الريادة تليق بإخوان مصر
الريادة تليق بإخوان مصر
جمال المعاند -إسبانيا
- يتفيأ المسلمون في العالم أو يكادوا ظلال لحظات تاريخية، تمسح عن فكرهم عناء الإحباط، وتولد في قلوبهم طاقة التفاؤل، ها هي أعنف حملة انتخابية؛ توشك أن تضع أوزارها، وتُصَدِّق ظن الإسلاميين، الذين لطالما قالوا : خلوا بيننا وبين الشعوب ، فأن الأمة الإسلامية مغيبة عن تعاليم الشرع الحنيف قسراً، فما أن يفتح للحرية منافذ للتنفس، حتى تتبخر الروائح الخبيثة، وتشفى الأمة من أمراض تسبب بها حصراً تلوث البيئة، مما وفد إليها من أفكار موبوءة؛ وأنماط غريبة عما يصلح لها؛ وفقاً لإرثها ولتكوينها ولواقعها، والكلام عما سطره المصريون في هذه الأيام يطول .
وانشغل الناس بين مصدق ومن تملكه الريب، بالنتائج الظاهرية، وعد الثمار الآنية، والحقيقة أعمق وأبعد من ذلك، فالإخوان المسلمون في مصر، سطروا سفاراً جديداً، من أسفار تاريخنا الإسلامية، فهم لم يكتفوا بأن كانوا الرواد الذين قدر لهم فضل الصحبة لمجدد القرن العشرين الإمام حسن البنا –عليه شأبيب الرحمة- ، بل أثبت تلامذته وتابعيهم، أن إمامهم لم يكن طفرة وراثية قد تحصل خلال قرون، فبعد سنوات عجاف امتدت لما ينوف على ثمانية عقود ونصف، كانوا يبنون فتهدم معاول المكر معظم ما بنوا، ويغرسون فيصيب وباء الباطل ما زرعوا، وما كان الله جل في علاه ليضيع عمل عامل .
لا غرو أن إنجازات الحركات الإسلامية في العالم هي من معين نبعهم الصافي، وأن تلكم الحركات بتباين أطيافها، عالة بصورة أو بأخرى على منهج جماعة الإخوان المصرية، أما ما حققه الإسلاميون في بقاع شتى من العالم، رغم أهميته فهو مؤطر البعد والعمق، وتكشف الأيام التي خلت من غير بعيد؛ وما يعايشه المسلمون الآن، أن إخوان مصر صدق عليهم المثل العربي القائل : " كل الصيد بجوف الفرا "، وها هم اليوم يقولون بلسان الحال لا المقال، نحن الرواد اتبعوا ولا تبتدعوا حركياً .
وإليك قارئي العزيز الأدلة :
أولاً : خاف إخوان مصر الله وحده، فلم يقيموا لغيره وزناً، فلم يبثوا رسائل الطمأنينة لغرب أو لشرق، إلا ما يتسق مع المبادئ التي ينادون بها ، فلم يعطوا الدنية في دينهم، وخاضوا معارك ملحمية، كلجنة إعداد الدستور التي لم تنته بعد، وأصروا على أن كل ثوابت الإسلام مفردات لا حياد عنها .
ثانياً : إخوان مصر، نجحوا في عدة أمور شعبية وتنظيمية، أهمها توحيد صف الإسلاميين، وهو معجزة تنظيمية، ورهان غفل عنه الكثير من الحركيين الإسلاميين للأسف، أمر تكفل لوحده باصطفاف غالبية الشعب خلفهم، تمثل في إقناع فصيل من الأمة له وزنه الشعبي وثقله العلمي، هو التيار السلفي، بالعمل التنظيمي والسياسي السلمي، وقد كان هذا التيار يتجاذبه ثلاثة توجهات، سلفية تركن للحكام ولا ترى الخروج عليهم، والسلفية الجهادية بحماس كان ضرره أكثر من نفعه، والسلفية العلمية واهتمامها التعليمي والتربوي، فنجح إخوان مصر، في إقناعهم رغم الخلافات بينهم، في توحيد الصف، ولا ننسى جهود علماء السلفية على الأخص السلفية العلمية بالمشاركة في هذه الجهد .
