دلالات التصعيد العسكري قبل مؤتمر جنيف

دلالات التصعيد العسكري قبل مؤتمر جنيف

محمد عبد الرازق

 يبدو أن هناك توافقًا بين الدول الكبرى ضمن ما سمَّيناه ( إدارة الأزمة ) على عقد مؤتمر يضمُّها مع دول أخرى حول سورية ( خمس عشرة دولة ، لحد الآن)، على غرار مؤتمر(دايتون) حول البوسنة، سيعقد في ( 30 حزيران) ؛ لتوحيد المواقف بين الغرب، و روسيا حول رؤية للدفع بخطة ( عنان) نحو التطبيق على الأرض، و يرى المراقبون أن هناك رغبة في تلاقي رؤية روسيا مع الغرب حول سورية، فإن تحقق ذلك؛ و إلاَّ فإن كل طرف منهما ذاهب إلى مؤتمره الخاص: روسيا نحو مؤتمرها بشراكة إيرانية، و الغرب نحو مؤتمر أصدقاء سورية في فرنسا في ( 6 تموز).

 تريد روسيا أن تذهب إلى هذا المؤتمر مسلَّحة بموقف قوي على الأرض يحققه النظام من خلال قيامه بعمل عسكري شامل على المناطق التي باتت خارج سيطرته مؤخرًا، و هو ما أعلن عنه الأسد في لهجة تصعيدية خلال اليومين الماضيين؛ حيث أمهل الثوار المسلحين 24 ساعة فقط لإلقاء الأسلحة وتسليم أنفسهم ، كلٌّ في منطقته، أو القضاء عليهم، ضاربًا بعرض الحائط (مبادرة عنان). وقالت وسائل إعلام سورية:" إن الأسد أبلغ المبعوث الأممي كوفي عنان بمسعاه هذا"، وأضافت إن "إجراءات مشددة ستتخذ وستعطى الأوامر للفرق العسكرية بأكملها للتحرك و القضاء على معاقل الإرهاب عسكريًّا، لا سلميًّا بحسب رغبة الأمم المتحدة " . وأكدن مصادر مقربة من النظام أن المهلة التي تحدث عنها قد بدأت منذ الخميس( 14حزيرن)، وأن (وزارة الدفاع) وزعت بيانًا عملت بموجبه على تسليم العناصر والضباط وصف الضباط الأفراد العتاد العسكري الكامل. ويقول مراقبون: " إن الأسد ظهر وهو يتكلم من موقع قوة لافت للأنظار، ولاسيما أن الأمر يأتي بعد حملة من التهديدات الغربية والعربية، وتواتر التقارير عن استعدادات عسكرية في الأردن وتركيا المجاورتين، تمهيدًا لإزاحته بالقوة العسكرية"، مشيرين إلى أنه يسعى لاختبار نوايا (أعدائه) في الداخل والخارج بشان موقفهم في حالة قرر المزيد من التصعيد ولم يتراجع وفقا لخطة عنان.

 إنَّ هذا المسعى من النظام يأتي كرد فعل لما تشهده المحافظات السورية من تراجع لقوته العسكرية، و سط انهيار واضح لمعنويات قواته، مقابل وصول تعزيزات على مستوى التسليح النوعي لمقاتلي الجيش الحر؛ ممَّا مكَّنهم من بسط سيطرتهم على مناطق خسروه من قبل، فضلاً على تعزيزها في مناطق أخرى؛ و بذلك تحررت تلك المناطق من المذابح والتطهير، من غير أن يتوقف القصف المدفعي، أو الطيران؛ ممَّا جعلهم يسعون لإعلان مناطق عازلة و آمنة (حمص، و إدلب). فالتقسيم العملي وليس النظري أصبح واقعًا ملموسًا، و يُرجَّح أن ينكفئُ النظام؛ بسبب ما ذكرنا إلى مدن الساحل، و دمشق وريفها، والحدود مع الأردن.

 هذا في ظلِّ أزمة إقتصادية واضحة تواجهها سورية؛ نتيجة للعقوبات الأوروبية والأمريكية والعربية المفروضة عليها، طالت معظم الجوانب الاستثمارية والاقتصادية والتجارية وحتى الخدمية المتعلقة بالأعمال، كما أغلقت مئات الورشات أبوابها بسبب كساد الأسواق، وصعوبات التصدير وصعوبة استيراد المواد الأولية، وأغلقت عشرات المصانع والشركات، وأوقفت الشركات الحكومية كافة مشاريعها الاستثمارية.

 

 و ترجّح مصادر مطلعة أن يقوم النظام بتخفيض إنفاق الوزارات والمؤسسات الحكومية إلى نحو الربع من ميزانيتها خلال الأسابيع القليلة المقبلة؛ في محاولة لتخفيض النفقات وتخفيف الضغوط على خزينة الدولة التي تأثرت نتيجة تلك العقوبات.

واستبعدت تلك المصادر أن يطال التخفيض الرواتب والأجور، وأشارت إلى أن هذا التخفيض في موازنات الوزارات سيطال غالبًا المشاريع الاستثمارية، والنفقات الخدمية، والمكافآت والتعويضات، وغيرها من البنود التي يمكن الاستغناء عنها أو تقليصها.

 و مع ذلك يسعى النظام إلى التغلب على تلك الصعوبات التي تواجهه على هذين الصعيدين: العسكري، و الاقتصادي بالدرجة الأساس من خلال هذا التصعيد العسكري المتمثّل في استخدام: الطيران الحربي، و منظومة الصواريخ، و المدافع بعيدة المدى، لا بل وصلت به الحال أن استخدم السلاح البيولوجي على نطاق محدود؛ ناهيك عن المجازر التي غدت مسلكًا له منذ مدة.

 كل ذلك من أجل تقوية موقفه عندما يذهب حلفاؤه إلى هذا المؤتمر، أو غيره؛ فموسكو لا ترغب بأن تكون مثقلة بنظام لا يبسط سيطرته على شعبه، و هي، و إيران لا تريدان الفشل له؛ و لذلك بادرت كلٌّ منهما بمدّه بأنواع جديدة من السلاح، فروسيا أمدته بمروحيات هجومية جديدة، و طهران أرسلت له معدات أمنية للتجسس على شبكة اتصالات الجيش الحر في المناطق المحاذية لتركيا، مع مستشارين في قمع التظاهرات، و قد عرضت مؤخرًا مشاهد لهم في مناطق ريف حلب ( الأتارب)، و ليس أمر الضباط الأمنيين الخمسة المختطفين من حزب الله ببعيد عن أمر عن هذه المساعدات.

 نعم، لقد أثبت النظام أنه ما زال يمتلك القدرة على الصمود؛ لكنه ما عاد يمتلك القدرة على الحسم، وقد أثبت الثوار أنهم يستطيعون الامتداد والتقدم؛ نظرًا لتحركهم بين مناصريهم؛ فهم بذلك يتحركون كسمكة في الماء.

 وهذا يعني تشكُّل وارتسام خطوط تماسّ قد يطول أمدُها إن أصرَّ الروس، والإيرانيون على دعمه، و الوقوف إلى جانبه؛ و لكنه سيخسر أخيرًا كلّ شيء.

و السؤال: على أيّة حالٍ ستكون سورية عندها؟