عنان المغرم بإيران
عنان المغرم بإيران
د. هشام رزوق
من غير المفهوم ذاك الإصرار الذي يبديه عنان لإدخال إيران كطرف أساسي في بحثه عن إيجاد مخرج لخطته ذات النقاط الست والمتعلقة بوضع سوريا.
من المفروض أن عنان مبعوث الجامعة العربية والأمم المتحدة ورئيس بعثة المراقبين الأمميين للوقوف على حسن تطبيق النظام السوري للخطة الممهورة باسمه، بينما إيران هي حليف استراتيجي للنظام السوري ماانفكت تقدم له كل أشكال الدعم العسكري والاقتصادي واللوجستي المخابراتي ، بحيث أنها الطرف الأكثر حماسا لحماية هذا النظام ومنعه من السقوط وبالتالي منحه كل إمكانيات القتل والدمار التي يستخدمها ضد الشعب.
هناك احتمال أول هو أن يكون عنان قد اختار لنفسه أن يقف إلى جانب النظام السوري وأن يتبنى مفهومه لطبيعة "الأحداث" وأنها صراع بين نظام ودولة وجيش وبين عصابات مسلحة إرهابية مدعومة من الخارج لزعزعة استقرار البلاد كعقوبة له لموقفه المقاوم الممانع...وأن إيران حليفة هذا النظام والداعم الأول له لها كلمتها التي لا بد من سماعها في هذه القضية.
في هذه الحالة يكون عنان قد فقد صفته كوسيط أممي عليه أن يتحلى بالحياد وأن لا يأخذ بموقف أحد الأطراف المتنازعة وبالتالي على من كلفه بتلك المهمة أن ينزعها عنه.
الاحتمال الثاني هو أن تكون مهمة عنان بالأساس هي خلط الأوراق وإدخال الخلاف بين الغرب وإيران حول برنامجها النووي كجزء أساسي من مهمته يتم التفاهم عليه ضمن صفقة بين الطرفين وعلى حساب الشعب السوري ودمه النازف، وفي هذه الحالة لا بد من التساؤل وبكثير من الاستغراب عن دور الجامعة العربية التي انخرطت في تلك اللعبة القذرة، وكذلك ذور الدول الغربية التي تتبجح بمساندة الشعب السوري ضد نظام القتل الذي يحكمه.
الاحتمال الثالث هو استمرار لعبة منح النظام السوري المهلة تلو الأخرى بانتظار حسم عسكري يحلم به النظام ومؤيدوه أو بانتظار ترتيب القوى الكبرى لأوراقها في المنطقة تاركين البلد يستنزف طاقاته ويتفكك المجتمع وتنهار الدولة وبعدها تكون التفاهمات قد نضجت لحل يناسب جميع تلك القوى بغض النظر إن كان ينسجم وتضحيات وتطلعات الشعب السوري.
وضمن هذا السياق، يغض عنان، وتغض إيران وروسيا الطرف عما يرتكبه نظام الإجرام من مجازر وحشية بحق المدنيين العزل في الحولة والقبير والحفة ودير الزور وجسر الشغور وريف حلب ودوما وآخرها وقد لا تكون الأخيرة في التريمسة، حيث لم يجد عنان الفاشل من القول سوى أنه مصدوم...
في ظل تلك الاحتمالات والمناورات، ينسى عنان وتنسى كل القوى التي تناور على حساب الشعب السوري، أن هناك شعبا يقاوم وأن هناك جيشا حرا يدافع عن الشعب ويحمي المدنيين وبدأ يسيطر على مناطق وقرى وبلدات كثيرة، وهو يكبد كتائب النظام خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد، وهو ما شجع الكثير من الضباط وصف الضباط والجنود على الانشقاق عن الجيش النظامي والالتحاق بالجيش الحر وهم يقاتلون بإمكانياتهم البسيطة وبما يغنمون من ذاك الجيش، بما يؤشر إلى السقوط الحتمي للنظام رغم المهل التي يمنحها عنان وروسيا وإيران له، ورغم تهرب المجتمع الدولي من تحمل مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية في حماية المدنيين.
لن يسقط النظام بتدخل عسكري غربي لسبب بسيط وهو أن تلك المهمة غير مطروحة على أجندة الغرب أو حلف الأطلسي ولم تطلبها أية قوة معارضة سورية لمعرفتها أن التدخل الغربي سيكون وبالا على البلد والجيش والشعب والبنية التحتية وعلى استقلال البلد الذي سوف يضيع مرة واحدة، ومن يقول غير ذلك فهو غير فاهم للأمور ولا لمصالح الدول وخاصة العظمى منها، تلك التي لا تهمها مصلحة الشعوب الثائرة ولا مدى المعاناة التي تواجهها ولا حقوق الإنسان بقدر ما تهمها مصالحها الآنية والمستقبلية، إضافة إلى أن سورية دولة لها حدودها مع إسرائيل، وكل سياسة الغرب مرهونة بمصلحة إسرائيل وتأمين الحماية لها في كل الأحوال.
حرب التحرير الشعبية هي التي ستحدث التغيير المنتظر وهي التي ستسقط النظام الأسدي بكل رموزه وستبني دولة الحق والقانون، الدولة الديمقراطية المدنية لكل أبنائها مهما كانت اتجاهاتهم الفكرية أو انتماءاتهم القومية أو المذهبية أوالطائفية.
وهنا أعود لأقول بأن إصرار عنان على إدخال إيران في صلب مهمته لن يغير في الأمر شيئا لأن الشعب السوري عرف طريقه ولا ينتظر من أحد شيئا ولم تعد تنطلي عليه وعود أو مؤتمرات أو قرارات، لا في مجلس الأمن ولا خارجه، فهو سائر على طريق ثورته الشعبية كسائر شعوب الأرض التي ثارت على طغاتها، والتاريخ يؤكد لنا أنه ما من شعب ثار ضد طاغية إلا وانتصر.