ماقاله جورج صبرا في هيوستن
ومالم يقله
طريف يوسف آغا
كانت هيوستن على موعد مساء أمس الأحد 18 كانون الثاني 2015 مع (جورج صبرا) في أحد مدرجات جامعة (رايس) ليشرح للحضور، والكثير منهم من الأمريكيين، حجم المأساة الانسانية التي حلت بالشعب السوري على مدى الأربع سنوات الماضية. فماذا قال لهم وماذا لم يقل؟
قابلت الرجل قبل دقائق من المحاضرة، وسرعان مااكتشفت أنه صديق حميم لشخصين أعرفهما عز المعرفة، فعلق ضاحكاً بأن السوريين ماأن يلتقوا حتى يجدوا أن هناك عوامل مشتركة وحميمة تجمعهم، إما أشخاصاً أو أمكنة، وهذا إن دل على شئ فعلى أنهم شعب واحد بغض النظر عن دينهم أو عرقهم أو توجهاتهم السياسية. لاشك أن (جورج صبرا) لايحتاج لشهادة حسن سلوك من أحد، فهو خريج دار المعلمين وكلية الجغرافية في جامعة دمشق، كما ودرس تقنيات أنظمة التعليم والبرامج التربوية في جامعة انديانا الأمريكية. وإلى جانب ذلك فهو واحد من رموز المعارضة السياسية في سورية منذ الثمانينيات والتي مارسها ضمن صفوف الحزب الشيوعي ودفع ثمنها لنظام الأسد الأب ثماني سنوات قضاها في سجن صيدنايا (1987-1995). كما وتم اعتقاله مجدداً على يد نظام الابن مع انطلاق الثورة عام 2011 واطلق سراحه بعد شهرين ليغادر إلى فرنسا وينضم للمجلس الوطني ثم ليرأسه عام 2012. وكونه شيوعياً وكون الكثير من السوريين لايحبون الشيوعية وأنا منهم، لايقلل من قدر الرجل ولا من الدور الذي لعبه في الماضي ومايزال يلعبه اليوم في معارضة نظام سفاح قل من كان يتجرأ على معارضته وبالعلن. وهذه هي ميزة الدولة المدنية التي نطمح إليها والتي فيها متسع لكافة الأديان والمذاهب والأديولوجيات تحت سقف القانون والدستور المفصلين على قياس الشعب وليس الفرد أو طائفة بذاتها أو لحماية مصالح خارجية.
كانت محاضرته في هيوستن أمس مليئة بالمعلومات الرقمية التي حددت حجم الخسائر الهائلة التي لحقت بالشعب السوري والبنية التحتية للبلاد على يد النظام والمرتزقة الذين يقاتلون إلى جانبه. كما وتحدث الرجل عن العاملين الروسي والايراني ودورهما في إطالة عمر هذا النظام من خلال دعمه بالأسلحة والمقاتلين، وكذلك عن عامل الغرب الذي يتكلم أكثر مما يفعل ويضع الحجج بعد الحجج كي يبقى متفرجاً. تكلم أيضاً عن عامل المنظمات التكفيرية مثل (داعش) التي ظهرت مؤخراً وجعلت العالم بشرقه وغربه يهمل شأن الشعب السوري وثورته ويركز اهتمامه على محاربة تلك التنظيمات الارهابية معطياً النظام المجرم مزيداً من الوقت والفرص لتدمير البلد وقتل وتهجير الشعب. وتطرق إلى أهمية زيادة الضغط على الادارة الأمريكية والاتحاد الأوربي لحسم أمرهما بتسليح الجيش الحر والكتائب المعتدلة المتحالفة معه، وكذلك زيادة الضغط الاقتصادي على الروس والايرانيين لايقاف دعمها للنظام المافيوي قاتل شعبه.
