حتى لا يبكي العرب دمشق... كما بكوا الأندلس
حتى لا يبكي العرب دمشق...
كما بكوا الأندلس
جان عبد الله
التاريخ هو المدرسة العالمية التي نتعلم منها تجارب عاشتها الشعوب ونتعلم من هذه المدرسة تاريخ الأحداث والثورات والانتفضات لأن هذه الأحداث أضحت اليوم جزأ من ثقافة العصر ومن هذه الأحداث اليوم ما يراد منها الابتعاد بسورية عن محيطها العربي متجاهلين مصلحتها المرتبطة جذريا بهذا المحيط وهم في سبيل ذلك يتركونها مطية للدولة الصفوية الطامحة لمد نقوذها على المتوسط بعد أن تمكنت من السيطرة على العراق بمساعدة الاحتلال الامريكي.
ثورة الامام الخميني: يقول ابن خلدون في مقدمته الشهيرة أن انهيار الممالك يحمل الى السلطة بعد الصحو واحدا من اثنين اما رجل دين عالم وعادل واما رجل سيف اي رجل عسكري, ولكن الامام الخميني يوم عاد في 1 شباط 1979 مع بعض اساتذة المدرسة الفيضية أمثال علي منتظري وكاظم شريعتمداري واية الله الطبطبائي في مدينة قم لم يكن على ذلك المستوى من العدل فانتهاكات حقوق الانسان التي حصلت بعد عودته تزيد عما كان يحصل في عهد الملكية والتعذيب والسجن للمخالفين وقتل كبار النقاد كان أمرا شائعا بالاضافة الى اضطهاد المرأة والاقليات وخاصة من أتباع المذهب البهائي حيث تم اعدام 200 من قادته واضطهاد منظمة خلق واغتيال الرئيس محمد علي رجائي ورئيس الوزراء محمد جواد باهونار ....
رجال الدين هؤلاء كانوا منتشرين في كل مكان ويحملون كل الاختام مثل التي حملها في الخمسينيات آية الله الكاشاني, وكان شاه ايران قبلهم قد اتهم تساهل العراق مع آية الله الخميني اللاجىء في النجف ولولا هذا التساهل لم اتيح له الاتصال مع التيار المؤيد له في الداخل الايراني وعندما زار وزير خارجية ايران عباس علي خلفتبري لم يطالب بتسليم الخميني لأنه يعرف أي ردة فعل يحدثه هذا الأمر في صفوف العلماء العراقيين وهو بالأساس كان قد أبعد الى تركيا ثم ظهر بالعراق وبعدها في فرنسا لمدة ثلاثة أشهر حيث لقي كل المساعدة خاصة من الحزب الشيوعي الفرنسي بقيادة جورج مارشيه الذي وزع له تسجيلاته ومنشوراته في غالبية الصحف الاوروبية ومحطات المترو.
اليوم وبعد ثبات هذه الثورة سقطت ورقة التوت وانكشفت العورة الايرانية وانكشف معها الخبث والدهاء الفارسي بداية على الساحة العراقية حيث تم تكوين ميليشيات وتدريبها وتسليمها لتقتل بقية اخواتهم العراقيين وتنتقم منهم. كان المخدوعون بالحجج الايرانية يرون انها محاطة بمكائد كثيرة ولكن حينما بطل السحر اكتشفوا انها ثورة طائفية فارسية حتى النخاع وصل حد هيمنتها على العراق أن بعض الجماعات في الجنوب اصبحت تعتمد اللغة الفارسية في تعاملاتها , ثم أطلق عبد العزيز الحكيم الدعوة لاقامة فيدرالية تضم تسعة محافظات تتركز الثروة النفطية فيها الى أن وصلت الدعوات اليوم الى اقامة اتحاد بين ايران والعراق.
كان توجه هذه الثورة اسلاميا في المظهر لكنه كان قوميا فارسيا في الجوهر جعل اولويته اسقاط النهج القومي العربي تحت شعار خدع الكثيرين وهو تقدير الثورة , حيث كان الخميني في خطاباته قد اكد أن ثورته لم تقم للتغييرفي الداخل بل في محيط ايران ودول الجوار . كانت هذه الثورة انحيازا طائفيا تركت آثارها على باقي الايرانيين وجعلتهم محروميين من المشاركة في ادارة شؤون الدولة خاصة يوم ساعدت الاحتلال الأميركي وباركته واعتبرته تحريرا للعراق من العرب السنة.
حزب الله: نجح مبدأ تصدير الثورة في لبنان وأدى السخاء الايراني الى انشاء حزب الله الذي هو جزء من المشروع السياسي والعسكري الايراني, مارس المقاومة في جنوب لبنان بموجب تفاهمات نيسان الموقعة مع امريكا والكيان الصهيوني بعد أن انهى دور المقاومة الوطنية التي كانت تضم غالبية أطياف المجتمع وأديانه بدعم من الدولة الايرانية ذات المطامح والأهداف الاقليمية الكبرى لذلك نجد أن هذا الحزب وقف مع ايران موقف المتفرج يوم ارتكبت حركة أمل المذابح ضد الفلسطينين بين أعوام 1984-1987 وقتلت ثلاثة آلاف منهم فيما يسمى بحرب المخيمات.
