الحرب الأهلية الأميركية

د. محمد عبد الستار البدري

من التاريخ:

د. محمد عبد الستار البدري

تكاد كل دولة بعد بنائها أن تتعرض لحرب أهلية داخلية ويكون ذلك عندما تلجأ الفرق السياسية أو الدينية المختلفة فيها إلى الصراع المسلح من أجل فرض أهدافها فيكون الحوار قد نفد ويبقى العنف هو الحل الأخير أمام هذه الفرق، وقد تعرضت الكثير من الدول لهذه الأزمات في مراحل تكوينها الأساسية عبر تاريخها، وعادة ما تكون أسباب هذه الحروب الأهلية مرتبطة بشكل مباشر بالتركيبة الاجتماعية والسياسية والثقافية مجتمعة وعندئذ تكون حدة الصراع المسلح كبيرة للغاية بسبب عدم تجانس هذا المجتمع، ويكون الهدف من هذه الحروب إما السلطة والسيطرة السياسية، أو محاولة فرض طابع اجتماعي - ثقافي جديد على الدولة ككل أو الإبقاء على هذا النظام أمام الفرق المطالبة بالتغيير، وفي أغلبية الأحوال لا يكون العامل الاقتصادي وحده سببا في مثل هذه الحروب، وتشير الكثير من حالات الحروب الأهلية عبر التاريخ الحديث إلى أن الحروب الأهلية تكون مرتبطة بشكل مباشر بعملية تكوين الدولة وبمحاولة فرض مفاهيم الشرعية بداخلها، ولذلك فقد يربطها البعض بمراحل نشأة الدولة، ولكن هذه ليست قاعدة فقد تنشب مثل هذه الحروب عندما يكون هناك عملية تغيير لمفهوم الشرعية داخل الدولة الراسخة، والأمثلة على ذلك كثيرة للغاية مثل إنجلترا خلال القرن السابع عشر، وفرنسا بعد الثورة الفرنسية، والكثير من دول أوروبا في مرحلة الربيع الأوروبي عام 1848، وهنا فإن هذه الحروب لا تكون بسبب النشأة ولكن لعوامل التغيير.

وفي هذا الإطار فإن الولايات المتحدة الأميركية لم تكن استثناء من هذه القاعدة، فلقد تكاملت الولايات الـ13 وواجهت بجيشها الوليد والموحد الجيش البريطاني العتيد بهدف الاستقلال حتى نالته بعد إعلان الاستقلال بأعوام قليلة، وقد تمت صياغة الدستور الأميركي بشكل يضمن نوعا من التوازن الدقيق بين الولايات المختلفة آخذا في الاعتبار أحجامها المختلفة بشكل مثّل سابقة فريدة من نوعها في الأنظمة السياسية التي كانت سائدة في العالم الحديث، وقد تغلبت هذه الدولة الوليدة على كافة المصاعب بمرور الوقت، ولكنها لم تستطع وقاية نفسها من شرور الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1861 والتي كانت حربا مختلفة بعض الشيء، فهي لم تكن مرتبطة بمحاولة ولاية أو أخرى تغيير النظام السياسي للدولة أو عملية إعادة توازن أو توزيع للقوة، بل كانت لأسباب اقتصادية اجتماعية في الأساس.

لا يختلف أغلبية المؤرخين في اعتبار العبودية السبب الأساسي وراء اندلاع هذه الحرب الأهلية، ولولاها لما اندلعت هذه الحرب، فلقد كانت التركيبة الاقتصادية والاجتماعية الأميركية تختلف عن مثيلاتها في العالم، فولايات الشمال القوية كانت تعتمد في الأساس على القاعدة الصناعية وبدرجة أقل الزراعة، وهو ما ساهم بشكل مباشر في خلق بيئة اجتماعية وثقافية مختلفة عن ولايات الجنوب التي اعتمدت على الاقتصاديات الزراعية في الأساس، فلقد أدى هذا النمط من التطور والتنمية في الشمال إلى خلق بيئة فكرية وثقافية وطريقة حياة مختلفة بشكل كبير عن الجنوب الذي لم يستطع بدوره أن يطور من نفسه بالشكل المطلوب، فلقد كانت اقتصاديات الولايات الجنوبية تعتمد في الأساس على الزراعة، خاصة زراعة القطن والسكر والتبغ وغيرها من السلع التي كانت تدر عائدا ماديا عاليا Cash Crops، وقد نتج عن ذلك اعتماد مباشر على العمالة التي لم تكن متوفرة بيسر بين أبناء طبقة ملاك الأراضي، وبالتالي ظهر توجه للاعتماد على الرق لزراعة الأراضي، فهذه الزراعات تحتاج إلى عمالة كثيفة Labor Intensive، وكلما توسعت دول الجنوب في التطور الاقتصادي الزراعي زادت الحاجة لمزيد من الرق، وتشير بعض الإحصاءات التاريخية إلى أن حجم العبيد الأميركي عند الاستقلال لم يتخط السبعمائة ألف، ولكن هذا الرقم قفز بشكل مباشر إلى ما يقرب من مليونين بحلول عام 1830. ثم قفز مرة أخرى إلى قرابة 4 ملايين بحلول عام 1860.

