الثورةُ السوريةُ مقبرةُ المخازي

محمد عبد الرازق

تطوي الأيامُ أحداثَها وئيدة على صدور السوريين، كأنَّها جبالٌ تُرحَّل من مكانها؛ فتأبى أن تنزاح إلاَّ بهِمَّةٍ تفوقُ كلَّ هِمَّة سَلَفَتْ قبلَها.

لقد مضى من عُمر هذه الثورة عامٌ و نيِّف؛ و ما تزال تزخر بحشد غير متوقع حتى من لدن أصحابها. لقد قالها الثوار في أكثر من مرّة: ( لم نفاجأ بحجم القوة التي قابلنا بها النظام، بقدر ما تفاجأنا بقوتنا في هذه الثورة ).

غير أنَّ ما فاجأ العالم أيضًا في هذه الثورة هو غربلتها للمواقف التي واكبتها من أول يوم قامت فيه. سواءٌ أكانت من الأشخاص، أو الدول، أو الأحزاب، أو المنظمات و الهيئات.

لقد أضحت بمثابة أنبوب اِختبار تُزرَعُ فيه هذه المواقف، ثم ما تلبث بعد حين من الزمن أن تظهر نتائج ( المزرعة )؛ فإمَّا فخرٌ، و مكرُمات، و إمَّا خزيٌ، و عارٌ.

لقد أُتخِمَ شعبُنا من كثرة الأفكار، و المواقف، و التنظيرات، و الشعارات على مدى العقود الفائتة؛ حتى خالها أكثرهم قِبْلَةَ الخلاص ممَّا أثقل كاهلهم من العِلل، و الأسقام على مدى عقود من الأزمان. و ما هي إلاَّ برهةٌ من الدهر حتى قامت هذه الثورة على ثرى سورية، و جاء زمن التحدي، فخضعت تلك الدعاوي للاختبار، راحَت غرابيل الثورة تفرزها يُمنَةً، و يُسْرَةً؛ فإذا هي بين قَشٍ، و حبٍّ، و غَثٍ، و ثمين.

أين هي شعارات الثورة الإيرانية في نصرة الحق، و الانتصار للمظلومين؛ تأسيًّا بظُلامات الإمام الحسين عليه السلام ؟ هل ضلَتْ طريقها فلم تعرف دربًا تسلُكه لتقف حائلاً في وجه ظلم ( آل الأسد) بحق الشعب السوري؟.

أين هي مقاومة حزب الله في رد عدوان دولة بني صهيون على أبناء الجنوب؟ هل صمتَتْ صواريخهم في وجه اعتداءات ( آل الأسد ) على أبناء سورية على مدى هذه الأيام الطوال؟ هل خانت أمينَه العام الذاكرةُ؛ فما عاد يعرف أين يوجِّه بوصلة رجاله، فعُمِّيَت عليه الجهات، و ما عاد يعرف طريق ( بوابة فاطمة ) من ( بوابة دمشق، و حلب، و حمص، و درعا، و إدلب، و حماة )؟.

أين هي ذاكرة سيد حوزة النجف في العراق؛ ممَّا يجري من ظلم لجيرانه في الغرب على يد راعيهم الذي للأمانة قد خان؟ هل بات حلالاً على فراخه التغريد في المنابر الدولية من ظلم ( صدام )، و حرامًا على أولئك الصراخ في الجُيوب من أَلَمجراح (طاغية الشام )؟ هل ما عادت النُّصرة مشروعة إلاَّ بفتوى تخطها يد ( الخامنئي ) في طهران؟

أين هم علماء الشام، و ما جاورها من المحافظات، و البُلدان؟ ألم يسمعوا شيئًا عن عُهر جُند (بشار ) في قولهم: لا إله إلاَّ ماهر، و بشار؟ هل هكذا أخلاق منْ حاضروا في سيرة ( العزّ بن عبد السلام ) في المساجد، و المُدرَّجات؟

أين هو قَسَمُ الشرف الذي صرخ به عاليًا عساكرُ سورية في سوح الاستعراضات  على طول البلاد، و عرضها؛ ألاَّ يدعوا كائنًا من كان أن تطال فوهة بندقيته هامة من هامات أهل سورية الأحرار؟ هل سالت منهم حبات العرق؛ لتكون أدمُعًا يذرفها الأحرار من أبناء شعبهم الذين أثقل كاهلهم ظلم ( الأسد) على طول الزمان؟

أين هي شعارات حماية الإنسان في لوائح جمعية الأمم المتحدة العامة، ألم يقولوا: إنّها مكفولة للمضطهدين على يد حكوماتهم بموجب ما تضمنه ميثاقها؛ عندما يصبح مجلس الأمن مشلولاً عن العمل بسببٍ من ( الفيتو ) الممنوح للدول العِظام؟

أين هي جمعيات الرفق بالحيوان عند الأوروبيين، و الأمريكان؟ هل نَسَوْا أن السوريين جنسٌ من الحيوان؟

أين هي مبادرات الحل الأممي التي عودتنا الدول الراعية لها أن تعززها بأنياب من القرارات الملزمة تحت الفصل ( السابع ) من ميثاق الأمم على غرار ما كان في العراق، و ليبيا، و السودان؟

أين؟

و أين؟

و أين؟

لقد بات العالم غير ما كنَّا نسمع، و نقرأ على مقاعد الدرس في المدارس، و الجامعات، لقد بات رهينة بيد حفنة من تجار النفط، و الغاز، و الرِكاز، في عواصم القرار الذي جعلوا حقَّ الإنسان في العيش سلعة من أرخص ما تتداوله البورصاتُ مطلع كل صباح.

ما عاد تخدعنا هرطقاتُكم أيها الساسة في موسكو، و واشنطن، و باريس، و لندن، و بكين، و ...

بيدَ أن ما يجري في سورية الآن سيغدو ( كرة لَهَبٍ تتقاذفها أياديكم؛ خشية أن يَطالكم منها لهيب النيران ).

 و الويلُ، ثم الويل لمن سيمسي منكم غير آبهٍ بما تُحيكه لهذا الشعب شياطين بني الإنسان، من (لافروف، حتى عنان).

فسوريةُ اليومَ أضحَتْ بثورتها مقبرةَ المخازي، و فاضحةً خبيئةَ أدعياء حقوق الإنسان.