هذا التعثر في مسيرة الربيع العربي
هذا التعثر في مسيرة الربيع العربي
ياسر الزعاترة
أصيب الكثيرون بقدر من الإحباط جراء تسلسل الأحداث في الساحة المصرية التي أكدت وجود عملية مبرمجة هدفها إجهاض الثورة، ثم تحسن المزاج قليلا بعد فوز محمد مرسي، قبل أن يعاود الارتباك من جديد بسبب تأجيل إعلان النتيجة وقبل ذلك الإصرار على ما عرف بالإعلان الدستوري المكمل، فيما كان المشهد اليمني قد تخلص بصعوبة من الدكتاتور، وها هو يجاهد للخروج من مرحلته البائسة، بينما تصارع تونس للخروج من زمن المخلوع بقدر من التعثر نتاج بعض الإشكاليات السلفية من جهة، وقدر من المزايدة العلمانية المدعومة من بقايا النظام الحاكم من جهة أخرى، إلى جانب قدر من الحصار الخارجي (الدولي والعربي).
الوضع الليبي لا يزال بدوره يعاني الكثير من التعثر رغم السقوط الكامل للنظام القديم، وقد كان العامل القبلي هو الأكثر فاعلية على صعيد الحيلولة دون المضي بالتجربة نحو بر الأمن والأمان والتعددية الحقيقية.
في المشهد السوري يواصل النظام حملته الشرسة ضد الثائرين، بينما يتواصل سيل الدم غزيرا، من دون وجود أفق واضح لنهاية النظام، مع أن معظم المؤشرات قد باتت تؤكد استحالة بقائه من الناحية العملية، وإن اختلفت الرؤية بشأن آلية السقوط.
في المقابل تعيش الحراكات الشعبية في عدد من الدول العربية الكثير من التعثر والإشكالات، بعضها بسبب الانشغال الشعبي العربي بالثورة السورية، وبعضها لاعتبارات أخرى داخلية وخارجية، ومن ضمنها التعثر العام في مسيرة الربيع العربي. ولا ننسى الجزائر التي خرجت من الربيع خالية الوفاض عبر حكومة أكثر انتماءً للحزب الحاكم، مع قدر من التعثر في التجربة المغربية تبعا لسيطرة النظام القديم على معظم مفاصل السلطة وسكوت الحراك الشعبي المطالب بتغيير أكثر وضوحا.
ثمة دول أخرى كان من المنتظر أن تتحرك فيها الجماهير مطالبة بالإصلاح، لكنها لم تفعل بشكل مؤثر، وإن توفر جمر تحت الرماد، مع قدر من الانشغال بالثورات الأخرى، وفي مقدمتها الثورة السورية، كما يحدث في عدد من دول الخليج.
من الطبيعي أن يصاب البعض بالإحباط جراء ذلك كله، لاسيما أولئك الذين ظنوا أن مسيرة الربيع العربي ستمر بسلاسة، وأن الانتصارات بعد سقوط بن علي وحسني مبارك والقذافي ستتوالى تباعا لتشمل المسيرة سائر الدول العربية.
من جهتنا لم نكن من أولئك القائلين بأن الأوضاع الجديدة ستمر بسلاسة ويسر، وقد قلنا مرارا أن ذلك لن يحدث، فمن دعموا الأنظمة السابقة لن يسمحوا بالانقلاب على مصالحهم بسهولة، وسيعملون بكل ما آوتوا من جهد لكي يمنعوا تأثير التحولات الجديدة عليها، وهم سيصلون الليل بالنهار من أجل ذلك.
في الحالة المصرية على وجه التحديد رأينا تدخلات من شياطين الأرض هدفها الحيلولة دون انتصار الثورة ووصولها بر الأمان، وبالطبع لما يعنيه ذلك من عودة مصر إلى دورها وحضورها في المنطقة، الأمر الذي لا يؤثر فقط على حبيبة الغرب (الدولة العبرية)، بل سيؤثر أيضا على مستقبل المنطقة برمتها. ومن يعتقد أن المجلس العسكري هو وحده من كان يدير اللعبة واهم إلى حد كبير، إذ هناك إلى جانبه مؤسسة المخابرات القوية، وذات الصلات الوثيقة بالمنظومة الغربية، فضلا عن رموز النظام القديم من سياسيين ورجال أعمال ممن يدفعهم الخوف على مصالحهم إلى بذل أقصى الجهد في مواجهة الثورة.
إلى جانب هؤلاء هناك عدد من الدول العربية الغنية المعنية بإجهاض الثورة، ليس خوفا من مصر القوية القادرة على قيادة الركب العربي فقط، وإنما خوفا من تمدد الربيع العربي ووصوله إليهم في حال نجاح الثورة أيضا، وهؤلاء يملكون المال الذي يحرك الكثير من خيوط اللعبة.
نتذكر هنا حقيقة أن الثورات عموما لا تمر بيسر وسهولة، وما جرى في دول أوروبا الشرقية ليس مقياسا يعتد به نظرا للدعم الغربي القوي، وتبعا لمجيئها على خلفية تحولات دولية مهمة تمثلت في سقوط الاتحاد السوفياتي وانشغال روسيا بلملمة وضعها الداخلي.
تاريخيا استمرت الثورة الفرنسية عشر سنوات، والروسية أربع سنوات حتى استقر وضعها، ولا يمكن لتحولات تاريخية في منطقة بالغة الحساسية مثل منطقتنا أن تمر بيسر وسهولة في ظل تدخلات هائلة (دولية وعربية) إلى جانب رموز الأنظمة القديمة.
كل ذلك لا ينبغي أن يدفع الناس إلى اليأس، فهذه الجماهير اكتشفت ذاتها وقدرتها على الثورة والاحتجاج، وهي ستواصل مشوارها مهما طال الزمن، وسيأتي الوقت الذي تستعيد فيه قرارها المسروق من أنظمة فاسدة وتابعة في آن. أما الثمن فقد يكون كبيرا، لكن ثمن بقاء الأوضاع القديمة أكبر بكثير من ثمن التغيير، على الحاضر، والأهم على المستقبل.