ورغم ذلك فإن ولايات الجنوب الأميركي لم تسع في أي مرحلة من مراحل تطورها لإدخال الصناعة لتخفف من حدة اعتمادها على الزراعة أو تُحدث تنويعا مطلوبا، وقد تعددت الآراء في السبب وراء هذا التكاسل الصناعي فمنها الآراء التي أرجعته إلى عدم ملاءمة البيئة الجنوبية لمثل هذه الحداثة، كما أن العبيد لم يكن من الممكن الاعتماد عليهم لمحاولة إقامة هذا النظام الاقتصادي، وبالتالي انحصرت القاعدة الصناعية في الجنوب على الصناعات المرتبطة بالزراعة مثل المنسوجات وغيرها، وقد أدى هذا إلى تطور اجتماعي للجنوب يختلف تماما عن الشمال، حيث انزلق هذا المجتمع في توجهاته الاجتماعية ومن ثم الثقافية المختلفة، فأصبح مجتمعا محافظا مبنيا على أشكال تشابه أنماط التطور في القرون الوسطى الأوروبية بتركيبة اجتماعية مختلفة تماما عن ولايات الشمال، وهو ما جعل الهوة تتسع بين الأهداف والمصالح في الشمال مقارنة بالجنوب.

حقيقة الأمر أن بذور الحرب الأهلية بدأت منذ تأسيس الولايات المتحدة الأميركية، فالتركيبة السياسية والاجتماعية دفعت الكثير من المفكرين ورجال الكنيسة والساسة لمحاولة القضاء على ظاهرة الرق وهو ما نظرت إليه ولايات الجنوب باعتباره سببا مباشرا في ضرب بيئتها الاقتصادية والاجتماعية، وقد بدأت الأصوات المنادية بالقضاء على العبودية، وكان منهم بطبيعة الحال ساسة ومفكرون ممن ساهموا مباشرة في صياغة وثيقة الاستقلال وعلى رأسهم «جيمس ماديسون Madison» و«جون آدمز Adams»، ولكن هذه الحركة لم تخرج عن نطاق النداءات المجردة لتحرير الرق وتحريمه، ولم يكن من المستغرب أن تندلع هذه الحركة تدريجيا من ولاية «ماساشوستس» التي كانت مصدر حرب الاستقلال وأكثر الولايات تحضرا وثقافة، ولكن هذه الحركة سرعان ما بدأت تنتشر في الولايات الأخرى، ثم في ولايات الجنوب ذاتها، وبدأت حركة اجتماعية واسعة تطالب بضرورة التحرير، وسرعان ما اندلعت نيران التحرير إلى الجنوب أيضا، فبدأت تظهر الأصوات المنادية بإنهاء العبودية، ولكن المقاومة الجنوبية بدأت تظهر، حتى إن كثيرا من الكنائس في الجنوب بدأت تسعى من أجل وضع التبرير المناسب لهذه الظاهرة الاجتماعية على أسس دينية، مستندة إلى أن الرق وارد في العهد القديم والجديد على حد سواء دون التحريم، وأن السيد المسيح لم ينه العبودية، كما أن الحركات السياسية المناهضة لم تتأخر أيضا في هذا الاتجاه، وبحلول العقد الرابع من القرن الـ18 بدأت المناوشات السياسية داخل الكونغرس حيث سعى الكثير من الساسة لمحاولة استصدار تعديلاتهم الدستورية من أجل إلغاء الرق في الجنوب وهو ما واجهه ممثلو الجنوب بحروب كلامية وسياسية كبيرة للغاية في الكونغرس.

