شهداؤنا يصرخون: لا تخونوا مصر!!
حسام مقلد *
أسفرت النتائج شبه الرسمية للجولة الأولى من انتخابات الرئاسة المصرية عن مفاجأة صاعقة للكثيرين!! فقد حلَّ الفريق أحمد شفيق في المركز الثاني بعد الدكتور محمد مرسي مرشح حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للإخوان المسلمين، والمشهد الآن يبدو بكل بساطة كالتالي:
الشعب المصري العظيم الذي قام بثورة 25يناير المجيدة يجد نفسه بعد أكثر من خمسة عشر شهراً مخيراً بين أمرين: فإما أن يختار لرئاسته رجلا من أبناء الثورة المخلصين لها، وجنديا من جنودها الأوفياء، ويقف وراءه حزب قوي حمى أبناؤه ـ من الإخوان المسلمين ـ الثورة بشجاعة نادرة شهد بها الجميع، ويريد بناء مصر الدولة المدنية الحديثة على أسس قوية ودعائم راسخة مستنداً لمرجعية إسلامية خالدة تشكل مظلة حضارية لجميع المصريين!!
أو أن يختار لرئاسته تلميذاً من أبناء مبارك الذي ثار عليه الشعب وأسقط حكمه، ويسانده ويدعمه نفس النظام البائد الذي وقف ضد المصريين في موقعة الجمل ـ وغيرها...!! ـ وقتل المئات من أبنائهم الشرفاء، وهو لا يقدم جديداً لمصر، وليس لديه أي مشروع لنهضتها، ولا يَعِد أبناءَها سوى بمزيد من الإفقار والإذلال والمهانة والتبعية ... وهذه على أية حال هي حصيلة ما قدمه لمصر طوال العقود الستة الماضية!!
ولكن ماذا...؟!!! هل نسمح بأن يعود مبارك لحكم مصر تحت اسم جديد؟! هل كنا نحلم طوال الأشهر الماضية؟! وهل يمكن أن ينقلب الحلم الجميل بالتغير والتقدم والازدهار إلى كابوس مرعب؟! ماذا..؟!! هل كانت الحكاية كلها خدعة؟! وهل تنطلي اللعبة على المصريين فيقعون في الفخ؟! مستحيل!!
نعم مستحيل!! مستحيل أن يسمح المصريون بعودة مبارك ونظامه ليحكمهم ثانية!! مستحيل أن ينخدع المصريون بهذه الأقنعة الجديدة التي يرتديها عدوهم الذين قاموا بالثورة عليه!! مستحيل أن يضحي المصريون بشهدائهم أو يفرطوا في دماء أبنائهم الشرفاء!! مستحيل...!! مستحيل أن يصبح الشعب المصري الذكي صاحب الحضارة العريقة والتراث الحضاري الكبير، والإرث الإنساني الزاخر ساذجا إلى هذا الحد!!
ماذا..؟!! لا نكاد نصدق...!! هل يفوز مبارك (بقناع شفيق) مجددا؟! ماذا..؟! من خلعناه بالثورة نعيده نحن بأيدينا وبانتخابات حرة نزيهة؟!!!
· ألم يقل شفيق: إن مثله الأعلى هو مبارك؟!
· ألم يقل: إذا تم انتخابي فسأمحو ميدان التحرير من على الخريطة؟!
· ألم يقل اليهود عن شفيق: إنه أنسب المرشحين لرئاسة مصر؟!!
· ألم يقل الفلول والطائفيون في مصر عن شفيق: إنه منقذهم وأفضل المرشحين بالنسبة إليهم؟!
· ثم هل شفيق سوى صورة باهتة لمشروع فاشل سقط وانهار بعد ثورتنا المباركة في 25يناير؟! فبأي حق يطل علينا هذا المشروع مجددا؟! وكيف نعيده للحكم بأيدينا ؟!
يا إلهي!! ما الذي يجري..؟! ماذا..؟!! هل من الممكن أن ينتخب المصريون تلميذ مبارك الكنز الاستراتيجي لإسرائيل؟!! إن فوز تلميذ مبارك في الانتخابات وعودة نظامه البائد مجددا لحكم مصر يعد كارثة حقيقية على مستقبل مصر والمصريين!! ولا أفهم بالفعل ما نفعله بأنفسنا وحاضرنا ومستقبل أبنائنا!! وربما كثيرون غيري يتساءلون: لماذا ندفع وطننا نحو هذه الحالة الكارثية من الفوضى والإفلاس السياسي والاقتصادي والإنساني والأخلاقي والقيمي؟!
كلا..!! كلا.. مؤكد أن ذلك لن يحدث، لن يختار المصريون أبدا النظام القديم!! ومن فضل الله ورحمته أن الفرصة لا تزال قائمة أمامنا فلندعم مرشح حزب الحرة والعدالة الدكتور محمد مرسي، لنقف وراءه بكل قوة في جولة الإعادة، طبعاً ستكون المنافسة شرسة للغاية، لكنها بكل معنى الكلمة حرب فاصلة في تاريخ مصر، ومن واجب كل أنصار الثورة وشبابها ورجالها ونسائها الوقوف سدًّا منيعاً في وجه الفلول، يجب علينا منع محاولة إرجاع مبارك للحكم حتى ولو كان متخفيًا في زي أحمد شفيق الذي شارك في قتل أبنائنا في موقعة الجمل!!
