هل يهدد الأسد بالفوضى أو يحذر منها؟!

هل يهدد الأسد بالفوضى أو يحذر منها؟!

ياسر الزعاترة

في آخر ظهور إعلامي له (مقابلة روسيا 24)، حذر بشار الأسد الدول “التي تبث الفوضى في سوريا”، من أنها “قد تعاني منها”، وزاد قائلا “بالنسبة لقادة هذه الدول أصبح واضحا أن هذا ليس ربيعا، بل فوضى وكما قلت من قبل إذا قمتم بنشر الفوضى في سوريا فإنكم ستعانون منها”، مضيفا “وهم يفهمون ذلك”.

ليس من العسير القول إن جزءًا من كلام بشار الأسد ربما كان موجها لبعض دول الجوار، بخاصة تركيا التي تتواجد فيها أقلية علوية ربما تنتصر بهذا الشكل أو ذاك لنظامه عبر قلائل تثيرها أو تُدفع لإثارتها من أجل إحداث بلبلة في البلاد تنتقم من حزب العدالة والتنمية الحاكم بسبب موقفه من الثورة السورية، وقد ينطبق هذا الكلام على الأردن، وربما لبنان في إشارة للقوى التي تناصر للثورة، مع أن البلد يخضع عمليا لسيطرة حزب الله المؤيد بقوة للنظام.

لكن الرسالة الأهم التي ينطوي عليها الكلام لا تشير إلى قلاقل بوسع النظام إثارتها في الدول التي تناصر الثورة بهذا القدر أو ذاك مثل السعودية وقطر (البحرين فيها قلاقل لا تستدعي إثارة من النظام)، بل ينطوي على تحذير لها من أن نهاية الثورة السورية ستضع حدا للربيع العربي، بينما سيؤدي نجاحها إلى إثارة شهية شعوبها للمطالبة بالإصلاح السياسي، الأمر الذي قد يعني شكلا من أشكال الفوضى.

والحال أننا إزاء تحذير بالغ الخبث، لأن الثورة السورية قد عطلت عمليا الربيع العربي في ظل اهتمام شعبي عربي عارم بمجرياتها اليومية؛ خاصة في دول الخليج التي زاد انحياز شعوبها لثورة سوريا تبعا للحشد المذهبي الذي كان في بعض تجلياته نتاج إثارة سياسية في مواجهة إيران من جهة، ومن جهة أخرى تحذيرا للشارع من إمكانية استغلال الأقليات الشيعية لمطالب الإصلاح من أجل رفع سقف مطالبها وإثارة القلاقل الداخلية في مواجهة الأنظمة.

يجدر بنا التذكير هنا بتحذير الأسد لأمريكا والغرب من “الفالق الزلزالي” الذي تمثله سوريا تبعا لخطورة تغيير وضعها على أمن الكيان الصهيوني، تماما كما فعل حبيبه وخازن ثرواته (رامي مخلوف) في مقابلته مع “نيويورك تايمز” العام الماضي؛ الأمر الذي يعني مساومة رخيصة تقايض وجود النظام بأمن دولة الاحتلال، في نسف لمقولات المقاومة والممانعة التقليدية.

الآن يلوّح الأسد لبعض الدول العربية بأن إفشال الثورة في سوريا يعني ضربا لمسيرة الربيع العربي وإنهاءً لحراك الشارع الإصلاحي، الأمر الذي يصب في مصلحتها، خلافا للحال لو نجحت الثورة، ما يعني أن عليها أن تكف عن دعم الثورة حتى لا تجني ثمار ذلك فوضى داخلية.

اللافت هنا أن الأسد قد وصم الربيع العربي كله بأنه “فوضى”، الأمر الذي خالف ما كان عليه الحال عندما رحب نظامه بانتفاضة الشعب التونسي، ومن بعدها انتفاضة الشعب المصري واليمني، وفي ذلك ما فيه من تناقض، بل من فضح للحقيقة التي يسعى بشار وشبيحته في الداخل والخارج إلى إخفائها ممثلة في أن ثورة سوريا تنتمي للربيع العربي ولا صلة لها بالمؤامرة المزعومة على المقاومة والممانعة.

هي إذن تصريحات تفضح طبيعة النظام ونهج تفكيره أكثر من أي شيء آخر، ولا قيمة بعد ذلك لما ورد في المقابلة من حديث عن الانتخابات المهزلة التي اعتبرها تأكيدا على وقوف الشارع السوري معه ضد المعارضة، ويؤيد الإصلاحات التي أجراها، تلك التي كانت من الهزال بحيث استبدلت في الدستور الجديد حزب البعث القائد بالقائد التاريخي الذي يسيطر على كل شيء في البلاد، مع أن حزب البعث لم يعد قائدا منذ سنوات طويلة بعدما تحول النظام إلى نظام أسرة داخل الطائفة.

بقي القول إن تحذير الأسد الخبيث ربما وجد آذانا صاغية لدى البعض، لكن الشعب السوري لم يعد معتمدا في ثورته على جهة بعينها، كما أن أكثر الأنظمة التي تؤيد الثورة لم يعد بوسعها الانقلاب على موقفها في ظل انحياز شعوبها العارم للثورة، بل إن تغييرا من هذا النوع ربما أدى إلى نتيجة عكسية.

ليس أمام الأسد والحالة هذه غير الرحيل، فبعد هذه الأنهار من الدماء والخراب والتعذيب، لم يعد ممكنا الحديث عن إصلاحات مهما كانت، والانتصار هو قدر السوريين مهما طال الزمن وعظمت التضحيات.