الإخوان .. والسياسة.. والموضوعية..!!
الإخوان .. والسياسة.. والموضوعية..!!
حسام مقلد *
لا شك أن الشعب المصري يتمنى من جميع وسائل الإعلام أن ترتفع إلى مستوى المسئولية، وتنحاز لمصلحة مصر، وتدافع عنها بكل ما أوتيت من قوة، فنحن جميعاً زائلون: أحزاب وجماعات وأفراد... ولكن ستبقى مصر الدولة والشعب والمكانة والتاريخ.
ومؤسف أن يقع بعض أصحاب الأقلام الرصينة والعقول النيرة في الفخ، ويسقطوا في فتنة تمزيق المجتمع المصري وتشويه أبنائه ـ وخصوصا الإخوان المسلمين، وكأن هناك توصية بالتركيز عليهم ـ بسبب الانتخابات والاختلاف حول مرشحي الرئاسة ...!! ومحزن جدا بل مؤلم للغاية أن يُستدرج بعض الإسلاميين للخوض في هذه الفتنة دون رويَّة، ومُخْزٍ أن يفشل أغلب المصريين في أول اختبار لهم في الديمقراطية بهذه الطريقة المشينة!!
أفهم أن الانتخابات معركة حامية الوطيس، وأعي تماما أن السياسية لعبة تحتاج لأصحاب النفس الطويل، وأدرك حقيقة كوننا في (سنة أولى ديمقراطية) لكن ما أؤمن به وأعتقده أننا نخوض معركة قيم ومبادئ وأخلاق إلى جانب المعركة الانتخابية، وأجزم أن مصر لن تنجح وتخرج مما هي فيه وتستعيد ريادتها وقيادتها لأمتيها الإسلامية والعربية إلا لو امتلكت أدوات تلك الريادة وفي مقدمتها الحفاظ على القيم والأخلاق، والقدرة على أن تقدم للبشرية هذا المنتج الحضاري المتميز والنموذج الإنساني الراقي!!
وما كنا نتوقع أبدا أن الخلاف في الرأي أو التباين في وجهات النظر حول المرشحين للرئاسة سيتحول إلى هذه الحروب الشرسة والحملات المسعورة التي يشنها كل فريق ضد الآخرين، والأسوأ أن ينزلق علماء ومشايخ ومفكرون وصحف (إسلامية التوجه مع الأسف...!!) لنهش أعراض إخوانهم المصريين ـ بل وتحديداً الإسلاميين أمثالهم ـ وما معنى ديمقراطية وانتخابات وحرية رأي ... إن كنت سأعادي أخي أو صديقي أو حتى زوجتي لمجرد اختلافهم معي في المرشح الرئاسي الأصلح من وجهة نظري؟!! وماذا سنجنيه على المستوى الاجتماعي والأخلاقي بل حتى والأسري إن كنا سنمزق كل وشائج القربى وصلات الرحم وعلاقات الصداقة والزمالة والجوار بسبب الانتخابات؟!!
الغريب في الأمر أن أغلب الحملات التشويهية منصبَّة في جملتها على الإخوان المسلمين وحدهم كهيئة أو جماعة، وكأنهم قد ارتكبوا كبيرة من الكبائر بترشيح رئيس حزب الحرية والعدالة الدكتور محمد مرسي للرئاسة، وكثير من الناس في الواقع مندهشون من هذه الحملة الشرسة؛ لأنهم معنيون بنشر روح الأخوة والمحبة والتعاون بين أبناء المجتمع المصري بعد ثورة 25يناير المباركة.
مفهوم أن السياسة لعبة مصالح، ولا يخفى على أحد شبكات المصالح السياسية والاقتصادية التي تتحكم في مختلف مسارات العمل السياسي والإعلامي داخل مصر وخارجها، ومن السذاجة أن يتوقع أحد وقوف أباطرة هذه الشبكات على الحياد، أو أنهم سيكتفون بموقع المتفرج أو المراقب لعملية إعادة تشكيل بنية المجتمع المصري الجديدة بعد الثورة، ومعظم الاصطفافات والتحالفات والاستقطابات على الساحة السياسية المصرية الآن مفهومة ومتوقعة عند من له أدنى دراية بالسياسة وحساباتها المعقدة، لكن أن تُحرَّف تصريحات المستشار طارق البشري العالم الجليل، وتؤوَّل كلماته، وتفسر تفسيرا خاطئا، وتوظف للطعن في الإخوان فقط، وتستغل أبشع استغلال من قِبل إسلاميين ووطنيين للنيل من التيار الإسلامي كله فهذا ما لم يكن متوقعا أبداً، بل هو سلوك بعيد كل البعد عن الحيدة والنزاهة والموضوعية!!
