عنها شيئا ما.

وأعترف بأنني لا أشعر بأنني مذنب، أو مقصّر، لجهلي بأسماء وبرامج كل الأحزاب السورية كردية وعربية، ولكنني أعرف ما يلي، وأؤمن به: حق الشعب السوري بكل أطيافه، ومكوناته، بالحرية والكرامة، وحرية الأحزاب، وسيادة القانون، والتمتع بالمواطنة كاملة غير منقوصة وبدون تمييز.

وأؤمن أيضا بان سورية جزء من الوطن العربي الكبير، وأن اسمها: الجمهورية العربية السورية..من الآن وحتى تتم الوحدة العربية مع أقطار عربية أُخرى، مع الحفاظ على حقوق الأقليات باحترام..إيمانا بأن شعبا يمتهن حرية غيره ليس شعبا حُرا!

في الرسالة يقول الأخ مزكين أن الأحزاب الكردية الـ11 لم تشارك في مؤتمر اسطنبول، وأنطاليا، وباريس...وأن الأخوان المسلمين اخترعوا جهات كردية تناسبهم، كما تفعل السلطة السورية!

جاء في الرسالة: أكرر أن الأحزاب الكردية في سورية لم تحضر أيا من هذه المؤتمرات، ومن حضر من الأكراد لا يمثل إلاّ نفسه، وهذا أمر معروف، ولكن غاب عن كاتبكم!

ولكنني يا أخ مزكين شاهدت ما نقلته الجزيرة من مقر الاجتماع في اسطنبول، وعملية انسحاب ممثلي الأكراد من الاجتماع احتجاجا على اقتراح تسمية سورية الدولة بالجمهورية العربية السورية، أي رفضا لصفة وهوية العروبة!

إضافة إلى ما تقدم فلم نقرأ بيانا من الأحزاب الكردية الـ11 ينفي المشاركة، ويرفض موقف من حضروا وانسحبوا. ولعلها مناسبة أن اسأل الأحزاب الـ11 الكردية السورية: هل ترفضون تسمية سورية الدولة بالجمهورية العربية السورية؟!

وأتساءل كعربي: هل وجود أقليات في هذا البلد العربي أو ذاك تحول دون وحدة الأقطار العربية استجابة لهواجس هذه الأقلية أو تلك؟! وهل يحدث هذا في العالم؟! أليست الأقليات موجودة في كل بلدان العالم، وأممه، ومع ذلك فهناك دول أمم، ودول شعوب، فلماذا ينكر على العرب هذا الحق؟!

الأكراد موجودون في إيران، وتركيا، وعددهم أكبر بكثير من عددهم في سورية والعراق، والدولتان قوميتان لهما علم واحد، ونشيد واحد، و..الأكراد فقط في العراق مسموح لهم بالتكلم بلغتهم، وإصدار صحفهم، والتحدث في تلفزيونهم، وهذا قبل العدوان الأميركي، وتمزيق وحدة العراق ونسيجه الاجتماعي طائفيا!

موضوع المواطنة وجواز السفر(الجنسية) للأكراد في سورية..هو حق لا يجوز أن يحرم منه أي مواطن كردي سوري فعلاً، في سورية، وغير سورية، فالأكراد أصلاء هذه المنطقة التي تجمعنا عربا، وكردا، وتركا، وفرسا..وأقوام أُخرى.

أمّا المرفوض فهو بالتأكيد الرهان على الطارئين على المنطقة التي تجمعنا، والتي عشنا فيها لمئات السنين..وأقصد هنا: لمم الكيان الصهيوني!

ولعلها مناسبة أن أنبه إلى أنه لا يجوز أن يتحوّل شمال العراق إلى وكر تجسس للموساد للتآمر على العرب، فهذا تآمر على وجودهم، أقصد العرب الأمة وليس الدول اللقيطة، وأقدس قضية تجمعهمفلسطين، التي للأكراد فيها تاريخ يشرفهم.

وهنا أنتقل إلى ما هو طريف، فأنت تكتب ما يمسني شخصيا: وما لفت انتباهي صدقا أن كاتبنا اسمه وكنيته كردية ولها معان بالكردية: ري شاد الطريق السعيد، والفرح شاور يعني: تعال فرحا..تبقى (أبو) عربية. وإذا كان الأخ فلسطينيا فأعتقد أنه من أحفاد صلاح الدين الأيوبي، وليس في هذا عجب، أو انتقاص أبدا..خاصة وأني نظرت لصورته بتمعن فرأيت أنه أقرب صورة للكرد في ديار بكر، وحتى في السليمانية منه إلى الأهل في اليمن السعيد.

ربما يتفاجأ الأخ مزكين إذا عرف بأن بعض عائلات الخليل المدينة الفلسطينية العريقة هم من أصول كردية، وأن هذه العائلات بقيت في فلسطين منذ جاءوا مع صلاح الدين الأيوبي محرر بيت المقدس ـ المحتل حاليا من الصهاينة الغزاة ورثة الغزاة الصليبيين (الفرنجة) ـ و..أنا من إحدى قرى منطقة الخليل!

العائلات الكردية الخليلية تؤمن بعروبة فلسطين، وهي قدمت الشهداء، والأسرى..وربما كان أصلها الكردي محفزا لها على المقاومة مع أهلها في فلسطين التي حررتها السيوف التي جمعها وقادها صلاح الدين.

هل أذكرك يا أخي بأنني أوّل من كتب يوم اختطاف القائد الكردي التركي عبد الله أوجلان، وفي هذه الصحيفة، وفي نفس الموقع الذي أكتب فيه منذ سنوات بعيدة في القدس العربي، مقالة بعنوان: أنا كردي..والتي رد عليها محام كردي يقيم في اليونان بمقالة نشرتها الصحيفة بعنوان: وأنا فلسطيني...

يا أخي: يجمعنا الألم، ومواجهة الظلم، فنحن أبناء هذه المنطقة، فيها وجدنا، وعلى ثراها سنبقى، والمستقبل لا بدّ أن يجمعنا في علاقة أخوّة لا تكاره وصراع

حرضني على الكتابة لك أنك كتبت بأنني اعتديت على الكرد..وأنا باختصار أقول لك: حاشى أن اعتدي على الكرد، ليس لأنني وبعضهم نتشابه، ولكن لأن أقدارنا تتداخل، وتتواشج، وثمة كثير يجمعنا...

وبعد ألا ترى أن اسمك (مزكين) يتشابه مع الاسم العربي (مسكين)..ومقري..تنقصه همزة على الياء ليكون 'مقرئ'، وهكذا يكون اسمك : 'مقرىء مسكين'؟!

نحن في هذه المنطقة كلنا مزاكين بالكردية، مساكين بالعربية، فالظلم يوقع علينا جميعا، ومن نفس الطغاة، محليين، أو غازين..فتأمّل!