رسالة التربيع والتكوير (1)

محمد فريد الرياحي

[email protected]

اعلم أن الثقافة سلوك مسلوك في نظم من الضبط والانضباط، والبسط والانبساط، قبل أن تكون معرفة يجمعها جامع من التجميع، أو يرقعها راقع من الترقيع، فإذا هي خليط من الخلط، وخبيط من الخبط، ضاعت منه ضالته،

فهو لا يتعرف شرعته، ولا يتلمس في الدياجير أسلوبه وطريقته. اعلم أن الثقافة جلاء في الفكر، وانشراح في الصدر، وعلو في القدر، واصطبار في المد والجزر، واعتصام بالذي هو حق من الحق، وانقياد لما يمليه عليك واجب الصدق، وانغمار في تماويج الشوق، حتى بلوغ تباليج العشق، وصدع بالأمر في الموقف الإمر، واقتحام للعقبة وما أدراك ما العقبة، وارتداد عن الأثرة في مجامع الجلبة، ورضى في الحوار بالآخر، وقدرة على الإنصات والاستماع، في دوائر الإقناع والاقتناع، واختيار لتضامين الإبداع والابتداع، من بعد وعي واستيعاب لما كان من الاتباع، وتوجيهه الوجهة التي يرضاها العصر، وترضى عنها الأمة، من غير مصادرة ولا مداورة، ولكن في مشاورة ومحاورة لا تلغيان أحدا من الثقلين في المشرقين أو في المغربين، وتحكيم للعقل المعقول، فيما صدر عن البشر من المنقول، ونبذ للهوى وما روى، فقد ضل من قبل وغوى، وإقرار بأن لا فضل في الثقافة إلا لمن غلب كبرياءه، فلم يفرض على الناس كيمياءه، واقتدار على قول أخطأت حين الخطأ، وأسأت حين الإساءة،فلست يا أحمد بن عبد الوهاب بالذي عصمه الله من الزلل، أو أذهب عنه الخطل، فهو الكامل المكتمل، الذي يملك من الرأي الكهل المكتهل، وما أنت إلا من بني آدم تأكل ويأكلون، وتشرب ويشربون، وتنام وينامون،وتصحو ويصحون، وتمشي في الأسواق ويمشون، فبأي شيء تراه حكرا عليك، تحكم على الآخر بالتدمير والدمار، والعار والشنار، وتدعو عليه بالويل والثبور، وعظائم الأمور. لست يا أحمد بن عبد الوهاب بالهراس، ولست يا من تجهل العربية حقائقها ودقائقها، بأبي جعفر النحاس، لست ببدر شاكر السياب، ولا بصاحب الأرض اليباب، لست بعبد الوهاب البياتي، ولا بالهمشري ذي الشعر المواتي، لست بابن خلدون، ولا بابن زيدون، لسن بابن دريد ولا بأبي زيد، لست في الأولين ولا في الآخرين، لست في العير ولا في النفير، ولكنك أحمد بن عبد الوهاب ببصرك الشاخص، وعقلك الناقص، ومشيك الراقص، أو المتراقص،لا من دندنة أنت فيها، ولكن من لوثة جلبت عليك بدواهيها، فاقعد حيث أنت من التربيع والتدوير، والتمويه والتزوير، ورحم الله الجاحظ، فقد كان فردا طودا صلدا. أما أنت، فمن أنت؟ أنت  أحمد بن عبد الوهاب من غير زيادة أو نقصان، فاسكن إلى فصيلة الرخويات، ولا ترحل إلى من قال فيهم الشاعر الذي صور فأبدع، وأنشأ فأمتع

أحلامنا تزن الجبال رزانة=وتخالنا جنا إذا ما نجهل

لا ترحل إليهم فإنك إن رحلت جعلوك ضحكة وحبسوك في قفص القردة الخاسئين،لا ترحل إليهم فلست منهم. واعلم لا نجاك الله مما أنت فيه من سوء الحال، أن الثقافة مسلك يتحقق في الحركي والمنفتح من القيم لا المتخشب ولا المتكلس،وأن العظيم من ملك القوة في غير استكبار، وجمع العلم في غير اغترار، واحتكم إلى العقل، والعقل من الشرع فيما يضطر إليه من الاضطرار، والسلام يا أحمد بن عبد الوهاب، على من اتبع الهدى وأصاب، وخر ساجدا وأناب.

الهراس= الأسد