الحد الفاصل بين اختطاف الثورة الشعبية ووحدة المخلصين من ثوار وسياسيين

يا ثوار سورية اتحدوا -5

الحد الفاصل بين اختطاف الثورة الشعبية

ووحدة المخلصين من ثوار وسياسيين

نبيل شبيب

إنّ الدعوة المتكرّرة إلى إيجاد شكل من أشكال التوحيد القائم على التنسيق والتكامل بين القوى الثورية في سورية، مع الحفاظ على الاستقلال الذاتي الميداني لكل منها، والدعوة المتكررة إلى شكل من أشكال التوحيد القائم على التنسيق والتكامل بين القوى السياسية المخلصة للثورة الشعبية في سورية، مع الحفاظ على الاستقلال الذاتي لكل منها.. هي دعوة صادرة عن اليقين بأن هذا أصبح شرطا بالغ الأهمية في المرحلة الراهنة، مرحلة وصول جهود اختطاف هذه الثورة إلى منعطف حاسم بين "الإعداد والحسم".

ولا تنفرد الثورة الشعبية في سورية بتعرّضها في هذه المرحلة لخطر الاختطاف لمصلحة هيمنة أجنبية تقوم على صيغة حكم جديدة، استبدادية المضمون، ديمقراطية العنوان، ولن يقف في وجه هذا الخطر إلاّ التقاء عناصر البطولة والتضحية الشعبية الواعية، مع ارتفاع وعي القادة الثوار سياسيا وليس في صناعة الفعاليات الميدانية فقط، وفي تلاقيهم على نهج مشترك، وتحوّل خارطة المعارضة السياسية الحالية من خارطة صراع بين قوى تقليدية إلى خارطة تعاون بين قوى سياسية ناهضة.

. . .

بعيدا عن الطرح التضليلي المستهجن للعصابات الاستبدادية المتسلّطة في سورية تحت عنوان معروف: "المؤامرة الدولية"، وبعيدا عن قابلية تصديق أنّ هذه المؤامرة تجري ضد "النظام" الذي اعتبر نفسه "مالك مزرعة"، أو ضدّ خدماته الجلّى لصالح من يزعم أنه يحمل راية "المقاومة والممانعة" ضدّهم.. بعيدا عن هذا وذاك لا ينبغي التهاون مع حقيقة وجود "مطامع هيمنة أجنبية" و"مطامع سيطرة فئوية سياسية محلية"، وصلت درجة خطرها الآن إلى مرحلة متقدمة، بقدر ما اقتربت ساعة "سقوط العصابات المتسلّطة" وبقدر ما بلغ قمع التضحيات والبطولات الشعبية مبلغه في "إنهاك" القوى الشعبية المخلصة الثائرة.

ونعلم أنّ الخطر الخارجي لاختطاف الثورات، خطر مرئي، مصدره معروف ومرفوض، بل إنّ بلادنا عموما مختطفة عبر التبعية الطوعية أو الاضطرارية من جانب الأنظمة الاستبدادية لهيمنة القوى الدولية، وجاءت ثورات الربيع العربي فبدأت عملية "استرجاع" بلادنا من الارتهان لتلك التبعية الأجنبية، وعندما تنطلق الشعوب في ثوراتها من قلب هذا "الاحتلال الاستبدادي/ الأجنبي" الجاثم فوق الأوطان منذ عشرات السنين، لن يتوقف مسار ثوراتها مهما بلغ شأن التحرّك المضاد: العمل على اختطاف الثورات بتدبير أجنبي.

أما الخطر الداخلي لاختطاف الثورات فهو الخطر الأكبر لأنه خطر مموّه متنكّر، فمن يعمل له يمارسه في الدرجة الأولى تحت عنوان "الوطنية" وليس سهلا التمييز بينه وبين من يعمل للثورة صادقا تحت العنوان ذاته، بل ليس من مصلحة مسار الثورة -آنيّا- الدخول في معركة جانبية مع فئة تريد تجيير ما يحققه الشعب الثائر لصالحها.

إنّ الخطر الراهن الأكبر لاختطاف الثورات هو التقاء هذين الخطرين معا، فالقوى الدولية الحريصة على استمرار هيمنتها عالميا، أدركت استحالة تحقيق مطامعها عبر حروب مباشرة كما كان في العراق وأفغانستان، وأدركت استحالة التمويه على ما تصنع بنفسها ولكن عبر استنساخ الاستبداد على شكل فئات تأتي -كما بات معروفا- على ظهر دبابات أجنبية عدوانية.. البديل هو الاعتماد على أصحاب لباس وطني منهم من ليس له من الوطنية سوى "اللباس"، ومنهم من يحسبون -وساء ما يحسبون- استحالة النصر إلا عبر ربط عجلة الثورة بعجلة أجنبية.