حقيقة الأمر أن هذه الحرب اندلعت في الكونغرس الأميركي قبل ساحات المعارك المختلفة على مدار 4 سنوات تلت ذلك، فبحلول عام 1818 صارت هناك 22 ولاية نصفها يجيز الرق والنصف الآخر يرفضه، وقد تم التوصل إلى حالات كثيرة من التوافق السياسي لمعالجة هذه الأزمة، منها «توافق ميزوري» الذي أجاز العبودية في ولاية «ميزوري» ومنعها في ولاية «ميين Maine» ثم تفجرت الأزمات بعد ذلك عندما توسعت الولايات المتحدة على حساب المكسيك، فماذا سيكون مصير الرق في هذه الولايات؟، وقد دخلت الولايات المتحدة في شبح الحرب بحلول خمسينات القرن التاسع عشر، وكان الحل هو مزيد من المواءمة والتوازن داخل الكونغرس وفي هذه الولايات حيث قرر الكونغرس أن يترك لهذه الولايات تحديد موقفها من مسألة الرق، خاصة ولايتي نيومكسيكو ويوتاه، وقد عُرف ذلك فيما بعد بالمواءمة 1850، خاصة بعدما تقرر أن تنضم ولاية كاليفورنيا إلى الولايات المتحدة على أساس أنها ولاية مستقلة لها حق إجازة الرق من عدمه في إطار ما عُرف «بالسيادة الشعبية»، بينما تقرر على صعيد آخر تغليظ عقوبة العبيد الهاربين. وعلى مدار حقبة الخمسينات بدأ الحوار حول الرق يأخذ طابع التوترات السياسية إلى أن تحول في إحدى المناسبات للتطاول بالأيدي داخل الكونغرس، وهو ما كان يُنذر بأن انتشار العنف في الولايات أصبح مسألة وقت لا غير، وكانت ولاية كانساس هي المرشحة لتشهد ساحات من العنف جراء هذا النقاش المحتدم.

وهكذا أصبح القتال هو الحل الوحيد عندما تحول المشهد السياسي إلى خلاف بين الشمال والجنوب حول الرق خلافا سياسيا ممتدا إلى طريقة الحياة الجديدة التي ستنتهجها الولايات المتحدة، وهذا كان لب الأمر، فالحرب الأهلية أصبحت هنا أداة لتغيير طريقة ونمط الحياة وأسلوبها بين الشمال والجنوب كما سنرى.

-----------

تابعنا كيف تحولت المعركة الأخلاقية حول الرق إلى معركة سياسية داخل وبين الولايات المختلفة في أميركا إلى أن صارت أداة تكاد تفتك بالاتحاد الذي بني في أعقاب حروب الاستقلال عن بريطانيا، وكيف تحولت هذه المسألة بين الشمال الرافض للرق والجنوب المتمسك به إلى حالة من القطبية الثنائية، وقد سعى الكثير من الساسة لمحاولة تقريب وجهات النظر بين الشمال والجنوب، ولكن انتخاب الرئيس الأميركي إبراهام لنكون رئيسا للبلاد في نهاية عام 1860 بدأ يحد من فرص التوفيق بين وجهات النظر فيما بين الولايات، خصوصا وأن الرجل استطاع من خلال قاعدة الجمهوريين كسب ود رجال الأعمال والمهاجرين والمزارعين على حد سواء، وهو ما بات يهدد الجنوب تماما، وعلى الرغم من أن الرئيس المنتخب لم يعلن رسميا رفضه الكامل للرق في الولايات المتحدة، فإن تصريحاته السياسية كانت تصب في هذا الاتجاه تدريجيا، فقد كانت سياسته لدرء خطر الحرب الأهلية منصبا على إبقاء الوضع على ما هو عليه بحيث تبقى الولايات الجنوبية على الرق لحاجتها الاقتصادية له على أن يتم تحرير كل الولايات الأخرى من هذا الداء الاجتماعي، ولكن الفجوة زادت بين الشمال والجنوب، وقبيل تنصيبه رئيسا للجمهورية اندفعت ولاية كارولينا الشمالية إلى إعلان الاستقلال عن الاتحاد في ديسمبر (كانون الأول) 1860، ومع ذلك استطاع لنكون أن يبقى على موقفه الصابر لعدم التعجيل بالحرب، ولكن سرعان ما انضمت 6 ولايات جدد لكارولينا الشمالية وانسحبوا من الاتحاد في فبراير (شباط) 1861 معلنين الاستقلال وتنصيب «ديفيز» رئيسا للولايات الـ7، ومع ذلك ظل الرئيس المنتخب يحافظ على موقفه الصابر.