والطامة الكبرى في رأيي أن بعض الإسلاميين يفسرون كلام المستشار البشري على هواهم ظناً منهم أن هذا الكلام انتصاراً لهم ودعماً لموقفهم الرافض ترشيح الإخوان لمرسي، ولهم كل الحق في رفض مرسي وتأييد غيره أياًّ كان .. فهذه ليست المشكلة، ولا معنى للانتخابات أصلا إن كنا سندعي احتكار الصواب، وسنفرض حجرا على عقول بعضنا البعض، ولا مجال للحديث عن الحرية والديمقراطية إن كنا نريد إجبار غيرنا على الاقتناع بآرائنا واختياراتنا وحدنا، والسير وراءنا، وإلا عُدَّ الأمر خيانة واستئثارا بالسلطة ورغبة في الهيمنة والتكويش...!!
يا سادة يا كرام إن الإخوان المسلمين كجماعة دعوية (بل وحتى كجماعة سياسية) ليس لها أية صلة أو علاقة قانونية بالبرلمان، والأغلبية في مجلسي الشعب والشورى الآن هي لحزب الحرية والعدالة وهو حزب سياسي مسئول عن قراراته واختياراته السياسية، ولا شأن لجماعة الإخوان بذلك أخطأ الحزب أو أصاب.
ولا داعي للزج باسم الإخوان في كل صغيرة وكبيرة بحجة أنه يصعب الفصل بين الجماعة والحزب، فهذا بالضبط كمن يُحمِّل الإسلام أخطاء المسلمين بزعم أنه يستحيل الفصل بين الأمرين، وليس معنى ذلك تنزيه الجماعة عن الخطأ فهذا وارد وطبيعي لأنهم بشر في النهاية، لكن حرصا على التجربة الديمقراطية الوليدة علينا لعب السياسة بطريقة صحيحة، فمن غير المعقول ولا المقبول تحميل السلفيين مثلا وزر الأخطاء السياسية التي قد يقع فيها حزب النور، وبالمثل ينبغي إعطاء الفرصة كاملة لحزب الحرية والعدالة شأنه في ذلك شأن بقية الأحزاب السياسية، ويجب التعامل معه ومحاسبته بكل دقة وحسم على أنه حزب سياسي محترف ومستقل، وليس الذراع السياسية للإخوان المسلمين.
والغريب أن يزعم البعض أن المستشار البشري قد أبدع وأجاد في تفنيد أخطاء الإخوان في البرلمان خلال المئة يوم الماضية ـ وكأنها مئة عام ـ وأن كلامه كشف عن العقلية التنظيمية الضيقة التي تحكمهم وأنهم يديرون الدولة بهذه العقلية الضيقة وكأن مصر مجرد تنظيم سري!!
فما هذا الهراء؟!! لعمري فإن هذه الاتهامات مجرد ادعاءات عارية من الصحة، وافتراءات باطلة لن تنال من الإخوان المسلمين شيئا، بل ستخدمهم وحدهم ولن تخدم غيرهم، والأغلب أنها ستضر مصر ولن تنفعها، والأهم أن أصحابها مسئولون لا شك عنها يوم القيامة، قال تعالى: "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ"[ق:18] وقال سبحانه: "وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ" [الصافات:24].
وكنا نأمل أن ينصبَّ النقد على برامج المرشحين ومشاريعهم لا على أشخاصهم وأحزابهم، وما كنا نتمنى أبدا أن يقع هذا الارتباك والتناقض في صفوف الإسلاميين، ولا يقُلْ أحدٌ إن اللوم يقع على عاتق الإخوان الذين لم يستمعوا نصح الآخرين ويسحبوا مرشحهم، ففي الحقيقة هذه هي ديكتاتورية الأقلية، ويُفترض أن نتجاوز هذه النقطة الآن، ولا داعي للاستمرار في هذه المهاترات، ولنترك الحكم للشعب المصري فهو الطرف الأصيل، وصاحب المصلحة، وله الكلمة الفصل في الانتخابات، أما أن تُستبَاح أعراض الآخرين وتُجرَح مشاعرهم، وتُسمَّم الأجواء، وتلوَّث النفوس، وتُقطَّع وشائج القربى، وتُوصد أبواب الحوار والتواصل، ويُشوَّه الناس، وتُتَّهم نواياهم، وتُحاكم ضمائرهم، وتُسفَّه عقولهم ويُفتَرى عليهم، فهذا ما لا يُقرُّه دين ولا شرع، ولا يرضاه عقل أو منطق!! وستنتهي الانتخابات أيا كانت النتائج، ولكن ستبقى النفوس مثخنة بالجراح، والقلوب طافحة بالكراهية، وأنَّى لشعب ممزق هكذا أن يصنع حضارة أو يحقق نهضة ورقيا، أو يحصل على الحرية والكرامة!!
* كاتب إسلامي مصري