الأدب وإعادة توجيه البوصلة
الأدب وإعادة توجيه البوصلة
يسري الغول
كنت أبحث في مكتبتي عن كتاب جديد يسترعي انتباهي فيأخذني إليه؛ فوجدت عدة كتب متنوعة ما بين الرواية والمسرح والشعر. وحين بدأت أتصفح تلك الكتب، استوقفتني مسرحية شيلوك الجديد لأحمد علي باكثير، ودورها في توضيح معالم العدو الصهيوني في اجتثاث الأرض والقتل والإجرام. فوقفت عند تلك المسرحية ملياً. وتساءلت: أين يتجه الأدب اليوم؟ وهل حاله كحال الإعلام في توجيه البوصلة ضد عدو مفترض ونسيان العدو الحقيقي؟ واكتشفت –آسفاً- بأن الأدب بدأ ينحدر نحو تغيير الصورة النمطية عن ذلك المحتل، وإظهاره في صورة الملائكي كما في رواية اليهودي الحالي لعلي المقري.
ولقد كتبت آنفاً مجموعة مقالات حول رواية السيدة من تل أبيب لربعي المدهون التي كانت تعج بالمواقف الغريبة وتكيل الحقد والكراهية لأعداء مفترضين نتيجة اختلاف الأيديولوجية أو الفكر، في حين كان هناك نوع من التعاطف –الغير مقصود ربما- مع المحتل في تلك الرواية حتى ظهر عند الحواجز رحيماً وخلوقاً، يمتلك مقومات الإنسانية دون الإشارة إلى أن ذلك الجندي الذي يحضر الكرسي للعجوز مثلاً، ما كان يجب أن يكون موجوداً أصلاً، وما كان يجب أن يكون هناك أي حاجز يمنع الفلسطينيين من الذهاب إلى أراضيهم ومشافيهم.
كما أن الروائي الفلسطيني وليد أبو بكر سبقني بالحديث عن التطبيع في الأدب وشن هجوماً لاذعاً على كتاب كثيرين كتبوا وتغنوا بالمحتل فتناسوا الموت الزؤام الذي جناه الفلسطيني والعربي حين استعمر واستوطن ذلك المحتل الأراضي الفلسطينية المحتلة اليوم.
فإذا نظرنا لمسرحية المستوطنة السعيدة لأحمد رفيق عوض أو اليهودي الحالي لليمني علي المقري سنكتشف أن الأدب بدأ ينحدر نحو التطبيع بصورة أو بأخرى وتماهي تلك المواقف مع الحالة الراهنة. وعليه فإننا بحاجة لإعادة مراجعة للرؤية والفكر العربي والفلسطيني تجاه ذلك العدو الذي يحلم بامتلاك المنطقة العربية بأكملها.
وكم هو مؤلم أن تصير الأعمال الفنية والأدبية والسينمائية وأدوات الإعلام الحديث والمرئي والمسموع مجرد أدوات لشن العداء على العربي نفسه، في حين تظهر اليهودي بالصبغة الإنسانية. ولقد تذكرت كيف كان الأدب والفن يعمل على إذكاء روح الثورة في خواصر الرجال للتصدي للاحتلال الغاشم ومحاربته بالقلم والحجر والبندقية. فحتى اللحظة تلتصق في مخيلتي صورة الممثل عمر الشريف وهو يحارب الاحتلال في فلم أرض السلام. وفلم الرصاصة ما تزال في جيبي ويوم الكرامة وغيرها الكثير من الأعمال السينمائية والأدبية التي شكلت فكر وثقافة جمعية تؤمن بالحرية والتصدي للمحتل والذود عن الأرض، لا كما يجري اليوم في بعض الفضائيات العربية التي تتنمى زوال غزة أو فلسطين وأن ينصر الله المحتل، دون أن يعلم هؤلاء السفهاء بأن غزة هي حجر العثرة الذي يسقط مشروع إسرائيل الكبرى.
أختم بأننا في حاجة لأقلام وطنية لا تهادن المحتل من أجل اجتياز معبر أو من أجل الحصول على راتب أو الحصول على جائزة لأن الوطن أكبر من كل تلك الصغائر.