أعلم أن هناك من يتخوف من سيطرة الإخوان المسلمين على الحكم، وأدرك أن هناك حملات تشويه شرسة حيكت بمهارة شديدة ضدهم، وربما نجحت في صرف بعض الأصوات عن مرشحهم في الجولة الأولى من الانتخابات، لكن لا ضرر من أن نجربهم في الحكم، ولا بديل عن ذلك الآن سوى أن نذبح ثورتنا بأيدينا!! وما زال أمامنا جولة الإعادة، ويمكننا من خلالها توجيه ضربة قاصمة للفلول وإبعادهم عن الساحة تماما، ونتمنى من جميع قوى الثورة والسلفيين اغتنام الفرصة الأخيرة لإنقاذ مصر وثورتها!!
ويتساءل الكثيرون: أين الصوت السلفي؟ أين حماة الإسلام وحماة المرجعية الإسلامية؟ ها هي الأعذار قد زالت من أمامكم، وها هي الفرصة في توحيد القوى الإسلامية قد واتتكم، فهل تجمعون صفوفكم وتحشدون أنصاركم لمساندة الدكتور مرسي في مواجهة الفلول أم ستهربون من المواجهة وتتخلون عن مسئوليتكم؟! عموما أنتم أعلم منا بأمور الشرع وبالأحكام الشرعية، وأنا كالكثيرين غيري واثق من إخلاصكم وحبكم الشديد لله ورسوله، وكذا حبكم الشديد لوطنكم وأمتكم، وحرصكم البالغ على نصرة الحق فهيا احشدوا أنصاركم وركزوا قواكم وقفوا في وجه الفلول واقطعوا الطريق عليهم.
وبالنسبة لأنصار الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح فماذا سيفعلون الآن؟ في الحقيقة أنا شخصيا من محبي أبو الفتوح لكنني لم أنتخبه في الجولة الأولى من الانتخابات حتى لا ينقسم الصوت الإسلامي ونصل إلى ما وصلنا إليه، ولكن أما وقد حدث ذلك، ونحن الآن أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما فما من شك في أن مصلحة مصر ـ وهي مصلحتنا جميعا ـ تتمثل بوضوح شديد في الوقوف ضد الفلول ومنع عودة مبارك ونظامه للحكم، ومن هنا أناشد أنصار الدكتور أبو الفتوح وكذا أنصار الأستاذ حمدين صباحي والدكتور محمد سليم العوَّا النزول بقوة لدعم الدكتور مرسي في جولة الإعادة وقطع الطريق على شفيق الذي قد يتسبب مجيئه للحكم في حدوث كارثة حقيقية في مصر لا قدر الله!!
أدرك أن النفوس مشحونة بالأسى ومليئة بالحزن والشجن، ولكن لا داعي للمحاسبة الآن وتضييع الوقت والجهد في التلاوم والنقد والعتاب، فالثورة المصرية المباركة بإذن الله تعالى قاب قوسين أو أدنى من النصر، وقد دنت كثيرا لحظه الانتصار ولاحت في الآفاق، لكن علينا التكاتف والوقوف سدا منيعا أمام عودة الفلول ومرشحهم.
ولا داعي الآن مطلقا لتبادل الاتهامات وتقاذفها، ولا مكان لأن نقول: لماذا لم يتنازل فلان لفلان؟ لماذا شققنا الصوت الإسلامي فما حدث قد حدث، ونحن الآن بين خيار الانحياز للثورة حتى ولو جاءت بالإخوان على غير رغبة البعض منا، وبين العودة إلى النظام السابق وإهدار دماء أبنائنا وتضحيات شهدائنا وإدخال بلادنا في نفق مظلم لا يعلم إلا الله وحده متى وكيفية الخروج منه؟ فلنتحد جميعا خلف مرسي... ليس حبا فيه ـ لمن لم يكن يريد الإخوان ـ ولكن كرها في شفيق النسخة الجديدة من مبارك!
وليتنا نتعلم ونستفيد من تجارب الآخرين خاصة الدول العريقة في الديمقراطية، ففي فرنسا على سبيل المثال احتدم الصراع في انتخابات الرئاسة عام 2002م بين السياسي الفرنسي اليميني المتطرف (جان ماري لوبن) وبين (جاك شيراك) وفي جولة الإعادة اتحد كثير من أطياف الناخبين الفرنسيين من قوى سياسية مختلفة بل متصارعة، وصوتوا لـ (شيراك) وهو خصمهم؛ وبذلك حالوا دون وصول (جان ماري لوبن) لكرسي رئاسة الجمهورية الفرنسية، ونجح شيراك في الفوز بولاية رئاسة ثانية!!
وأعتقد أنه منطقي جداً الآن أن يتحد شباب الثورة وأنصار أبو الفتوح وصباحي والعوا وخالد علي وغيرهم، وأن نقف جميعا بقوة خلف محمد مرسي لقطع الطريق على الفلول؛ لحماية مصر وشعبها من شرهم!
* كاتب إسلامي مصري