أيها السوريون حكوا جلودكم بأظافركم 5

(الجزء الخامس)

أيها السوريون حكوا جلودكم بأظافركم

خطوة مع نبي الله "عيسى بن مريم "ويكتب لكم النصر بإذن الله!

ناديا مظفر سلطان

ألا إنها ستكون فتنة ، قلنا ما المخرج منه يا رسول الله ؟ قال :كتاب الله......

ما قرأت "كتاب الله" كما قرأته في ظل الحدث السوري ، قرأت الآيات وما بينها ، والسور ومضامينها ، وتأملت القصص ومعانيها  ، سعيا للخروج من هذه الفتنة  التي عصفت ريحها النحس الصرصر في بلادي ، بلاد الشام.

حتى وقفت أمام الآية "لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور"

والعزم لفظة عجيبة لها  صفات عديدة ولأهلها ميزات واصطفاءات ، ومكافآت .

والصفات التي تحملها هذه المفردة "العزم "هي : التقوى  ، والصبر ، واليقين بالنصر  

والثقة  أن الزمن جزء من العلاج ،وتحقيق الأمل .

ورحلة العزم مع الرسل موغلة في أعماق التاريخ لآلاف من السنين ، تبتدئ ب نبي الله نوح عليه السلام وتنتهي بخاتمهم  ، محمد (صلى الله عليه وسلم) ، مرورا بإبراهيم وموسى وعيسى ، سلام الله عليهم.

والصبر مع التقوى ، صفتان متلازمتان ، كللتا جهود  هؤلاء الرسل، فكانوا  القدوة لمن أراد أن يتخذ من العزم منهجا لبلوغ النصر .

"واصبركما صبر أولو العزم من الرسل"

وهكذا ف الرحلة مع العزم كمنهج  لا تكون إلا بتلقي الدروس من معجزاتهم  المشهودة  والانصهار بمعانيها ، والاستفادة من دلالاتها.

 و"سفينة نوح " ، التي عكف النبي على بنائها في بيئة يسودها القحط ويعمها الجفاف ، والصبر على سخرية القوم وأذاهم النفسي والجسدي ،  هو الدرس الأول لرواد رحلة العزم !

 و"نار إبراهيم" ، حتمية وبالمرصاد ، لكل من يعلن الثورة على الأصنام  فيحطمها ،والصبر على شواظها  –قبل أن تكون بردا وسلاما- درس آخر لأهل العزم .

و"عصا موسى" ابتلعت إفك السحرة وأكاذيبهم و أزهقت الباطل وأعلت راية الحق جلية للعيان....

ولعل الباس الحق بالباطل ، ابتلاء يجب أن يستعد له أهل  الرحلة كدرس ثالث تلقنه لنا سيرة أولي العزم 

و" عيسى بن مريم" كان خلقه معجزة ، و رفعه إلى الله معجزة  ، وحياته الموجزة  بين "خلق" و "رفع" كانت عبورا خاطفا مفعما بالزهد ، فأوصى" الموحدين" من بعده :" إنها معبر فاعبروها ولا تعمروها "، وهكذا  فقد كان" الزهد" الدرس الرابع لأهل القافلة ، قافلة العزم.

و" كتاب الله القرآن "، معجزة "النبي الأمي محمد بن عبد الله (ص) "، فكان آخر أولوا العزم من الرسل، و سيرة حياته كانت مفعمة بكل الابتلاءات والمحن التي تعرض لها  الأنبياء من قبل  ، فسخر منه قومه ورجمه فتيانهم  ، وخططوا  لقتله مرارا ،وسعوا لإلباس الحق بالباطل ، فافتروا عليه بأنه ساحر تارة ، وأنه مجنون تارة أخرى ...  ثم أتاه الله من المال ما يجعله أغنى من عليها ....ولكنه عاش زاهدا ، ومات فقيرا ، ودرعه مرهونة.

و قصة الثورة السورية ابتدأت أولى فصولها في رحلة العزم مع سخرية مشينة ، فرقعها المدعو

" عاطف نجيب" ، أمام أهالي الأطفال المعتقلين حين أسدى لهم النصح قائلا : " انسوا أولادكم ، أنجبوا غيرهم إن شئتم ، وإن كنتم  تعجزون فأرسلوا لي نساءكم"!!

فانطلق الركب الأول للثورة في" رحلة العزم "من جامع العمري في درعا حتى عم البلاد . 

وآلة التعذيب الجهنمية في أقبية مزرعة الأسد،  ما كانت أقل وطأة على زوارها من نار إبراهيم ، فاستشهد الآلاف من  الرجال والنساء والأطفال ، تحت وطأتها بالصعق الكهربائي ، وببتر الأعضاء ، ونفخ الأحشاء...و...  ، وأما من خرج حيا بأعجوبة ، و كانت نار المعتقل بردا وسلاما عليه ، فقد عاد إلى التظاهر من جديد ، وحتى  قبل أن يعود إلى أهله وداره !!!.