. . .

تكاد مساعي اختطاف ثورات الربيع العربي حاليا تمثل نماذج مشهودة مباشرة على أساليب الاختطاف المتبعة بتلاقي هذين الخطرين، الداخلي والخارجي معا. ومن ذلك باختصار شديد وعلى سبيل المثال دون الحصر:

لم تصل الثورة الشعبية في اليمن إلى تغيير جذري شامل يستأصل الاستبداد المحلي بمختلف أشكاله المتغلغلة في مفاصل الدولة لبناء دولة جديدة، صادرة بمختلف دعاماتها الأساسية -دستورا وبنى سياسية وعسكرية واقتصادية وأمنية- عن الثورة.. وقوى الثورة الشعبية.

ولا تزال الثورة الشعبية في مصر "مستمرّة" رغم سقوط العصابات الحاكمة من قبل، ولا تزال سلامة مسارها في المراحل القادمة مرتبطة ارتباطا وثيقا بمدى قدرة القوى المخلصة في الثورة الشعبية على الوصول بنفسها إلى الإمساك بزمام السلطة على كل صعيد سياسي وعسكري واقتصادي وأمني.

أمّا الثورة الشعبية التاريخية في سورية فتخوض مثل هذه الجولة "الآن"، أي قبل استكمال إسقاط العصابات المتسلّطة، ولم تنقطع جهود اختطاف الثورة وجولاتها السابقة على المسرح السياسي الخارجي لحظة واحدة منذ اندلاعها، ويوجد كثير من المؤشرات على أنّها بلغت المرحلة الحاسمة، وعلى أنّ جهود اختطاف الثورة استنادا إلى الخطرين الخارجي والداخلي معا، أصبحت في هذه الأيام جهودا مكثقة منسّقة مضاعفة، واقتربت ساعة الحسم بمنظور من يقف من ورائها.

. . .

لا يزال كثير من الثوار يرون في كل مبادرة من "المبادرات" المتتابعة أثناء الثورة ورغم ثقل التضحيات فيها ما يسمّونه "مهلة القتل" لصالح "النظام". والأرجح أنّ هذا "نصف المشهد" والنصف الثاني أنّ كل مبادرة وما تعنيه من "فترة زمنية" تعطي في الوقت نفسه "مهلة المقاومة" لتوجيه مزيد من الضربات لما يسمّى "النظام"، أو بتعبير مبسط هي "مبادرات متتابعة" لإنهاك الطرفين في وقت واحد.. فالمطلوب إضعاف قوة العصابات المتسلّطة وإضعاف القوى الشعبية الثورية في وقت واحد -ويتزامن ذلك مع تهيئة المسرح السياسي الدولي لتدخل أجنبي- كي توجد "الثغرة" المطلوبة أمام قوى "متسلّقة" ضعيفة ذاتيا في الأصل فيتكامل تلميع وجودها تحت عناوين "ثورية ووطنية وسياسية" ويجري العمل على وصولها هي بدعم أجنبي إلى مفاصل صناعة مستقبل البلاد في المرحلة المقبلة.

هذا ما يدفع إلى النداء المتكرّر:

يا قادة الثوار في سورية اتحدوا.. اتحدوا الآن قبل فوات الأوان، اتحدوا أيها المخلصون فأنتم تصنعون التاريخ، ومن يصنعون التاريخ لا يكتبون أحداثه -رغم كل جهد مضادّ- متفرّقين.. تصنعون المستقبل، ولا يمكن بناء المستقبل إلا عبر توحيد الرؤى والأهداف والجهود وتلاقيها على قواسم مشتركة وتكامل الوسائل المؤدية إليها.. اتّحدوا.

وهذا ما يدفع إلى النداء المتكرر أيضا:

يا أيها المخلصون على الساحة السياسية المواكبة للثورة الشعبية.. اتحدوا، فكل مجموعة صغيرة منكم كبيرة بتلاقيها مع سواها، وكل رؤية منفردة من رؤاكم تجد طريقها إلى الواقع بقدر تكاملها مع سواها، وكل وسيلة من وسائلكم تحقق أضعافا مضاعفة ممّا تريدون تحقيقه بجمع مردودها إلى مردود سواها.. اتّحدوا.

إنّ معيار الإخلاص لسورية وثورة سورية وشعب سورية وشهداء سورية والجرحى والمصابين والمعذبين والمعتقلين والمشردين، ومعيار الإخلاص لأبنائكم وأحفادكم.. هو اتحادكم، فكونوا على مستوى هذه اللحظة التاريخية الفاصلة من تاريخ شعبكم ووطنكم وأمتكم، وكونوا على مستوى الأمانة الملقاة على عواتقكم.. اتحدوا.