وقد جرت محاولات كثيرة لرأب الصدع الجديد خارج نطاق الكونغرس والذي لم تسمح له الانقسامات الداخلية من وضع حل لهذا المأزق السياسي، وبالتالي جرت محاولة أخيرة للتوفيق على أساس إبقاء الرق داخل الولايات التي كان قائما فيها من خلال تعديل دستوري عام، ولكن الولايات رفضت إقرار هذا التعديل، وبدأت طبول الحرب تقرع في كل اتجاه، ومع ذلك استطاع «لنكون» أن يتولى قيادة الولايات المتحدة بعدما دخل العاصمة واشنطن في جنح الليل، وأصبح الرئيس الجديد يعاني من مشكلتين، الأولى كيفية تسوية مسألة الرق، ولكن الثانية كانت أصعب من ذلك، فلقد وقع عليه مسؤولية السعي لإعادة الولايات الـ7 إلى الاتحاد مرة أخرى، ولكن جهوده لم يكتب لها النجاح بسبب تعنت كارولينا الشمالية والتي قررت قيادتها محاصرة قوات الاتحاد في أحد المعسكرات، وهو ما دفع الرئيس الجديد للعمل على محاولة فك الحصار بقوة السلاح من خلال إرسال المدد ومحاصرة موانئ هذه الولاية، ولكن سبق السيف العزل عندما اضطرت قيادة المعسكر للاستسلام بعدما نفذت الذخيرة في 12 أبريل (نيسان) 1861، وهو ما يمكن اعتباره تاريخ اندلاع الحرب الأهلية الأميركية، إذ تبع ذلك مجموعة من الاشتباكات في الولايات المختلفة، أعقبه إعلان 4 ولايات جنوبية جدد الاستقلال عن الاتحاد وعلى رأسهم ولاية «فيرجينيا» وتكوين «الكونفدرالية» بعاصمة جديدة لها في مدينة «فيرجينيا» وتم وانتخاب الرئيس «ديفيز» رئيسا لها.

واقع الأمر أن الولايات الشمالية كانت من الناحية النظرية على الأقل أكثر قوة من الجنوبية لأسباب متعلقة بزيادة سكانها وقوتها الصناعية مقارنة بالجنوب الزراعي إضافة إلى وجود الكثير من بؤر الاتحاديين في هذه الولايات الكونفدرالية والتي دفعتها لاستخدام وسائل قمعية من القتل والتعذيب لتصفية هذه البؤر مما زاد من تماسك وصلابة الولايات الشمالية، ومع ذلك فإن عنصرا حاسما خدم «لنكون» خلال السنوات التالية وهو امتلاك جيش الاتحاد أسطولا حربيا وتجاريا قويا للغاية مقارنة بالجنوب والذي كان من الناحية الاستراتيجية في موقف أضعف في هذا المجال، ولكنه كان صاحب قضية فإلغاء الرق بالنسبة له يعني في النهاية نهاية كيانه الاقتصادي الزراعي، وقد نجحت الولايات المستقلة في تعيين واحد من أمهر القادة الأميركيين وهو «جونسون» والملقب «بالحائط الحجري» بسبب صلابته ليتولى مسؤولية الجيش الجنوبي، وهكذا رميت الأقدار والاختلافات السياسية الولايات المتحدة لأصعب اختبار لها منذ نشأتها وحتى اليوم، فلقد أصبح حسم الأمر الآن مرهونا بنتائج المعارك الحربية على أرض الواقع.

لقد كان وضع الرئيس «لينكون» في بداية الأمر خطيرا للغاية، فالعاصمة واشنطن تقع على بعد قريب للغاية من تمركز قوات الجنوب، كما أن الجيش الشمالي لم يكن قد استعد بالقدر الكافي بعد، وهو ما دعا «لنكون» لسرعة طلب المتطوعين من الشمال لإنقاذه وفك أسره العسكري، وبالفعل استطاع هذا الجيش أن يدخل واشنطن ويتجه بعد تأمين الرئيس صوب «فيرجينيا» لدحر الجيوش الكونفدرالية، ولولا ضعف القيادة الشمالية في إدارة المعركة بعد إرهاصات النصر لكان الأمر قد حسم بسقوط العاصمة الكونفدرالية، ولكن الجيش الجنوبي بخبرة قيادته استطاع أن يحسم الأمر لصالحه، فلقد قاموا على الفور بعملية إعادة تجميع وهزموا الجيش الشمالي والذي تقهقر صوب واشنطن، ولكن لظروف لوجيستية لم يستطع جيش الكونفدرالية استغلال الفرصة وحصار العاصمة واشنطن، وهكذا دخلت الحرب الأهلية في سلسلة من المعارك المتناثرة الممتدة لسنوات 4 قاسية.