وأجهزة الجوال في أيدي الفتية من الثوار التهمت إفك أجهزة إعلام النظام الساقط  ، فأزهقت الباطل ونقلت للكون صورة الحق ، أو كادت... فقد حدثتني السيدة (ل) القادمة لتوها من حمص ، عن مجازر لم تصل إلى سمعنا وصور لم يطالها طرفنا ،لعدم توفر الأجهزة الجوال على بساطتها في أيدي الثوار حينا  أو لانعدام الاتصال في معظم الأماكن  والأوقات حينا آخر ،حدثتني عن رضع في المهد ذبحوا طعنا بالسكاكين ،و شباب في عمر الورود نشرت أعضاءهم بالمنشار حتى ماتوا  ،وآخرون دفنوا أحياء ...حتى كانت مجزرة الحولة التي أيقظت بعض النيام ، فسحبت بعض الدول سفراءها !!و يا لفظاعة العقاب !!!!

لقد اجتازت رحلة العزم السورية الدروس الثلاث الأولى بنجاح ، رغم عظم شأنها وهول ابتلائها ...

ولم يتبق حتى تصل الرحلة أشواطها الأخيرة إلا النجاح في درسها الرابع ، مع نبي الله عيسى بن مريم...

خطوة واحدة لتبلغ الرحلة  آخر الشوط ويعلن أصحابها  الفوز على عبدة الأصنام وأعوانهم من المشركين والمنافقين وعبدة الجبت والطاغوت ...

سأل أحدهم "عبد الله" ، القادم من قلب المحنة السورية، ماذا يلزمكم حتى يتم لكم النصر بإذن الله؟؟؟؟

ألا تدعون الناس إلى مناصرتكم؟؟

 أجاب بثقة تامة : صدقني يا عم ،السوريون قادرون على  أن يحكوا جلودهم بأظافرهم  ...

فنحن شباب لا نعاني من قلة الأنفس ، ولكن مانعاني منه هو  قلة المال والعتاد ،

 لدينا شباب تطال عزائمهم الجبال ولكن  ، ليس بيدهم سلاح أو عتاد . الشباب لم يمسهم يأس أو قنوط أو جبن ،  لم يتراجعوا خطوة عن عزمهم المتين على النصر رغم القتل والتعذيب .

لقد قطعت رحلة العزم السورية   الشوط الأكبر والأصعب  من الابتلاءات فنجحت وانتصرت ولم يبق أمامها سوى الدرس الرابع مع "نبي الله عيسى بن مريم".

 ولكن يبدو من قصص أولي العزم أن كل ثورة على الجبت والطاغوت لا بد من متعاونين "من الملأ" ممن يخشون على  أموالهم  و مصالحهم " فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادى الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين".

أما آن لكم يا أصحاب المال أن تخطوا بمسيرة العزم خطوتها الأخيرة؟؟

 أما آن لكم أن تتقوا الله في أطفال  وشباب نحروا كنحر الشاء ، ونساء هتكت أعراضهم ، وأنتم تدعمون بأموالكم المجرمين و السفلة ؟

أما آن لكم يا أصحاب المال ، و يا أصحاب المناصب ، و يا أئمة الجوامع ،أن تتخذوا من زهد نبي الله           " عيسى بن مريم"  القدوة ؟؟؟

أما آن للمتحدثين عن "المؤامرة "أن يعلنوا الصحوة من سبات الألفة والاعتياد، والسير على خطى الآباء  "وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون"

يا أيها المتخلفين عن ركب الرحلة من متفرجين أو متعاونين ، سارعوا وساهموا، وابلغوا بالرحلة منتهاها وإلى ما أنزل الله في كتابه:

" فيه نبأ من كان قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، هو بالفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله ، وهو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم ، هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ،و لا يشبع منه العلماء ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم تنته الجن ، إذ سمعته ، حتى قالوا : (إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به) من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم"

 لقد تجاوز " محمد بن عبد الله النبي الأمي" الابتلاءات كلها ، وصبر على المحن ، وبالرغم من تميزه ، قائدا ناجحا ،جمع اللين مع الشجاعة ، والرأفة مع الشدة،  والتواضع مع كل مضامين العزم، إلا أن  الزمن يبقى  عنصرا أخيرا ، للابتلاء

 ويبقى توقيت النصر أمر موكل إلى الله سبحانه

"حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله؟ "

"ألا إن نصر الله قريب".