بيت القصيد

بيت القصيد

محمد فريد الرياحي

[email protected]

إنه من أعجب العجائب، وأغرب الغرائب، ما يحدث في هذا الزمن ذي التعاجيب من الاستئساد والتنمروالتطاول على

ذوي الفضل من المبدعين الذين جمعوا إلى قدرتهم على الإبداع، واقتدارهم على الإيقاع، سلوكا أقوم ما يقال فيه

إنه سلوك من أشرب قلبه حب القيم والمبادئ فهو عنها يصدر، وإليها يرجع، وعليها يعول، وبها يهتدي، ولها يقدس

وفيها يبني ما هو بانيه من الرؤى،ويصنع ما هو صانعه من المواقف، في وعي بما يدور من الأحداث، وإدراك 

  لما يقوم من الأفعال في المعمعان الوجودي الذي لا يثبت فيه إلا من أوتي من البصر والبصيرة،

والعزم والحزم، ما به يقف فيما ادلهم من الموج قائما للحق، مقيما عليه، لا يتركه ولا يهجره ولا يخذله.

ولقد مر على الناس حين من الدهر بدا فيه هذا السلوك متجاوزا أو كالمتجاوز لا يملك من ذاته وآياته،  ما به وفيه يفعل

الحياة، ويبدع الوجود. بدا هذا الذي نذكره لكثير ممن أغفل قلبه عن ذكر الحقيقة، بل حجب عن رؤية ما ثبت من الجوهر،

واستقر من المبدأ، فخاض في ذلك وبذلك، فيما تخوض فيه الدهماء من السطحية، وتسلكه السوقة من التسطح،فلا رقيب من

العقل يحول بينها وبين الانزلاق، ولا حرز من الثقافة يمنعها من الانتكاس والارتكاس،ولا حصن يدرأ عنها ما هو من قبيل

التافه من الحاجات،والحقير من الحوائج،فهي إذن تهبط بما لها من الوضاعة الفكرية، والرقاعة الأخلاقية، إلى أسفل سافلين

من الدرك السلوكي لترى ما حاق بها من أفعالها،وحاط من أوزارها في الذي هي أهل له، وهو أهل لها من الدناءة والضحالة

والخساسة، فلا تقوم إلا لتسقط،ولا تسقط إلا لتندحر،ولا تندحر إلا لتندثر، فيما اختارته هي من الهبوط في دوامة لا نهاية لها

من الضياع والتضييع. ولقد أدركت في المكان والزمان هذا النوع من المصير ممثلا في سلوك فريق اختار لنفسه عن جهل

أن يكون في الغوغاءفلا وجهة له إلا فيما راقه من العبث، وشاقه من الرفث، وران عليه من الغواية، وغشيه من العماية، فلا

يعرف فيما هو فيه من هذه القواصم طريقه إلى الرشد. تراه من جهله يسيء إلى أولي العلم  وذوي العزم من المبدعين بالذي

هو متأصل فيه من الشر، ومتجذر من اللؤم، فيسلك سبيل التمرد على من كانوا به رحماء، بما أهدوا إليه من الخير، وأسدوا

من النصح في الأيام الحالكات صدورا عن عقيدة هم أصحابها، وانطلاقا من سليقة هم العاكفون عليها،فيتقول عليهم الأقاويل

بما جبل عليه من الكذب والبهتان، فإذا هو فيما ارتآه من الوجهة، قد تخبطه المس من سوء أحواله وأفعاله، وإذا هم فيما

اتخذوه من الشرعة أشداء أعزاء لا تنال منهم الأحداث الجسام. ذلك بأن لهم من ذواتهم عواصم تعصمهم من القواصم،

فكيف بالتافه من الأكاذيب، والحقير من الأراجيف التي لا تجوز على من أوتي عقلا وقلبا، وبصرا وبصيرة، وعلما وفهما،

ورواية ودراية، فهو كالطود الأشم بل هو الطود المشمخر الذي تتكسر الأعناق عن التطلع إلى ما هو فيه من الرسوخ والعظمة،

فما بال التافهين لا يفقهون حديثا، وكلما جاءهم من الفحول خبر ظنوه خبرا نبيثا. فبئس ما هم فيه من الذلة والمسكنة، ونعم أجر

المبدعين الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا،وإذا اؤتمنوا لم يخونوا، وإذا شعروا أبدعوا، وإذا كتبوا أمتعوا، وإذا

وزنوا وقـّعوا، وإذا أنشدوا رجّعوا،وإذا كلموا أقنعوا، وهل يستوي من أبدع وصور، وبنى وعمّر، ومن زيف وزور، وهدم ودمر،

إنهما لا يستويان مثلا. فلينفق كل من عنده، والعاقبة لمن كان في العلم محلقا، وبالعقل محققا، وللشعر مرققا، وللغة مدققا، وللجهل

مخرّقا، ولا عدوان إلا على من ران على قلبه ما كسب من الأفعال السيئات،فهو بها في حيرة تأخذه من قفاه فترمي به في قرار

بعيد من الاضطراب الذي ما أتى على شيء إلا أكله والعياذ بالله.