يبحثون عن منفذ لكسر عنق الثورة

يبحثون عن منفذ لكسر عنق الثورة

د. سماح هدايا

الحرب على  الثورة السوريّة شديدة ذات تلاوين كثيرة، وهي توغل  في سراديب المراوغة والخداع والمكر والإرهاب... ولا يجوز، في أيّ سياق ارتكاب خطأ تصديق النظام السوري بأيّ من مؤسساته الإعلاميّة والسياسية، والضياع في تيه طوفان المعارضة التي مازالت لم تحسم قرارها في إسقاط النظام، وما زالت تفرش الأوهام بالحوار والإصلاح طريقا لتغييره . هذه المرحلة الآن شديدة التأثير في إشاعة الإحباط  لدى الشعب الذي أصبح  يتلوّى إرهاقا بين قطبي الجذب والانجذاب. ثم في نشر حالة الأكاذيب التي تشكك بكثير من مقولات الثورة وأفعالها وحراكها ومصداقيتها، بهدف ضربها.

وإنّ من أشكال الحرب على الثورة  التشجيع الإعلامي والسياسي لحراك المعارضة المسايسة المسالمة المطيعة لأولوية السلم، المتنقلة بين المواقف وفق المصالح، لا وفق  المبادىء الوطنية، يدعمها أنّ عقول بعض المعارضة، مازالت  أسيرة تجارب الماضي. لم تبلور  الثورة رؤيتها ولم تهز عميقاً في جذور تكوينها الفكري الذي تحنّط، وفي واقع أفعالها الذي تعلّب في النظريّات الثابتة الراسخة؛ فعجز هؤلاء عن التماشي وروح الثورة. وبدا  منتوجهم مضطربا مشوشا متقلّبا قصير المدى، يفقد قوة الفعل الواقعي والمساهمة الميدانيّة. ويسهم في تشويه النضال، وفي إرباك حراك الثورة.

ليست الموضعيّة والمنهجيّة  في أن نسير ضمن تأطير نظري وعلى  آليّة الخطوات المنطقيّة لترتيب الأفكار والاستنتاجات، بل أساس المنهجية وأصلها تحديد الإشكالية بشكل صحيح  وتعريف المشكلة بدقة ثم رسم الطريق إليها بالممكن، وعلى هدي الثورة. وإلا سنضيع في متاهة التنظير ... وهؤلاء الذين طفت أصواتهم على سطح الثورة بصخب النظريات وضجيج الأحزاب والتكتلات، ينسى بعضهم أن مشكلته الأولى يجب أن تكون مع النظام : العقبة والسد المانع،وبما يطرح إشكالية العلاقة بين الاستبداد والحرية  وليس الوهم بإمكانية تقاسم السلطة واعتلاء كراسي الدائم. يريدون قبل تحرير الوطن من الاستبداد والطغيان والإجرام، تحقيق مكاسب سياسية وسبق سيادي. يهربون من مواجهة متطلبات الواقع العمليّة وهي  واضحة متمثلة يإسقاط النظام من جذوره، وإنهاء الاستبداد مبنى ومؤسسات ورموز ونتائج، والعمل على إيجاد آلية عمل، وتنفيذها، إلى الخوض بعيدا في رتابة تعلك نفسها تكرارا وصراعاً على  قضايا لاحقة  حول الدولة المدنية ودستورها وقوانينها وعلاقة الدين بالدولة والأقليّات وحقوقها.  إنّه الاستحواذ السياسي والفكري والعمل على إيجاد منفذ سياسي للتحكم فيما بعد بعنق الثورة .

المعارضة التي  تنمّطّت في تقليدية متسرّبة من العهود البائدة فكريّا وسياسيّا واجتماعيّا لافظة مؤثرات التغيير التاريخي والعولمة وانهيار كثير من الأنظمة الاقتصادية والسياسية، هي الآن بحاجة ماسة إلى غربلة افكارها ومواقفها، والقيام بمراجعات جريئة تؤهلها لأن تكون جديرة بالحياة، والثورة، إذا ما أرادت المشاركة وليس تنصيب نفسها وصية، ومرشدة، وبالتحديد،  في ضوء حركة الواقع الثوري، أو اقتلاع نفسها من الساحة السياسية قبل أن تصبح في هيكلية  معارضة الثورة، وفي إطار الحركات الانعزالية المضادة للثورة ولحركة التحرر الشعبي .

وليس إغراق الثورة  المثخنة بالجراح  بمزيد من القتل السياسي أمرا سهلا، بل يجب أن يستدعي الرفض والمواجهة من قبل الثوار والمعارضين الأحرار المخلصين المتكاملين مع المشروع الثوري. فالتصالح بين حركة والمعارضة وحركة الثورة والشارع الثائر أمر جوهري. والأفكار تخرج من رحم الشعب وتجاربه، ولا تسقط عليه من فوق، من  الذين يرون في عقولهم عصمة النخبة و شرعية القيادة والسلطة ورمزية الأفراد. الثورة هي عمل جماعي مجتمعي لفريق وطني واحد.    وبدل أن يشتدّ  لدى أطياف معارضة الداخل والخارج  الهجوم على النظام السياسي الاستبدادي الذي يقتل ويرتكب المجازر، ويتسبب بكل الانحرافات،  يصبح  صراعا على المكاسب والمصالح والمواقع بين العلمانية  والقومية واليسار  والأصولية الدينيّة، والتطرف الإثني.  ويزداد الصراع بين الهجوم، والدفاع، والهجوم المضاد،  وتتباعد المسافات بين المتنافسين جميعا، وبين المتنافسين والشعب. وتترسخ منظومة التكرار الببغاوي للأنماط الاستعماريّة المتعلقة بعباءة الإرهاب واضطهاد الأقليات والنمطية المتخلفة للتعاطي مع الإسلام رفضا أو تمسكا، بينما ما زالت المعارضة خارج إطار الثورة في كل من الداخل والخارج، تعيش التيه المريع.

جهود هؤلاء  في قيادة الأمور الوطنيّة مشوشة تفتقر لأصالة الرّؤية واستقلال الرأي والمنهجية وقبول الآخر،  تسيء جدا إلى الثورة السورية، و تسيء إلى صورهم أمام الملأ. الإخوان المسلمون حاولوا في مستجد منتوجهم السياسي تحقيق انفتاح أوسع على الآخرين، وبغض النظر عن جوهر قصدهم، فظاهره دعوة ائتلاف؛  فهل تفعل أطياف المعارضة الأخرى، خصوصا ما يسير منها في طريق هيئة التنسيق ومنهجها وأهدافها، وتنفتح على الآخرين؟ وهل يتفق الجميع على إسقاط النظام، أولا، قبل أي فعل آخر، ويعملون جميعا بجديّة على إسقاطه؟