النظام السوري: استطاع حافظ الأسد في السابق أن يدمر مدينة حماه ويقتل ما يقارب الأربعين ألفا من سكانها تحت مظلة من الشرق والغرب كتنت في حقيقة الأمر حربا ضد شعبه مغطاة عالميا بشرعية مقاومة المد الأصولي الايراني مع أنه الصديق الوحيد للخميني والخمينية حيث سيكون لاحقا حصان طراودة الايراني. لقد أنجز النظام السوري في ظل صمت النظام الغربي بيده لا بيد اسرائيل تلاشي المجتمع السوري خلال النصف الأخير من القرن الماضي لدرجة تحولت معها جرائم الأسد وابنه من بعده الى انجازات هي مبعث فخر واعتزاز قتل الكثيرين في تدمر وباقي المعتقلات بصمت وهدوء وكتمان.
بعد أن كانت سورية مثالا للتسامح والتعايش والتعدد السياسي والطائفي في العهود الوطنية ولم تكن تهددها الحروب الأهلية والطائفية حتى أيقظ حافظ الأسد الفتنة وأسس نظامه الكابوسي على انقاض الحياة السياسية والحزبية . كان المجتمع السوري عنبرا للتيارات الفكرية والثقافية والسياسية ولعشرات الصحف والمجلات يستقطبون وفقا لانتماءاتهم الحزبية والسياسية ولا يساقون مثل اليوم كالأغنام الى مذابح الحريات الانتخابية بنصف صوت , وهو يتابع اليوم عملية قضم شمولي للبنان هذا المستودع الذي تبقى من الحريات عربيا والتي انتزعها من بين مخالبه بعد أن كان راعيا ومدبرا للحرب الأهلية فيه.
نظام المافيا الروسي: في زمن الشاه كانت دوائر موسكو تقول أن الشاه يتدخل في القرن الأفريقي لمصلحة الصومال باعتباره معنيا بممرات النفط لهذا لم تتضايق عندما اثيرت المتاعب في وجهه في ( تبريز وقم ) لأنه كان صديقا للبيت الأبيض حتى أن بعض المراقبين المحايدين كانو ا يقولون أن هذه المتاعب هي نتاج الوفاق بين الجبارين وأن واشنطن كانت تلعب لغبة تغيير النظام مع أنها تعاملت مع الشاه ووالده منذ أيام فرنكلين روزوفلت فهو صاحب خبرة وعدو للشيوعية وحارس من حراس المصالح الاميركية في المنطقة لدرجة أنها كانت تعتبر رحيله قفزة في المجهول, ولكن واشنطن بنفس الوقت كانت تريد صديقا لايخاطبها من فوق ولايملي عليها الشروط ولا يتحكم باسعار النفط ولا يقود تيارا في منظمة أوبك , لهذا اعتبرت الاضطرابات جرس انذار في اذن الشاه, وقد اعترف مرة بان سقوطه جاء من الغرب وليس من الشرق لمناحيم بيغين .
اما روسيا سمحت ايضا بتصدير كمية من الصواريخ ( اس. اس.12) للعراق لتستخدم في تدمير مصافي جزيرة (خرج) يوم أعدمت ايران مجموعة من أعضاء ثورة الشيوعي , كما باعتها واشنطن وبنفس الوقت 60 طائرة هيلوكوبتر وسربا من طائرات الاستكشاف ,هذه اللعبة المتوازنة ظلت تقاد بمهارة فائقة ومراقبة مستمرة....
اليوم وبعد قيام الثورة السورية وفشل مهمة مبعوث الجامعة العربية ومبعوث الأمم المتحدة , نجد أن الدول العربية القادرة تعزف عن دعم الثورة السورية الا بالحد الادنى وبشكل خجول مع انها هي المستهدفة من ايران في الخطوة اللاحقة, سكتت وساعد بعضها في سقوط العراق غلى ايدي الاحتلال الاميركي وهي اليوم تتقاعس عن دعم الشعب السوري وكأنها بشكل غيرمباشر تساعد على ابقاء دمشق في كنف النظام الفارسي ناسية أن الأهداف الايرانية أعمق وأبعد من أهداف الشبيحة الذي يمكن أن يشعل حربا من أجل تهريبة مخدرات , بينما يستمر هذا النظام في ذبح الشعب السوري بمباركة اسرائيلية ودولية وعربية , بعض الشيء حينها لن ينفع هؤلاء الحكام العرب بكاؤهم مثل ما بكوا الأندلس في السابق , وما احتلال ايران للجزر العربية الثلاثة الا لجعلها منصة وجبهة عسكرية متقدمة لهضم دول الخليج واحتلالها حينما تسمح لها الظروف.
لم يرض بعض هؤلاء الحكام اعفاء العراق من ثلاثين مليارا من الدولارات التي تكبدها في سبيل حماية العراق وحمايتهم بينما هم معرضون ازاء الخطر المحدق بهم أن يفقدوا كل ثرواتهم وسلطاتهم وهويتهم وقد يتحسرون مثلما تحسر الشاعر السعودي عندما قال:
ليت العرب باقي معاهم ثلاثة زايد وفيصل وأحمر العين صدام
ماكان شفت الشام يرجى الاغاثة ولا انتظر فزعة مريضي الأحلام