انتخابات مصر: رسالة إلى سوريا
الثورة السورية: خواطر ومشاعر (62)
مجاهد مأمون ديرانية
سأل كثيرون في سوريا: لماذا تأخر النصر؟ فجاءهم الجواب من مصر.
لقد كانت انتخابات مصر جرسَ إنذار لكل الشعوب العربية، وكانت رسالة صارخة تهتف بثوار سوريا خاصة: أن أكملوا ثورتكم ولا تقفوا في منتصف الطريق.
هل أدركتم حقيقة ما جرى في مصر؟ في جولة الانتخابات الأولى تبعثرت الأصوات بين المرشحين، فقلنا إن ذلك أمر طبيعي بعدما بعثر الحكم الاستبدادي الناس وحرمهم من ممارسة العمل السياسي لعشرات السنين، فكان مفهوماً تفرّقُ أصواتهم وولاءاتهم بين الأحزاب والمدارس السياسية والفكرية المختلفة.
أما ما جرى في جولة الإعادة فهو كارثة بكل المقاييس. هنا لم يعد الاختيار بين حزب وحزب أو بين مدرسة ومدرسة، لقد صار الاختيار -باختصار- بين الحرية والعبودية، ويؤسفني أن أرى أن ربع سكان مصر اختاروا الاستعباد، وأن نصف سكان مصر لم يبالوا بأن يُستعبَدوا من جديد.
لا، ليست جولة الإعادة اختياراً بين مرسي وشفيق ولا بين الإخوان وأنصار مبارك، ومن ظن ذلك فقد وقع في الأوهام. إنها اختيار بين استمرار عهد مظلم وبداية عهد جديد، بين أثقال الأغلال ونعيم الاستقلال. كانت تلك الجولة قراراً على المصريين أن يتخذوه: هل يسلمون مفاتيح مصر إلى عصابة اللصوص التي سرقت ثروتها من قبل واستعبدت أهلها السنين الطوال، أم يفتحون أبواب الحرية ليشرق على مصر فجر جديد؟
لقد ظهرت النتائج الأولية وعرفنا أن مرسي تقدم على شفيق بمليون صوت. مهما تكن نتيجة الانتخابات فقد فشل شعب مصر العظيم في الامتحان، لأن ربعه فقط اختار الحرية. ثلاثة عشر مليوناً صوّتوا للحرية، وصوّت للعبودية اثنا عشر مليوناً، أما الطامّة الكبرى فهي في الباقين. خمسة وعشرون مليوناً لم يبالوا ولم يكلفوا أنفسهم عناء الذهاب إلى الانتخاب أصلاً؛ لقد وجدوا أن مئة سنة في الأغلال أهون من ثلاث ساعات تحت شمس الصيف الحارقة.
نعم، لقد فشل شعب مصر في الاختبار لأنه لم يدفع الثمن، لأن كل مئة ألف من أهل مصر أخرجوا من بينهم للحرية شهيداً، أما أهل سوريا فقد أخرج كل ألف واحد من بينهم إلى اليوم شهيداً للحرية، فأَولى بهم أن يدركوا قيمتها فلا يفرطوا فيها في القادمات من الأيام.
* * *
ما أكثرَ ما سأل السوريون وهم يكابدون التضحيات ويتجرّعون الآلام: لماذا تأخر النصر؟ الآن جاء الجواب: لو انتصرت الثورة السورية قبل سنة لصنع السوريون ما يصنعه المصريون اليوم، كانوا سيُخرجون بشار الأسد من الباب ويدخلون آصف شوكت من الشبّاك. كانوا سيستبدلون مجرماً بمجرم ويعودون إلى بيوتهم آمنين، وحينما تشرق شمس الصباح ويدركون الغلطة الكبيرة التي ارتكبوها بلَيل سيكون الأمر قد خرج من أيديهم وبات عليهم أن يبدؤوا بالثورة من جديد. وأنّى؟ ما كلَّ يوم تنجح الشعوب في إشعال الثورات.
يا شعب مصر العظيم، يا أهل مصر الكرام: ما زال عليكم الكثير لتعملوه. لا تسمحوا للعسكر أن يأكلوا ثورتكم، لا تعودوا إلى النفق المظلم مرة أخرى ولو دفعتم مليون شهيد. أما أنتم يا أهل سوريا ويا قومي الكرام فأهتف بكم: أكملوا الثورة إلى غايتها ولو أثقلت ظهورَكم أحمالُ الآلام. لا تقفوا في وسط الطريق، إن الانتحار في شرع الله حرام.