تجري الأوجاع
تجري الأوجاع
إبراهيم جوهر - القدس
تجري الأوجاع
تجري الأوجاع بما لا تشتهي النفوس !
حقّ القول على تخطيطي ليومي هذا . كان صباحي ككل صباح وإن بمعان نسبية ، قلت لنفسي : سأنهي جولتي الصباحية في النظر إلى الأفق البعيد ، وفي مراقبة حركة ما يحط على مقربة مني من طيور ، ثم سأزور بناية المحكمة الشرعية لاستصدار جوازي سفر لابنتي ( آية ) و ولدي ( محمد) وسأعدل الاسم الشخصي من ( جوهر) إلى اسم العشيرة (شقيرات) وفق التسمية الدارجة في بطاقة الهوية الشخصية الصادرة هنا في القدس بعد العام 1967 م.
بقيت باسمين ؛ الأول هو الأقرب لي والأكثر تخصيصا وتمييزا . وقت جاء رجل الإحصاء في العام المذكور سأل عن اسم الحمولة فقال أبي (شقيرات) ولم يسأل عن العائلة ليقول له ( جوهر ) . شهادة ميلادي تحمل اسم العائلة ، وكذا شهاداتي المدرسية والجامعية ، ومعاملاتي جميعها تحمل اسم العائلة ذاته ( جوهر) ...اليوم يجب توحيد الاسم .
قلت سأذهب إلى مكتب الجوازات في المحكمة الشرعية في شارع صلاح الدين بالقدس لأجري المعاملات اللازمة ، ولم أنفّذ وعدي لذاتي بل ذهبت للنوم !
نوم في الصباح ؟!!
نعم . هل كان يقصدني الشاعر بقوله : ( ناموا ولا تستيقظوا ، ما فاز إلا النوّم )؟!! أم قصد قومي ؟
المهم أنني نمت ، لا أدري هربا أم مرضا أم وجعا ؟!!
تجري الأوجاع بما لم تحسب له حسابا ، وتأتيك من حيث لا تحتسب ولم تضرب لها موعدا ...ولم أذهب ، واصلت النوم في يوم عطلتي الأسبوعية .
( أيهرب الواحد منا من آخره الكامن فيه ؟! ) أسأل بجدية عالية .
منعني النوم المرضي من حضور احتفال أطول مائدة للغذاء الصحي في القدس الذي تنظمه ( جمعية التنمية والثقافة العربية ) وشركة ( إخوان علي شقيرات للبناء ) . الاحتفال المقدسي سيقام على ملعب مدرسة المطران المحاذي لشارع صلاح الدين . القدس ستكون في موسوعة ( جينيس) بأطول مائدة للغذاء الصحي .
صباحا قلت : القدس ستكون حاضرة في وسائل الإعلام وعلى شاشات التلفزة وهي ترسل رسالتها الصحية إلى العالم ؛ رسالة حضارة وسلام وعودة إلى جذور النقاء بعيدا عن عبث الأسمدة الكيماوية المسرطنة ، فيكفي سرطان الاستيطان ...
راقبت شاشتنا الوطنية فخاب فألي ....
القدس يتيمة . أعلم فقرات الاحتفال الثقافية الفنية السياسية ، وأقف على رسائله الكامنة في الحدث والحضور والمكان . قلت : القدس يتيمة . وحزنت .
ليلك ، وزبد ، وعبث يغطي وجه اليوم .
كتب المحامي (جواد بولس ) اليوم في صحيفة (القدس) : " ...أهرب من زبد حيفا فأسقط في عبث رام الله ؛ الكل يخوّن الكل . حب كحب الأفاعي وكعناقها .لا يجتمع اثنان إلا والنميمة ثالثة والاستغابة سيدة . ثورة تعيش على قصيدة ووطن كان في حقيبة فرحل صاحب الحقيبة وتاه الوطن ..."
يلمس الكاتب وجع المرحلة وبؤس الساسة . إنه يعيش مثلي في الليلك ، ويعبّر بالكلمات عن وجع لا يحتمل .
وحدة مستعربين ستعمل في الشيخ جراح ، نقلت الأنباء .
لن أطرح التحية بعد اليوم كما اعتدنا في ثقافتنا ، فيمكن أن يكون الذي أصدفه في الطريق ( مستعربا) يترصد أحد المارين ...!
( كم هي بشعة هذه الفكرة ) !!
حكومة تقوم على الهوس الأمني ، وتسمع صرخات الكذب الفاجرة من أدعيائها ....
كنيس في سلوان ينتظر الافتتاح ،
مستعربون في الشيخ جراح ، ومستوطنون ، وأعلام .
زبد في حيفا ،
عبث في رام الله ،
انتخابات في مصر ...
ومصالحة عادت إلى المربع الأول .
...تجري الأوجاع ...إلى متى ؟