هل واجبنا التوجيه أم الصمت احتراما للعقول؟

هل واجبنا التوجيه أم الصمت احتراما للعقول؟

حمزة العبد الله

في مشهد الثورة السورية كثير من الجدل يدور حول نقاط عدة يعكسها تعقيد المشهد وتداخله بين مصالح وأطراف متعددة، وأرث قديم من حقد وغل يملأ قلوب الشعب على عصابة استولت على الحكم أكثر من أربعين سنة فأهلكت الحرث والنسل وتغلغلت في كل ما يمكن أن يهنأ به إنسان، فاستولت عليه.

وجاء التحول والانتفاض من هذه القيلولة الطويلة للشعب متسارعاً على جو من الانفتاح اللامحدود والحرية الغير معهودة في ظل صراع لا يزال مستمراً يغذيه تطلع السوريين لغد أفضل من جهة، وسلاح النظام وتشبذه بالحكم من جهة أخرى.

ومن يخبر خصوصية الوضع السوري يعرف في قرارة تفكيره وجود عامل مهم آخر لا زال يغذي هو الثورة ك لك من نواحي أخرى، وهو الشرخ الطائفي الذي غذاه النظام السوري طيلة أربعة عقود حكم فيها بالحديد والنار وتكميم أفواه وأنفاس الشعب، فامتطى الطائفة العلوية – التي كانت تعاني من الظلم والاضطهاد آنذاك – ليصل إلى السلطة من خلال انقلاب 1963 وما سمي بالحركة التصحيحية في 1970، واتخذ اسلوباً استمر طيلة هذه العقود الأربعة لضمان بقائه في السلطة والحكم من خلال تخوف الأقليات من الأكثرية السنية، حتى باتت الأقليات في طرفه واستطاع استقطاب كثير من أهالي الطائفة السنية بالمال والسلطة والجاه، فبات للمشهد وجهين أحدهما الظاهر للشعب وهو تسلط الطائفة العلوية على الحكم رسخه أكثر المعايشة اليومية للتفريق وممارسات كثير من أبناء الطائفة العلوية ، والآخر خفي وهو استخدام النظام للطائفة في لعبته القذرة، وعزز شعور الناس معايشتهم اليومية للتمييز على أساس الطائفة والعرق، فالأفضلية ليست للخبرة أو الكفاءة وإنما للانتماء والطائفة. وبالرغم من وجود هكذا صورة مقتمة خرجت نماذج من الطوائف جميعاً ترفض هذا التمييز والفصل فكان مصيرها مصير الأكثرية التي مورس عليها القمع والاضطهاد، وفي كثير من الأحيان الإبعاد خارج البلاد.

وفي ظل هكذا مشهد معقد ومتداخل تبرز في البال الكثير من التساؤلات والاستفسارات عن دور الطبقة الواعية من المجتمع في ترشيده وتوجيهه بعيداً عن نذر حرب طائفية ليست ببعيدة، ويحذر آخرون من هكذا دور باعتباره يمثل وصاية على العقل وحرية الاختيار للشخوص والمجتمعات..

في المشهد الإنساني البحت نرى أن هناك أفكار حاكمة صدرت عن مفكرين وقادة، وهي التي تمحور حولها الناس وقادتهم خلال مسيرة حياتهم ووجهتم إلى رؤية معينة، فالمهاتما غاندي جاء ورتب مصفوفة الأولويات لدى محيطه فباتت أفكاره هي الحاكمة وحررت الهنود من السيطرة البريطانية عليهم ضمن رؤيته السلمية في جو كان من السهل أن يشعل ويغذي روح الحقد والغل والشعور بالظلم والاضطهاد لدى الهنود، وكذلك مارتن لوثر كينغ الذي مارس ذات المهمة مع ذوي البشرة السمراء ونقلهم إلى الحرية وأسس لمباديء هامة في حقوق الإنسان.

وفي المشهد الإسلامي نرى أن الله ابتعث الرسل والانبياء والصالحين والمصلحين والمجددين في كل حقبة وزمان، وليس ذلك سوى للتنوير وتوضيح معالم يستطيع الناس في ضوئها المضي قدما في طريق الحق والهداية، ولهم حرية الاختيار بعد ذلك، فكانت الأفكار التي يطرحونها بمثابة منارات طريق يهتدي بها الناس أثناء سيرهم، بدون حجر على فكر أحد من الناس أو مصادرة حقه في اختيار الطريق الأنسب.

كما أن من سنن الله في الكون أن خلق الناس منهم قائد ومنهم مُقاد، ومنهم تابع ومنهم متبوع، وكل ميسر لما خلق له، ولو كان الناس في معظهم قادة لما كان هناك انجاز وتنفيذ، ولو كانوا على النقيض في معظمهم أتباع لما كان هناك تقدم وحضارة ولدبت الصراعات بينهم أضعاف ماهي عليه اليوم.

إننا بحاجة إلى التوجيه احتراماً لعقول البشر وليس انتقاصاً منها، خصوصاً في المشهد السوري، وذلك لأن الشعب السوري – وبمرور ما يزيد عن أربعين سنة تحت حكم نظام الأسد سورية – عاش بشكل يومي التفريق والتمييز، والاضطهاد والقمع والإرهاب، ومن الطبيعي أن يكون قد امتلأ جوهر الناس من الحقد والغل الدفين الذي لو لم يوجه ويعالج لتسبب بطوفان البلد وخرابها، وهذا مما لا يغيب عن الذهن، وبالمقابل فإن منهجية التفكير التي تبنى في ظل هكذا ظروف تكون أحادية بإتجاه مضاد لما يتلقاه الناس، فلكل فعل ردة فعل مساوية لها بالمقدار ومضادة لها بالاتجاه إن لم تكون أكبر في هذه الحالة، ومن هذا المنطلق كان التوجيه واجباُ على كل صاحب رسالة وهدف حفظاً لمقاصد الدين والشريعة، ووصولاً لمجتمع قادر على الانخراط في الدورة الحضارية المنشودة بعيداً عن حرب أهلية أو ما شابه.