ثالثاً : أثبتوا للمتعجلين من الشباب الإسلامي أصحاب العواطف الجياشة، أن لكل شيء أوانه، وها هم يرون الثمار يانعة طيبة، بأقل تكلفة، لم ترق فيها دماء إلا من خدوش الحراك الذي لابد منه .
رابعاً : قوة التربية الإخوانية المصرية، التي كونت حائط صد تكسرت عليه كل أمواج الباطل، فلم تحصل انشقاقات بينية إلا طفيفة؛ طبيعية الحدوث في أي عمل تنظيمي، ودل ذلك ليس على حسن الجندية؛ كما يحلو للبعض تفسيرها، بل قوة تأثير الشخصيات القيادية، وتحسسها لأي وهن تربوي وإجهاضه في المراحل الجنينة، حتى لو طال قيادات إخوانية أتى عليها حين من الدهر .
خامساً : استثمار الطاقات الدعوية للشباب والنساء والكهول والشيوخ، فثمة عمل دعوي عام ، وأخر سياسي، وثالث خيري، ورابع تنظيمي، وهكذا رأى كل أخ مصري واجبه؛ ولم يقبل على نفسه أن تؤتى الجماعة وبالتالي الإسلام؛ من قبله .
سادساً: القدوة الحسنة داخل التنظيم، فلم تركن كوادره، إلى خضراء الدمن في الدول التي يزورنها، أو يدرسون فيها، بل كانوا جنوداً، يذهبون لمهمة شخصية أو دعوية، ما يلبثوا أن يعودوا إلى ساحة حراكهم الدعوي اللاحب .
سابعاً : تعاملوا مع إرجاف علماني مدعوم بكل الامكانات، تمثل في عشرات الفضائيات، ومثلها من الصحف والمجلات، وآلاف المواقع الالكترونية المخذلة، بحِرفية أفرغت تلك الهجمات من أسنانها الحادة، وحولتها إلى أسنان من خشب تؤلم ولا تقطع .
ثامناً : قدم إخوان مصر نموذجاً مشرفاً، للإدارة الامكانات البشرية والمادية، عن طريق حسن استغلال واستثمار الجزئية قبل الكلية، وتفعيل الجدول الأصغر ليصب في البحيرة الكبرى، لا مأثرة ولا محسوبية ولا شللية ولا مناطقية، وإنما "كما تفيد في اللغة الحصر"، ثمة هدف واحد هو نصرة الإسلام، فتوحدت القلوب واتسقت الأفكار، وتناغم العمل، فولد الإنجاز، مولوداً كامل الأعضاء يسر الناظرين .
إن نجاحات إخوان مصر، الذين قدر لهم أن يكونوا الرعيل الأول في الصحوة الإسلامية على مستوى العالم فكراً وعملاً منذ فجر الصحوة، ، لتؤكد أن صحة البدايات لا بد وأن تثمر حسن الخواتيم، وليثبت إخوان مصر أنهم كانوا ولا زالوا طليعة الصحوة الدعوية على مستوى الأمة، ليس تنظيراً فحسب؛ بل ونتائج أيضاً، رفع لها كل منصف في العالم قبعة الاحترام والتقدير، وينطق لسان الحال رداً على من ينازعهم زعامة الحركات الإسلامية وتسول له نفسه، أو يوسوس له شيطانه، أن منصب المرشد العام هو حق أصيل لهم؛ أملاه كفاءة المصريين، وليس ، سابقتهم أو عديدهم فحسب، وأن إخوان مصر رواد بكل ما تحمله الكلمة من معاني وأبعاد .