لقد تغيرت الخطة العسكرية لجيش الاتحاديين بعد هذا الوضع الجديد، فقد أدرك القائد العام لهذه الجيوش «وينفيلد سكوت» أن الاعتماد على المتطوعين لن يجدي في شيء خاصة أمام قيادات الكونفدرالية القوية، وبالتالي لجأ لتدريب الجيوش على مدار قرابة سنة كاملة استطاع خلالها أن يجهز جيشا قويا يمكن له أن يخوض المعارك خاصة وأن الرئيس «لنكون» لجأ إلى إدخال التجنيد الإجباري وهي نفس الخطوة التي تبعها الجيش الكونفدرالي، ولكن رصيد الجنوب من القوة المحاربة كان أقل بكثير من ولايات الاتحاد، وقد وضع الاتحاديون خطة ممتدة من أجل الاستيلاء على الجنوب بخطى ثابتة ولكن طويلة الأمد من خلال استخدام الأنهار الكبيرة لنقل المعدات والتموين خاصة نهر الميسيسيبي، وعلى الرغم من أن «لنكون» والرأي العام لم يساندا هذه الخطة بسبب رغبتهما في حسم الصراع في أسرع وقت ممكن، بالتالي بدأت جيوش الاتحاديين للتحرك صوب «فيرجينيا» للقضاء على عاصمة الكونفدرالية ولكن الهزيمة لحقت بهم مرة أخرى، وهنا أدرك الاتحاديون أن الحرب ستكون ممتدة وصحة حدس القائد المعزول فاقتنع الجميع بأن خطة القائد العام السابقة كانت الأصلح، وتم العمل على تنفيذها على الفور من خلال قيادة بارعة لبعض القادة العسكريين مثل الجنرال يوليسيس جرانت (الذي أصبح فيما بعد رئيسا للولايات المتحدة)، حيث استطاع أن يلحق سلسلة من الهزائم بجيوش الكونفدرالية ولكنه تخلى عن حذره في إحدى المعارك المهمة في «شايلوه» وكلفه ذلك أعدادا طائلة من الجنود والعتاد فأدى الأمر إلى سحب قيادته، ولكن الحرب استمرت بشكل منتظم في الشرق والغرب، ولكن أغلب المعارك المهمة كانت على المسرح العملياتي الغربي.

لقد استمر جيش الاتحاد في الضغط على جيوش الكونفدرالية، مع عمليات حصار واسعة من البحرية لسواحل الكونفدرالية، خصوصا بعدما انتقلت القيادة فيه إلى واحد من أعظم القادة العسكريين وهو الجنرال «ليي Lee»، وقد سعى هذا الرجل على الفور للعمل على فك الحصار البحري عن الكونفدرالية من خلال تطوير معداتهم البحرية، إلا أن جيش الاتحاد كانت له القاعدة الصناعية والتي منحته الغلبة في سباق تطوير البحرية، وبالتالي فرض حصارا واسعا على الجنوب مما أضعفهم بشكل كبير بسبب تأثيره على خفض حركة التجارة خاصة تجارة السلاح والتي كانت تعتمد عليها جيوش الجنوب لتوريد السلاح من أوروبا لافتقارهم القاعدة الصناعية المناسبة، ويضاف إلى ذلك أن اهتزاز حركة تصدير المنتجات الزراعية من الجنوب لأوروبا أسهم بشكل كبير في إضعاف اقتصاد الجنوب، ومع ذلك فقد استمرت عمليات تهريب السلع الجنوبية ولكن ليس بمستوى يسمح لها الاستمرارية ومن ثم القدرة على الصمود الممتد، وهو ما دفع الحكومة الكونفدرالية لمحاولة اجتذاب الدعم الخارجي لمواجهة جيوش الاتحاد بطلب الدعم السياسي والعسكري من بريطانيا وفرنسا واللتين لم ترغبا في الدخول في حروب ممتدة عبر الأطلنطي، وبالتالي أصبح على الكونفدرالية أن تواجه الجيوش الكبيرة للشمال بموارد أقل ولكن بقيادة عسكرية أكثر حكمة من التي كانت لدى الشمال، ولعل هذا كان العنصر الأساسي في استمرار الحرب لمدة 4 سنوات في الوقت الذي كان من المفترض أن يستطيع الاتحاد حسم هذا الأمر في أسرع وقت، ولكن مع مرور الوقت بدأ جنرالات جيش الاتحاد يكتسبون الخبرة اللازمة لمحاربة الخصوم، وهو ما سهل من عملية القضاء على القدرات والجيوش الكونفدرالية الواحد تلو الآخر في سلسلة من المعارك الكبيرة التي لم تشهد الولايات المتحدة مثلها في تاريخها الحديث كما سنرى.