خلال محاضرته التي امتدت لأقل من ساعة، عرض الرجل كافة الأرقام التي تقدر حجم مأساة السوريين واستعرض معظم العوامل التي تؤثر بها. وهنا أقول معظم العوامل وليس كلها لأنه أهمل، عن قصد أو بدون قصد، أهمها على الاطلاق: وهو العامل الاسرائيلي. وكنت قد أشرت إلى هذا العامل في العديد من مقالاتي ونثرياتي على مدى السنوات الأربعة الماضية، وقلت أنه حتى لو تخلت روسيا وإيران عن بشار الأسد وبقيت إسرائيل متمسكة به، فهو لن يسقط. فهذا النظام بدأ تحضيره منذ بدأ التحضير لقيام دولة إسرائيل (معاهدة سايكس- بيكو ووعد بلفور) وبالتالي فهو السند الاقليمي الرئيسي لهذه الدولة في المنطقة، والوثيقة العلوية- الفرنسية الشهيرة أكبر دليل على ذلك. ناهيك عن سياساته المعادية للعرب عموماً وللسوريين والفلسطينيين واللبنانيين خصوصاً منذ نشأته وحتى اليوم، ومجازره وجرائمه ضد هذه الشعوب في سورية ولبنان أكبر دليل على ذلك. الكل بات يعرف أن أهمية عائلة الأسد لاسرائيل تكمن في أهمية الجولان، والذي تكمن أهميته في أنه مصدر مياه الشرب الوحيد للدولة العبرية. والكل بات يعرف أيضاً أن الأسد الأب هو من أهدى الجولان لاسرائيل في حرب حزيران 1967 دون قتال حين كان وزيراً للدفاع ليصبح بعد ثلاث سنوات رئيساً للبلاد إثر إنقلاب عسكري تغلب عليه ملامح (المكافأة) أكثر مما فيه من ملامح (حركة تصحيحية).
ولكن وحتى نكون أكثر دقة، فان محنة السوريين ليست في إسرائيل بحد ذاتها، ولكن في الجناح اليميني المتطرف في حزب الليكود المستأثر بالحكم على معظم سنوات العقود الأربعة الماضية. ناتانياهو اليوم هو واحد من هؤلاء، وسبقه في الماضي شارون وشامير وبيغين، ورأينا كيف قام هذا اليمين المتطرف باغتيال رابين حين نوى الأخير أن يسير باتجاه السلام. حالة اللاحرب واللاسلم هي دائماً غاية الليكود الاسرائيلي، فهي تخدمه في إبقائه في الحكم عبر تخويفه للشعب الاسرائيلي من تهديد (الارهاب العربي)، كما وتخدم نظام الأسد المافيوي بابقائه (زعيماً للمقاومة والممانعة). كل هذا أنتج (عدوين) لايستغني أحدهما عن الآخر، ولاتتعدى حربهما لبعض وسائل الاعلام أو بعض المناوشات المسرحية لاأكثر. إذاً العامل الأهم هنا هو اليمين المتطرف المستأثر بالحكم في إسرائيل، والذي قبل أن يكون العدو الحقيقي للشعوب العربية كافة، فهو عدو لشعبه بالدرجة الأولى. ولأن مصلحة الجميع تكمن في السلام العادل، بالتالي فعلى الاسرائيليين إدارة ظهورهم لهذه الثلة المجرمة واستبدالها بحكومة ترغب في السلام وتمد يدها لكافة شعوب المنطقة وتدعم نضالها من أجل الحرية والكرامة، لا أن تدعم أنظمتها الديكتاتورية لمجرد أنها تغض الطرف عن ابتلاعها لحقوق الشعب الفلسطيني. لم يعد سراً أن الادارة الأمريكية الحالية أيضاً غير راضية على هذه السياسات الاسرائيلية المتطرفة، وكذلك كان الحال مع العديد من الادارات السابقة، ولكنها تخشى تأثير اللوبي الاسرائيلي على صانعي القرار في مجلسي النواب والشيوخ. وينطبق عدم الرضا هذا على العديد من الدول الأوربية وغير الأوربية، والتي وبسبب عدم وجود أي لوبي إسرائيلي مؤثر فيها، فقد بدأت تظهر عدم رضاها بصورة أكثر جرأة من خلال طرح موضوع التصويت على قيام الدولة الفلسطينية دون التشاور مع حكومة نتانياهو.
ويبدو أن الوقت الحالي هو الأنسب لحث الأمريكيين والأوربيين، إذا كانت لديهم النية حقاً، لتشديد الضغط على الحكومة الاسرائيلية لرفع الفيتو التي تضعه على نظام الأسد، أو للاستقالة وفتح الطريق أمام حكومة معتدلة ترغب في سلام حقيقي. سلام ليس مع الفلسطينيين فقط، ولكن مع كافة جيرانها العرب، وهذا لن يحصل إلا بعد تنظيف دول الجوار من قمامة الديكتاتورية أولاً.