حين يتكلم الرئيس عن الوطن
حين يتكلم الرئيس عن الوطن
د. هشام رزوق
كلما سمعت رئيسا عربيا يتكلم عن الوطن وعن الوطنية إلا وتساءلت بيني وبين نفسي إن كان المتكلم يفهم معنى الوطن أو عن اي "وطن" يتكلم؟
من وجهة نظري، إذا كان الوطن بالمفهوم الجغرافي هو أرض معلومة الحدود والتضاريس يسكنها "مواطنون" تجمعهم عناصر مشتركة، اجتماعية وثقافية وحضارية كما يجمعهم تاريخ واحد وهموم مستقبلية متشابهة، فإن الوطن بالمفهوم السياسي يبنى على أساس المشاركة الفعلية لكل المواطنين لرسم معالم حاضره ومستقبله في جو من التآخي والاحترام بين جميع فئاته وأطيافه العرقية والدينية والمذهبية، تجمعهم الغيرة على بلدهم والدفاع عنه وعن أرضه وحدوده.
وبقدر ما يشعر الفرد بأنه محترم في بلده وأن وطنه يقدم له كل مقومات العيش الكريم، بقدر ما يكون مستعدا للدفاع عنه والتفاني في خدمته وخدمة أقرانه من أبناء شعبه. الوطن هنا هو شعور بالانتماء وشعور بالمسؤولية وهو ايضا واجبات مفروضة وحقوق يجب التمتع بها، حقوق اقتصادية وأخرى سياسية واجتماعية وثقافية.
بالمقابل، حين يكون الفرد مهانا ذليلا، جائعا فقيرا، حين لا يجد في وطنه مساحة ولو ضيقة من الحرية الفردية وحرية التعبير، حين يكون مقموعاً فكرياً وسياسيًا، حين لا يترك له المجال ليساهم في بناء بلده، ويعاقب أو يسجن أو يضطهد لرأي أفتى به، في جميع تلك الحالات يفقد المواطن إحساسه بوطنيته ولا يبقى للوطن أي معنى بالنسبة له، يصبح الوطن سجناً كبيرا يخنقه ويحبس أنفاسه غير مستعد للدفاع عنه أو التضحية من أجله بل يعمل بكل ما استطاع للهروب منه.
وهنا، حين يتكلم أي رئيس أو مسؤول عن الوطن والوطنية، عليه أن ينظر إلى السياسة التي يتبعها، وهل تشد الناس إلى ذاك الوطن أم التي تبعدهم عنه؟ أهي السياسة التي يشعر من خلالها كل المواطنين بالعزة والكرامة والعيش الكريم، أهي سياسة الانفتاح على كل أبناء الوطن وفتح المجال أمامهم للمساهمة ببنائه والتمتع بخيراته أم هي سياسة الإقصاء والعصا الغليظة، سياسة الرأي الواحد والحزب الواحد والفرد الزعيم؟
لا يوجد أي مبرر لأي فرد كي لا يكون وطنيا حين يتمتع بكل حقوقه وواجباته في وطنه، حين تكون الخبرة هي أساس استلام المهمات والترقيات، حين تكون المسؤولية موزعة على الجميع كل حسب مستواه العلمي والأدبي وخبرته، حين تنتفي المحسوبية والاستزلام، حين يسود القانون والقضاء العادل ويطبق على الجميع مهما كانت مواقعهم والمناصب التي يحتلونها، حين يسود الأمن والاطمئنان على الحاضر والمستقبل، حين يجد المواطن دولة تحميه وتدافع عنه وعن مصالحه في كل مكان من العالم.
ما معنى الوطن حين يتهم الحاكم شعبه بالخيانة؟ الأولى به أن يتهم نفسه. لا يوجد شعب خائن لوطنه، الشعب يفقد الثقة بحكامه الظالمين المستبدين وينزل إلى الشوارع احتجاجا على سياساتهم ومطالبا بالحرية والكرامة والعدالة، وذلك سلوك ليس فيه من الخيانة شيء ولكنه تعبير طبيعي عن الغضب والرفض للحاكم الظالم الذي يريد أن يساوي نفسه بالوطن أو أن يختزل الوطن بشخصه.
ما معنى الوطن حين يكون هناك مئات الآلاف، بل الملايين من العاطلين عن العمل ممن لم يجدوا فرصة للعيش الكريم ومنهم من يحمل شهادات جامعية ودراسات عليا وخبرات، ويضطرون للهجرة إلى بلاد الغربة التي يواجهون بها كل أنواع المهانة، الأجدر بالرئيس الحاكم أن يراجع نفسه وسياساته الاقتصادية التي أوصلت الناس إلى هذا الوضع المأساوي لا أن يتهمهم بشرفهم ووطنيتهم.
ما معنى الوطن حين يكون هناك عشرات الآلاف من المعارضين في الخارج نتيجة سياسة القمع والاضطهاد التي يمارسها الحاكم؟ ليس هناك من يختار الغربة عن طيب خاطر. لو توفر الحد الأدنى من حرية التعبير وحرية الرأي في الداخل لما وجدنا تلك الألوف المؤلفة من خيرة المواطنين المناضلين يفرون خارج الحدود طلباً للسلامة ولقمة العيش وفسحة من الحرية.
حين يقر حاكم أن شعبه أصبح عدواً له، ويبدأ بقتله بكل أنواع الأسلحة التي اشتراها من عرق وجهد أبناء الشعب، والتي من المفروض أن يحمي بها حدود الوطن ويحرر الجزء المحتل منه، فعليه أن يحترم نفسه وينسحب من المسؤولية لأن ذلك يعبر عن أعلى درجات الإفلاس السياسي والأخلاقي والفشل على كل الأصعدة مما ينزع عنه كل شرعية شعبية أو سياسية أو أخلاقية، ويتحول إلى زعيم عصابة لا أكثر.
الوطن ليس مزرعة خاصة والشعب ليس قطيعا من الغنم يقاد بالعصا وبعدد من الكلاب، الوطن أسمى من ذلك بكثير، والحكام هم الذين يخونون أوطانهم وليس الشعوب، وفي هذه الحالة يكون خلعهم ومحاسبتهم هو الطريق الصحيح لبناء وطن جديد يحقق الحرية والعزة والكرامة لجميع أبنائه.